الأسد يرفض تقييد الفلسطينيّينباريس ــ بسّام الطيارة
لم تعكّر رسالة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المودعة لدى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، صفو لقاء الأخير مع الرئيس السوري بشار الأسد، وإن بدا على وفده المرافق بعض الارتباك.
الأسد بدا مرتاحاً عند خروجه من قصر الإليزيه، قبل أن يتوجه نحو جمع كثيف من الصحافيين في الباحة ليلقي «كلمة قصيرة» قبل أن «يعطي سؤالين فقط» لصحافيَّين كان اسماهما يدوران بين الزملاء قبل ساعة من خروج الرئيس السوري. ولم ينفع تدخل الصحافة السورية الموجودة بقوة ولا الصحافة العربية ولا الفرنسية، التي يبدو أنها تعودت «أنه في بعض الأحيان يكون إيقاع الأسئلة مضبوطاً» كما ذكر أحدهم. إلا أن الأمر كان أفضل مما أصاب الصحافيين خلال زيارة نتنياهو، إذ انتظروا ساعتين من أجل «لا شيء».
الرئيس السوري لا يرى شيئاً في «عرض نتنياهو مفاوضات مباشرة»، وهو مضمون السؤال الثاني، إذ رأى أنه «تلاعب بالألفاظ» متسائلاً: «عن ماذا نتحدث؟». وخرج الأسد عن التقاليد السجالية السائدة عربياً وتابع تساؤله: «هل نتحدث عن قائمة الطعام أم عن استرجاع الأرض؟ ولهذا الموضوع مرجعيات وآليات» و«إذا كان بنيامين نتنياهو جاداً في رغبته بالتفاوض مع سوريا، فليرسل خبراء مختصين بالتفاوض إلى تركيا»، مشدداً بذلك على تمسك بلاده بالوساطة التركية. ورأى الأسد أن الدور الفرنسي هو لـ«دعم تركيا في وساطتها». وكان قد ذكر، رداً على السؤال الأول، أن بلاده «ليس لديها شروط بل حقوق لن تتنازل عنها».
فقط صحافي شجاع استطاع «خرق حصار الأسئلة» فصاح سائلاً عن «الدور الفرنسي»، فأجاب الأسد: «إن الدور الفرنسي تقرره فرنسا». وأضاف: «لكننا نرى أن الدور الأوروبي والفرنسي يجب أن يكون في دعم الدور التركي وإقناع الاسرائيلي بأن تكون تركيا هي الوسيط».
وفسر العديد من الحضور ذلك بأنه «رد سلبي على دعوة ساركوزي» بالقبول بالمفاوضات المباشرة. إلا أن السلبية لم تكن سيدة الإجابات في هذه المداخلة القصيرة في ظل غياب مؤتمر صحافي يبدد التساؤلات الصحافية المشروعة وضباب التنبؤات من صحافيي العالم الذين تحلقوا في باحة الإليزيه.
ورأى البعض بين سطور التصريحات القليلة «انفتاحاً على التفاوض»، لكن ضمن «الشروط السورية التي باتت ليّنة» وتتطلب «بعض المرونة الإسرائيلية». وقد لمّح لها الأسد مباشرة في حديثة حين طالب بـ«وقف قتل الفلسطينيين»، ما فسّره البعض بأنه «مطالبة برفع الحصار قبل أي إمكان للتفاوض المباشر».
إلا أن الليونة هذه عادت وتوضحت داخل «اللقاء المقفل مع مجموعة من المثقفين»، كانت لائحتهم قصيرة جداً، ولم تتجاوز عشرين اسماً، من دون أن يمنع هذا «التسريبات المهمة».
خلاصة هذه التسريبات التي نقلت حديث الأسد وما سمع وما قال للرئيس ساركوزي هي أن «الدور الفرنسي مهم جداً، إلا أنه لا يمنع الدور الأميركي ولا يحل محله». أما في التفاصيل، فقد نقل الحاضرون عن الأسد قوله إن ساركوزي أشار له إلى أن «الغرب لن ينتظر إلى الأبد الردود الإيرانية»، وطلب من سوريا «توضيحاً لموقفها» من الملف. فكان رد الرئيس السوري أن المطلوب ضمانات للإيرانيين لاستعادة كميات اليورانيوم التي ستخرج من إيران، وعرض أن تكون العملية «حسب خطة على مراحل»، وهو ما رأى فيه البعض «طرحاً سورياً للتوسط لدى إيران يحمل عرضاً واضحاً ودقيقاً»، رغم أن باريس عارضت مراراً أي «انتقاص من الكمية التي يجب أن تخرج كاملة من إيران».
أما بالنسبة إلى نتنياهو، فقد نقل مصدر حضر اللقاء عن الأسد قوله إنه أبلغ ساركوزي: «لا نقبل أي تقييد» بالنسبة إلى الملف الفلسطيني، والتقييد لا يتعلق فقط بسوريا، بل إنه قال: «لا نقبل تقييد أيادي أحد»، في إشارة فسرها المراقبون بأنه يرفض «مطالبة حماس بالقبول بشروط خريطة الطريق قبل فتح حوار معها».
أما بالنسبة إلى الدور الفرنسي، فإن النقاط التي عرضها الرئيس السوري، حسب تسريبات موثوقة، توزعت على ٣ نقاط: أولاً طلب الأسد من باريس المساعدة لإعادة إحياء الدور التركي، وهو بذلك يطالب ساركوزي بالضغط على «صديقه بيبي» للقبول بالعودة إلى المفاوضات، لكن «من حيث توقفت ومع من كان منغمساً بتسهيلها»، حسب تفسير فرنسي لهذا الطلب.
أما النقطة الثانية، فقد تمحورت حول دعم المصالحة الفلسطينية. ويمكن فهم هذا الطلب بأنه تخفيف الضغط عن «حماس»، أكان ذلك من ناحية «مبدئية»، أي مطالبتها بالاعتراف بـ«مجمل الاتفاقات السابقة» من دون أي مقابل سياسي، أم من ناحية عملية مادية، أي رفع الحصار عن غزة بحيث «لا تضيع تضحيات الغزاويين».
وأخيراً كانت النقطة الثالثة متعلقة بلبنان، حيث طلب الأسد من باريس «دعم استقرار لبنان»، مشيراً إلى أن الحكومة الجديدة «ستقلص النزاعات».
كشف الأسد عن أن ساركوزي قال له: عندي ثقة بك لكن هذا لا يعني إلغاء الخلافات
وقد نُقل عن الأسد قوله إنه «بعد فشل (الرئيس باراك) أوباما، فإنه ينتظر من فرنسا أن تؤدي دوراً»، إلا أنه شدد على أن الأمن والاستقرار في المنطقة يتطلبان الأخذ بالاعتبار مكانة كل من إيران وتركيا. وأشار إلى ضرورة «إشراكهما» في مختلف الملفات.
ولفت انتباه المشاركين في اللقاء أن الأسد صارحهم بأن ساركوزي قال له: «عندي ثقة بك، لكن هذا لا يعني إلغاء الخلافات». وخلص الجميع إلى أن القطيعة الساركوزية أعادت وصل العلاقات السورية ـــــ الفرنسية، لكنها لم تلغ بشطبة قلم الملفات المتكدسة التي اعترضت وتعترض سياسات تسعى لأهداف قد تكون مشتركة، لكن في سبل مختلفة. والواقع أن الوضع بين البلدين لا يزال بعيداً جداً عمّا سماه البعض، على نحو جدّ تفاؤلي، «شراكة استراتيجية»، لكنه خطوة كبيرة خطاها الأسد وساركوزي في اتجاه تعامل براغماتي وواقعي لمحاولة حل لملفات المنطقة بانتظار عودة اللاعب الأكبر أوباما.
التسريبات عن الأسد وتصريحه المقتضب في الإليزيه، سبقتهما مواقف صريحة أطلقها الرئيس السوري خلال مقابلة مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية نشرت أمس. ورأى الأسد أنّ نقطة الضعف في إطار «عملية السلام» هي أنّ الراعي الأميركي يفتقر إلى خطة عمل لتحريك عجلة المفاوضات.
وفيما أعرب الرئيس السوري عن أسفه لكون العلاقات الأميركية ـــــ السورية لم تصل بعد إلى مستوى عودة الثقة بين البلدين، جدّد التعويل على دور أوروبي، وخاصة فرنسي فاعل، في الشرق الأوسط. ورداً على سؤال عمّا يتوقعه من إدارة أوباما، أجاب: «أول شيء نتوقعه منها هو في موضوع السلام، ولاحظنا حركة معيّنة في هذا الإطار»، كاشفاً في المقابل أن الحوار بين دمشق وواشنطن بشأن السلام، رغم زيارة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل لدمشق، «لم يتطور إلى أكثر من تبادل للآراء، ولم يجرِ التوصّل إلى رؤية مشتركة».
وبينما ذكّر باستمرار العقوبات الأميركية على سوريا، رأى أنه «حين لا تكون العلاقات الثنائية جيدة، من الصعب أن نتحرك معاً نحو السلام، مع العلم بأنّ أميركا هي أحد الرعاة الأساسيين لعملية السلام، لكونها لا تزال القوة الأكبر في العالم».
وسُئل الأسد عن الأسباب التي تحول دون تحقيق تقدم في المسار السلمي، فأجاب: «عملية السلام بحاجة أولاً إلى أطراف تريد السلام، وثانياً إلى راعٍ أو وسيط. نحن العرب لدينا رغبة في السلام، وهناك مبادرة عربية، لكن مع الأسف الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا ترغب في إعادة إطلاق عملية التفاوض».
وحمّل الأسد الراعي الأميركي مسؤولية ضعف المفاوضات السلمية بين العرب والدولة العبرية، من دون أن ينسى التأكيد أن «ما عبّر عنه الرئيس أوباما في موضوع السلام جيد، ونحن نتفق معه على المبادئ، لكن ليس لديه خطة عمل، بينما على الراعي أن يضع خطة عمل وأن يكون مبادراً، لا سلبياً، وينتظر تحرك الأطراف».
على صعيد آخر، فضّل الأسد عدم التعليق على إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عدم رغبته في الترشح للرئاسة، واكتفى بالقول: «لا أستطيع أن أقول إني آسف أو لا على القرار، هذا قراره، ربما اعتقد أنه لا يستطيع أن يقوم بما يريده، لكن المهم في النهاية هو ما يريده الشعب الفلسطيني».
وعندما سئل الرئيس السوري عن السفينة التي تعرضت للقرصنة الإسرائيلية الأسبوع الماضي بحجة أنها آتية من إيران ومحملة أسلحة لحزب الله، رأى أنّ هذه القضية «واحدة من الأكاذيب التي تنشرها إسرائيل»، مشيراً إلى أنّ «المشكلة تكمن في أن هذا العمل هو المخالف للقانون الدولي، لا حمولة السفينة».
في الموضوع اللبناني، أعرب عن تفاؤله بأن تأليف الحكومة من شأنه «أن يُسهم في تحسّن العلاقات السورية ـــــ اللبنانية تمهيداً لإعادتها إلى وضعها الطبيعي».
وفي الملف الإيراني، شدّد على أنه «لا أدلة على وجود برنامج عسكري نووي لديه». وفي ما يتعلق بالاقتراح الدولي لتخصيب اليورانيوم الإيراني خارج أراضي الجمهورية الإسلامية، اعترض على مبدأ نقل كامل اليورانيوم الإيراني إلى الخارج، متسائلاً: «لماذا لا ينقل تدريجياً؟».



أشكنازي يدعم المسار السوري: لا تيأسوا من الأسد

علي حيدر
بموازاة الحراك السياسي الإسرائيلي المكثف تجاه المفاوضات مع سوريا، أعرب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، خلال اجتماعات مغلقة، عن تأييده لاستئناف المفاوضات مع دمشق، مؤكداً أنه «لا ينبغي اليأس من (الرئيس بشار) الأسد، وأن سوريا ليست حالة ميؤوساً منها». ولفت أشكنازي الى أن الرئيس السوري ليس رجلاً متديّناً وتلقى تعليمه في الغرب، وبالتالي «يمكن أن ينضم الى المنظومة المعتدلة» في الشرق الأوسط.
وفيما يأتي موقف أشكنازي امتداداً لمواقف المؤسسة الأمنية التي تدفع باستمرار منذ سنوات لاستئناف المفاوضات مع سوريا، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر شارك في إحدى المداولات التي جرت في الأسابيع الأخيرة قوله إن «رئيس الأركان شرح المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل بفصل سوريا عن المحور المتطرف الذي تقوده إيران».
وأضافت الصحيفة أنه «خلافاً لقضايا أخرى، هناك اتفاق كامل على ضرورة استئناف المفاوضات مع سوريا بين أشكنازي ووزير الدفاع ايهود باراك»، الذي قال خلال مؤتمر في تل أبيب أول من أمس إنه «لا ينبغي الاستخفاف بإشارات السلام التي تصل من جهة سوريا».
ولفتت الصحيفة أيضاً الى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي سبق أن أعلن أنه معنيّ فقط بمفاوضات مباشرة مع دمشق، «لم يبلور موقفه في هذا الموضوع، وبدأ في محادثات مغلقة أخيراً يغيّر النبرة ويقول إنه لا يستبعد مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء».
أما بخصوص توقيت إثارة الموضوع السوري بهذا المستوى من قبل القادة الإسرائيليين، فلم تنف مصادر إسرائيلية في القدس المحتلة أن يكون «التوقيت الذي اختاره نتنياهو وباراك ورئيس الدولة شمعون بيريز، يهدف الى الضغط على الفلسطينيين». لكنها أضافت أنه «ينبغي أن يكون واضحاً بأن الموضوع السوري يمكن أن يطرح على الطاولة إذا ما قبل الأسد المطالب الإسرائيلية بإجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة». وتابعت المصادر أنه «إذا كان هذا الأمر وسيلة لتحريك الفلسطينيين للدخول في المفاوضات، فهذا يعني أن الطرفين قد فازا».
لكن مصادر في مكتب رئيس الحكومة أوضحت أن «طرح الموضوع السوري نابع من تراكم ظروف عديدة، أولها تشجيع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي سأل عن الرسالة التي يريد نتنياهو توجيهها للأسد، فأوضح رئيس الحكومة أنه ليس لديه مانع من الدخول في مفاوضات فورية مع سوريا ومن دون شروط مسبقة». وأكدت المصادر أن «هذا الأمر لا يعني أننا سنتحدث مع دمشق غداً، وبالتأكيد فإن أحداً لم يتكلم عن النزول من الجولان».
وفي السياق، أشارت مصادر سياسية إسرائيلية إلى أن «نتنياهو يدرس إمكان أن تحلّ فرنسا بدل تركيا وسيطاً بين إسرائيل وسوريا بعد تأزم العلاقات بين البلدين»، وتحديداً في أعقاب رفض تركيا مشاركة إسرائيل في المناورة العسكرية التي كان يفترض إجراؤها على أراضيها، إضافة الى اعتبار نتنياهو أنه لم يعد بإمكان تركيا أن تكون وسيطاً نزيهاً في ضوء تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ضد إسرائيل.


6 مبادئ تحكم السياسة السوريّة لساركوزي

الرئيس السوري بشار الأسد في باريس. زيارة ليست الأولى له في عهد نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلا أنها حُمِّلَت استفسارات كثيرة بسبب توقيتها: بعد يومين من تأليف الحكومة في بيروت، في عزّ فشل مسار التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي ظل استمرار الكباش الهادئ بين طهران والغرب.
خرجت بيانات صحافية كثيرة، أمس، تكشف عن فحوى لقاء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وضيفه السوري بشّار الأسد الذي يمضي 3 أيام في زيارة عمل إلى باريس. ورغم أنّ من شبه المحسوم أن تصدر بيانات أخرى تسرد نتيجة لقاءات الأسد، إلا أنّ الجميع يدركون أن اجتماع الرئيسين هو الذي يرسم خط سير كل ما يمكن أن يتفرع عنه، وذلك في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية.
ورغم أنّ من الصعب عدم «ملاحظة التغيير» الذي طرأ على العلاقات بين البلدين منذ وصول ساركوزي إلى الإليزيه، يبقى من الصعب توصيف العلاقة بأنها «حلف أو أنها استراتيجية». لذلك، يكون أكثر دقة القول إنها باتت في أحسن أحوالها الطبيعية، إذ يرى فيها كل طرف مصلحته.
المطلوب لكسر العلاقات الايرانية السورية أكثر من عربون تدفعه السعودية في لبنان
وعلمت «الأخبار» من مصادر موثوقة أن مقاربة سيد الإليزيه اليوم لمجمل العلاقات بين بلاده وسوريا، ترتكز بشكل أساسي على تقرير عضو مجلس الشيوخ ورئيس عدة لجان مالية، فيليب ماريني، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس جمعية الصداقة الفرنسية ـــــ السورية، إلى جانب كونه رئيساً وعضواً في عدد من الجمعيات والمجموعات ذات الصلة بالعالم العربي.
يتحدث الجميع عن تقرير ماريني، ويتوسع في شرح محتواه، رغم أن المعنيّ به، أي ساركوزي، رأى أنه «لم ولن يُنشر»، من دون أن يمنعه هذا من التوسع قليلاً في تفسيره، وذلك عشية زيارة الأسد إلى باريس. ويكشف المصدر المطّلع بعض جوانب «الشق الفرنسي ـــــ السوري» من مهمة حدّدتها رسالة ساركوزي منذ مطلع العام الجاري، بأنها تتألف من 3 أضلع:
١ـــــ كيف سيكون مستقبل العلاقات الثنائية بين فرنسا وسوريا؟ وماذا أصبح تصنيف هذه العلاقات منذ وصول ساركوزي إلى الإليزيه ووضع سياساته الجديدة موضع التنفيذ؟
٢ـــــ ما هو نوع الشراكة الاقتصادية الممكنة بين المستثمرين الفرنسيين، وخصوصاً أسياد القطاع العام والصناديق السيادية في الخليج والسعودية تحديداً، في إطار محاربة آثار الأزمة المالية العالمية؟
٣ـــــ ما هو الدور الخاص الذي تستطيع فرنسا أن تقوم به في الملف الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي؟
وأثار هذا الترابط بين العلاقات الثنائية الفرنسية ـــــ السورية من جهة، والملف الفلسطيني الشائك والأزمة المالية العالمية من ناحية أخرى، عجب بعض المراقبين. إلا أنّ مصدراً مقرباً من دوائر القرار أشار إلى أن هذا الترابط «موجود بفعل الواقعية السياسية وتاريخ العلاقات الفرنسية ـــــ العربية». واستطرد بأنّ «الحلول في المنطقة مترابطة»، مسترسلاً بشرح موقفه على قاعدة أنه لا حلّ للصراع العربي ـــــ الإسرائيلي من دون عنصرين: سوريا والوزن المالي للدول النفطية.
وبالفعل، كشفت بعض المصادر النقاب عن «هيكلية تقرير ماريني» المقدَّم إلى ساركوزي. ومن دون الدخول في تفاصيله، أضاءت بعض جوانب ركائزه، محدّدة ست نقاط عن «الإشارات الفرنسية إلى سوريا» وهي:
١ـــــ التركيز على أهمية الوساطة التركية بين تل أبيب ودمشق، وإمكان أن تؤدي باريس دوراً مسقبلياً في المفاوضات بين العاصمتين بشأن الجولان المحتل، والبحث عن السلام حالما تسنح الظروف.
٢ـــــ تقويم التقارب الفرنسي ـــــ السوري تقويماً عاماً، في ضوء ما تحقق في الملف السوري ـــــ اللبناني خصوصاً.
٣ـــــ استخدام الورقة السورية لتشجيع المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
٤ـــــ السهر على المجرى السليم للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم المتعلقة بها.
٥ـــــ الاستفادة من الوساطة السورية في الملف النووي الإيراني.
٦ـــــ إجراء تقويم منهجي للعلاقات الثنائية على كل الصعد من حين إلى آخر.
تعطي النقاط الستّ هذه تفسيراً للسياسة الفرنسية تجاه سوريا، رغم أن الأمر يبدو أكثر تعقيداً إذا أخذنا في الاعتبار «ما تريده دمشق من باريس»، على حدّ تعبير أحد الدبلوماسيين العرب في عاصمة الأنوار. وتبدو هذه الملاحظة صحيحة حين ننظر إلى الضلع الاقتصادي الذي حملته «رسالة تكليف ساركوزي لماريني»؛ فالسعي نحو التعاون موجّه إلى دول الخليج، والسعودية تحديداً. ويصف مصدر متابع لهذه الملفات هذا «الهدف» بأنه «تعاون متبادل بين الشركات الصناعية الفرنسية الكبرى، والاستثمارات العربية». ويركز على ضرورة أن «تجد الصناديق السيادية الفرنسية ارتكازاً صناعياً آمناً» عبر مشاريع تنفذها أو تقودها الشركات الفرنسية الكبرى في المنطقة.
مرة أخرى، تظهر استراتيجية ساركوزي في إقحام فرنسا في «لعبة الشرق الأوسط» لتأدية دور يريده ريادياً، رغم أنه «لا يملك ما يكفي من مؤونة لدفع الواجب». وبحسب المصدر، يعوض الرئيس الفرنسي هذا النقص بـ«حركة دائمة ودفق كبير من الأفكار الجديدة التي بات جميع الأفرقاء يلهثون وراء محاولة تجميعها وفهمها ووضعها في سياق متناسق».
في الملف الفلسطيني، على سبيل المثال، يرى ساركوزي إمكان «أن تضغط دمشق على الفصيل السياسي في حركة حماس المستقر في العاصمة الأمويين، لتسهيل المصالحة لإتاحة رفع الحصار عن قطاع غزة». وهنا أيضاً يقفز السؤال: في مقابل ماذا سيحصل هذا التعاون السوري؟ أي ماذا يستطيع أن يعطي ساركوزي لدمشق على صعيد الملف الفلسطيني؟ وخصوصاً أنّ ماريني قال خلال لقاء صحافي حضرته «الأخبار»، إنّ «سياسة عزل حماس لم تعد صالحة وأثبتت عقمها». وطالب الرجل بضرورة «مواكبة حماس في تطورها من مجموعة عسكرية إلى حزب سياسي»، وذلك عبر مجموعة من الوسائل السياسية المباشرة وغير المباشرة. إلا أن ماريني عاد وشدّد على أنه «لا يقترح إقامة حوار مع حماس» قبل التزامها مبادئ «اللجنة الرباعية الدولية للسلام»، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية برنار فاليرو، أمس. ويتساءل دبلوماسي عربي: هل يستطيع ساركوزي رفع الحصار عن غزة؟ تبدو الإجابة بالنفي واضحة في ضوء قدرة الوزير برنار كوشنير على الحركة، وهو الذي سبق أن ألغى زيارته للأراضي المحتلة بسبب رفض الدولة العبرية الموافقة على أن يزور القطاع. عندها، أرجأ زيارته إلى الأسبوع المقبل من دون إشارة إلى نيته التوجه إلى القطاع. بكلام آخر، لا يوجد لدى ساركوزي، أي مؤونة لتسديد أي ثمن لسوريا في الملف الفلسطيني.
أمّا بالنسبة إلى احتمال مساعدة سورية في الملف الإيراني، فإنّ أكثر من مصدر وصف العلاقات الإيرانية ـــــ السورية بأنها «معقدة». إلا أنّ ماريني رأى أنها يمكن أن تكون مساعِدة لتطوير موقف طهران.
غير أنّ مصادر سورية تؤكد أن «علاقتنا مع طهران جيدة جداً، وهي استراتيجية، ولا يمكن أحداً أن يدق إسفيناً بيننا». موضوع رافق الوفد السوري الموجود في باريس حالياً، وهو ما دفع بأحد المقربين من هذا الوفد إلى الهمس بأنه «في النهاية، لدينا مصالح، كما لإيران مصالح». وقد تكون الاستراتيجية الساركوزية مبنية على هذه «الهمسة»، وهو ما يعيد طرح السؤال: «في مقابل ماذا؟» هل يكون بطيّ ملف «المصنع المهجور الذي قصف في الشمال مثلاً؟ (دير الزور)».
ويرى بعض الخبراء أنّ التقارب السعودي ـــــ السوري «أضمن لتحييد سوريا في ملف إيران والغرب»، من محاولة تحميل دمشق رسائل إلى طهران، ببساطة لأن الرياض تستطيع الضغط على السلطة الفلسطينية وعلى القاهرة لتليين موقفهما. حتى إن البعض يبدون واثقين من أن السعودية «دفعت عربوناً في لبنان»، لكن يبدو أن المطلوب أكثر من ذلك لكسر علاقة يمكن وصفها أنها «بوليصة تأمين بعدم استفراد الغرب بأي من سوريا وإيران».
ب. ط.