بول الأشقرخاص بالموقع- يُنهي الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا عطلته السنوية في مقرّ سياحي تابع للبحرية في ولاية باهيا، لكنه يستقبل العام الجديد بذهن مهموم بسبب مسألتين لا علاقة للواحدة بالأخرى، وتعكران كلتاهما علاقته بالقيادات العسكرية: النظام العسكري وتجديد سلاح الجو.
قضية النظام العسكري تتعلق بقانون العفو الذي أُقرّ قبل ثلاثين عاماً خلال الحكم العسكري الذي طوى صفحة جرائم الحرب من دون الالتفات إلى مسألة الذاكرة. وقد اعتمد النظام العسكري البرازيلي على ضعف التعبئة وأيضاً على القمع «النسبي» الذي لجأ إليه النظام العسكري. وخرج العسكر من الانقلاب، كما لو لم يحدث شيء، مقسمين بولائهم للنظام الديموقراطي. وعلى الرغم من تململهم وقت استبدال وزارات الجيش والبحرية وسلاح الجو بوزارة الدفاع عام 1999، بقوا قوة متماسكة داخل النظام تعترض أحياناً عندما تُهدد موازنتها بحجة التقشف أو عندما يصل إلى الوزارة رجل يشكّكون بسيرته خلال الانقلاب العسكري.
وقد راعى لولا خلال ولايته هذه الحساسية العسكرية التي قاطعت مثلاً قبل سنتين حفل إطلاق أول كتاب أصدرته الدولة عن «مخطوفي النظام العسكري». فهنا تكمن المعضلة التي لا تفيد معها حيلة العسكريين، إذ يبقى في البرازيل 200 مفقود لم يسترجع ذووهم الجثث.
وفي 21 من الشهر الماضي، ترأّس لولا حفل إطلاق البرنامج الثالث لحقوق الإنسان الذي يتضمن مشاريع متعلقة بالتعليم الديني وأخرى بالزواج المثلي، ومن بينها أيضاً مشروع إنشاء «لجنة استقصاء الجرائم المرتكبة خلال الدكتاتورية العسكرية» انطلاقاً من مبدأ أن جرائم التعذيب لا يمر عليها الزمن.
ويُعدّ المشروع الذي يعتمد النموذج الأفريقي الجنوبي أكثر من معتدل، وهو بمثابة تسوية مع ما تطلبه نقابة المحامين التي تريد تعديل قانون العفو وتحويل كل أرشيف الحقبة إلى العلن كما فعلت قبل أيام الرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز. لكن في البرازيل، سيعرض المشروع على مجلس النواب وهو في كل الأحوال يخضع أي عقوبة لقرار جديد من مجلس القضاء الأعلى. ورغم كل هذه الاعتبارات التخفيفية، هددت قيادة الجيش ومعها وزير الدفاع بالاستقالة. وأصبح من شبه المؤكد أن المشروع الذي سيُرسل إلى المجلس سيُعاد تعديله لمراعاة القيادة العسكرية، وإقفال الباب أمام إمكان المسّ بقانون العفو.
المسألة الثانية لا تمتّ إلى الأولى بصلة. البرازيل تحاول منذ ما قبل الرئيس لولا تجديد سلاح الجو وإتمام صفقة 36 طائرة مطاردة وشراء 84 طائرة إضافية. وبعد سنوات من البحث، استقرّ الرأي على أحد الخيارات الثلاثة: السويدي صعب غريبان أو الأميركي بوينغ «إف ــ 18» أو الفرنسي داسو رافال.
في أيلول الماضي، وعد الرئيس لولا علناً خلال زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى البرازيل بأنه سيعطي الأفضلية للطائرة الفرنسية، وهو إنجاز يهتم الرئيس ساركوزي بتحقيقه. وكان الرجلان يوقّعان تعاوناً استراتيجياً بينهما يتضمّن بناء وشراء غواصات وطوافات، وبرر الرئيس البرازيلي أفضليته هذه بـ«نقل التكنولوجيا» الذي ستشمله صفقة الطائرة الفرنسية. لكن لولا عاد وتراجع قليلاً أمام ردة فعل المنافسين وإحراج اللجنة التابعة لسلاح الجو التي لم تكن بعد قد أنجزت تقريرها التقني.
وقبل أيام نشرت جريدة «فوليا دي سان بولو» نسخة عن تقرير سلاح الجو يصنف الطائرة السويدية في المقدمة، تليها الأميركية وأخيراً الفرنسية. الوثيقة المؤلفة من 30 ألف صفحة تُميّز سعر السويدية بـ(70 مليون دولار)، فيما سعر الفرنسية الضعف، وسعر الأميركية بـ(100 مليون دولار).
تهكّم وزير الدفاع الفرنسي هرفي مورين على هذا الاعتبار، قائلاً إنه «لا يمكن مقارنة سعر فيراري (داسو رافال) بسعر فولفو (صعب غريبين)!». إلا أن موضوع الكلفة يشمل أيضاً ساعة كلفة الطيران التي يتحمّل أكلافها سلاح الجو، وكلفة طيران الرافال 4 أضعاف كلفة الغريبين.
كذلك شكك التقرير بموضوع «نقل التكنولوجيا». القرار الآن هو بأيدي الرئيس لولا الذي سبق أن أعلن بأن خياره سيكون «تقنياً واستراتيجياً»، تاركاً لنفسه هامش التدقيق إذا كان يفضّل الزعل مع سلاح الجو أو مع نيكولا ساركوزي.