واشنطن ــ أمين الشرقيكان الرئيس الأميركي باراك أوباما على حقّ عندما حذّر في اليوم التالي للهجوم، الذي شهدته قاعدة “فورت هود” في ولاية تكساس، ممّا وصفه بـ«القفز الى النتائج قبل أن تتّضح كل الحقائق”؛ لقد أسهم موقفه هذا إسهاماً مبكراً في وقف تأثير تدفّق الإشارات التي بثها الإعلام الأميركي، والتي حاولت وضع إطار “إسلامي” لما قام به الرائد الطبيب المسلم في الجيش الأميركي، المولود في فيرجينيا لأب فلسطيني، نضال حسن مالك.
قيل إن المهاجم أطلق صيحة “الله أكبر” بالعربية قبل إطلاق الرصاص على زملائه العسكريّين، وإنه أرسل نسخاً من القرآن إلى جيرانه عشية تنفيذ اعتدائه. وبثت شبكة “سي أن أن” على مدى يومين مشهداً تعلو فيه صيحات معادية لأوباما وأميركا، يطلقها مسلمون أميركيون بالقرب من جامع نيويورك، إضافةً إلى لقاء مع أصولي أميركي مسلم، يتحدث عن أن “الإرهاب ورد في القرآن وهو عمل واجب على المسلمين”.
في المقابل، برزت مواقف لبعض وسائل الإعلام الأميركية أسهمت في وقف الربط القسري بين الاعتداء والإسلام؛ فصحيفة “واشنطن بوست” مثلاً رأت أن “الجريمة البشعة التي نفّذها حسن لم تكن على صلة بالتعبير عن أي نوع من الإيمان، ولا تدلّ على أن المسلمين الأميركيين الذين يقدّر عددهم بنحو 3000 شخص لا يؤدون بشرف خدمتهم في القوات المسلحة”.
التطمين الأميركي الرسمي للمسلمين لم يمنع من إعطاء الهجوم صبغة دينية
موقف أوباما في وقف تلك الإشارات الرابطة بين الهجوم والمعتقد الديني للطبيب المعتدي كان حاسماً منذ اللحظة الأولى؛ لقد سارع إلى تحييد التفسيرات “الدينية” للهجوم، الذي أدى إلى سقوط 13 قتيلاً و28 جريحاً، ووصفه بأنه “من أشنع ما شهدته قاعدة عسكرية أميركية”. لكنه أضاف “مع ذلك، وفيما شهدنا أسوأ ما في الطبيعة البشرية، شهدنا أيضاً أفضل ما في أميركا”، في إشارة إلى الشعور الوطني، وتغليبه على الأصول الإثنية والدينية لمنتسبي المؤسسات الأميركية. وقال عن الجنود “هم أميركيون من كل جنس ودين. هم مسيحيون ومسلمون ويهود وهندوس وغير مؤمنين، هم أحفاد مهاجرين، وهم أنفسهم مهاجرون، ويعكسون الاختلاف الذي يكوّن أميركا، ولكن ما يتشاطرونه هو الشعور الوطني”.
وفيما دعا أوباما الأميركيين إلى الصبر وإفساح المجال للتحقيق كي يأخذ مجراه لمعرفة أسباب الجريمة ودوافعها، فإن الغموض لا يزال يكتنف دوافع الرائد الطبيب، الذي كان يعالج العسكريين العائدين من العراق وأفغانستان، والذين يعانون صدمات نفسية، إلى إطلاق النار أكثر من 100 مرة.
ومن المسائل التي أُثيرت بشأن الحادثة، هو مدى قدرة مكتب التحقيقات الاتحادي “أف بي أي”، أو السلطات العسكرية، على الإجابة عن سؤال عمّا إذا كانت السلطات قد أدّت عملها من أجل الحؤول دون تنفيذ الرائد حسن لهجومه، ولا سيّما وقد وردت إشارات إلى أن الفاعل أشاد بالانتحاريين المسلمين على أحد مواقع الإنترنت، وكان معارضاً لعملية إرساله إلى الخدمة في العراق أو أفغانستان، فضلاً عن محاولته مغادرة الجيش.
رعب الحرب.. من المرضى إلى الطبيب!
كان يُفترض بالطبيب النفسي أن يساعد الجنود الذين يعانون ضغوط الحرب الرهيبة. وقاعدة “فورت هود” التي عمل فيها، كان لها نصيبها من هذه الأهوال. فقد شهدت عشر حالات انتحار هذا العام. وأُصيب الرائد حسن بالصدمة خلال سنواته التي قضاها في مجمع “والتر ريد” الطبي العسكري في واشنطن، جرّاء ما عايشه من حالات نفسانية معقّدة لعسكريين عائدين من جبهات القتال، وهو ما أورثه الصدمة. ويبدو أن الطبيب تصدى لإحساسه بالصدمة النفسية، بإفراغ غضبه على الرجال والنساء ممن يعانون نتائج الحرب وقسوتها.
وفي هذا المجال، يسعى القادة الأميركيّون إلى تغليب نظرية البعد النفسي للمجزرة، وهو ما جعل آلاف المسلمين في الجيش الأميركي يشعرون بالارتياح بعد القلق الذي سبّبته لهم صدمة الاعتداء، ولا سيما ما تردد عن أن المعتدي بدأ يصرخ بالعربية “الله أكبر” أثناء إطلاق النار. شعور أكثر من ثلاثة آلاف عسكري مسلم أميركي بالهلع أوقفته أيضاً التطمينات التي قدّمها أبرز القادة الأميركيين عن أن “الهجوم لا يحمل ضغائن دينية”. وما عزّز تلك التطمينات حقيقة أن أميركا كانت قد شهدت قبل نحو عامين مجزرة دموية نفّذها طالب في جامعة فيرجينيا التكنولوجية وهو من أصول كورية.
لكن التطمين الأميركي الرسمي، والإدانة القوية للهجوم من جانب الهيئات الإسلامية الأميركية، لم يمنعا رئيس المركز القومي اليهودي للتعليم والقيادة، الحاخام براد هيرشفيلد، من إثارة الشكوك، في محاولة منه لإعطاء الهجوم صبغة دينية. قال إن “الهجوم يحتّم على المسلمين أن يسألوا الأسئلة الصعبة في ما بينهم ويحاولوا الإجابة عنها!».
إلى ذلك، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤولين أميركيين قولهم إن هناك احتمالاً بأن يكون حسن على صلة بتنظيم “القاعدة”.