باريس ــ الأخباريمكن إخفاء العديد من “القطب في نسيج العلاقات الفرنسيّة ـــــ السورية»، إلّا أنه من نافل القول إن العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية لم تشهد قفزة نوعية منذ سنوات، بعدما خبت في نهاية عهد الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، قبل أن تعود لتتطور في ظل سياسة القطيعة التي اعتمدها خلفه نيكولا ساركوزي.
يمكن ملاحظة هذا النمو المطّرد في التبادل التجاري وزيادة حجم الاستثمارات. إلا أن التقارب لا يمكن قراءته إلا من واقع سياسي محض، حتى بالنسبة إلى اتفاق التعاون الاقتصادي، الذي وقّع مع الاتحاد الأوروبي. إلّا أنّ هناك عدداً من الاتفاقات ومذكّرات التفاهم، التي تنظّم التبادل بين البلدين، وتسهّل دخول البضائع السورية إلى فرنسا والاتحادالأوروبي، إضافةً إلى اتفاقيات “حماية الاستثمارات الأوروبية” التي تمثّل عامل جذب رئيسياً للمستثمرين، وخصوصاً شركات الخدمات (مصارف وتأمين)، كما تأسّست الوكالة الفرنسية للتنمية في دمشق لتمويل وتقديم هبات وقروض وخبرات تقنية للمشاريع الصغيرة والكبيرة في مختلف المجالات.
إلّا أن واقع العمل على الأرض يخالف بقوة ما تشير إليه الأرقام، فالجميع يعلم أن “المشاريع الكبرى ترتبط بقرارت سياسية”. ومن المعروف أن باريس تنظر بشغف إلى النفط والغاز في حقول سوريا “المكتشفة، أو التي هي على طريق الاكتشاف”، كما أسرّ أحد المقربين من هذا الملف. إلّا أن جذب سوريا للاستثمارات في تراجع، حسب قول أحد الخبراء، وحسب مؤشر التنافسية الصادر عن البنك الدولي، الذي يشمل ١٣٠ دولة، والذي وضعها في الصف الـ٩٧. كما أنها صُنفت في المرتبة الـ٥٦ بالنسبة إلى “حزم مؤسساتها”، وذلك في إشارة إلى القوانين التي تحمي المستثمرين، إلّا أن بضائعها، التي باتت تستطيع دخول أوروبا من دون تعرفة جمركية، مصنّفة في الدرجة الـ١٠١ بالنسبة إلى “تقصير الجودة”، بينما ترتقي إلى الدرجة “الثانية” بالنسبة إلى “التكلفة الاقتصادية”، التي تثقل سعر التكلفة، إضافةً إلى “وجود نوع من العنف”، الذي يرافق التعامل التجاري والصناعي. وسوريا، بحسب مؤشرات أخرى يعتمد عليها رجال الأعمال الأوروبيّون، وهي تحتل المركز السابع عشر في الشرق الأوسط بالنسبة إلى “الجاذبية الاستثمارية”، أي ليس ثمّة سوى جيبوتي والعراق وراءها. وتشير كل الأوساط إلى أن صعوبة التعامل في سوريا ترتكز على صعوبة تأسيس شركات، والحصول على رخص بناء، إضافةً إلى إدارة العمالة. كما أنّ من الصعب على الشركات الصغيرة الآتية من الخارج الحصول على اعتمادات لتوسيع أشغالها، إلّا أنّ ما يقلق المستثمر الأجنبي بقوّة هو الحماية القانونية للاستثمارات، التي تعتمد “فقط” على العلاقات السياسية بين دمشق ودولة المستثمر، بينما يمثّل تحصيل الضرائب والرسوم “أزمة كبرى”، حسب أكثر من صاحب عمل يرغب في الاستثمار في سوريا، أو سبق له أن استثمر فيها. ويقول أحد هؤلاء إن “احترام العقود التجارية يكون حسب أهواء الشريك السوري أو نفوذه”. ويشير إلى أن التشديد الإعلامي على تطور العلاقات السورية ـــــ الفرنسية في المجال الاقتصادي لا يشير إلّا إلى “العقود العملاقة” التي تتداخل فيها مصالح الدول الموقّعة، ولا تدخل فيها الحسابات التجارية “البسيطة”.