صندوق النقد الدولي يفسد بهجة اتفاق إنقاذ اليونانباريس ــ بسّام الطيارة
رغم المظاهر والابتسامات التي رافقت التوصل إلى «اتفاق الاتحاد الأوروبي على إنقاذ اليونان» عبر إنشاء آلية للمساعدة المالية في حالات الأزمات، إلا أنّ «غصة» لا تزال عالقة في حناجر عدد كبير من الخبراء، إما بسبب اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وإما بالنظر إلى القلق الذي يعمّ سواء بالنسبة إلى اليونان أو البرتغال وحتى إسبانيا.
وقد استمع البعض مذهولاً إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترحب أمس، في اليوم الثاني والأخير من قمة القادة الأوروبيين في بروكسل، بالقرارات وخصوصاً حين ذكّرت بأنّ أوروبا «عملت لمصلحة استقرار اليورو وأثبتت التضامن حيال بلد يواجه صعوبات». ويكفي أن ننظر قليلاً إلى طيات الاتفاق لنرى أنّ خطة مساعدة اليونان تموّلها منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي، وهي آلية غير مسبوقة منذ إطلاق العملة الموحدة قبل أحد عشر عاماً. بالطبع إنّ «إدخال» صندوق النقد الدولي في «الحظيرة» الأوروبية أسهم باستعادة سعر صرف اليورو وتحسنه، وخصوصاً أنّه مرفق بـ«التزام بتعزيز السلوك المالي في الاتحاد الأوروبي». إلا أنّ السؤال الذي كان يحوم فوق المجتمعين هو: «إذا كانت أوروبا الموحدة لا تستطيع إنقاذ أحد أعضائها من الإفلاس، فكيف لها أن تؤدي دوراً على الصعيد العالمي؟». وقد أسرّ أحد الآسفين لهذا المسار، الذي أعاد نفخ قوة صندوق النقد الدولي، قائلاً: «الآن نفهم لماذا ألغى الرئيس (الأميركي باراك) أوباما مشاركته في القمة الأوروبية الأميركية». فقد أثبتت القمة أنّ الاتحاد الأوروبي لا يزال «مجموعة دول تنظر إلى مصلحتها الذاتية». ورغم أنّ ميركل صرحت بأنّ «من المهم بالنسبة إلينا جميعاً أن تبقى عملتنا الموحدة مستقرة»، إلا أنّ تصريحها كان موجهاً إلى مؤشر الصادرات الألمانية أكثر منه إلى قوة الاتحاد الأوروبي المالية ومواجهتها مع المضاربين على ديون دولها الضعيفة. وصحيح أنّ الاتفاق مثّل «إشارة إيجابية بالنسبة إلى اليونان، فهو أدى إلى تراجع معدلات الفوائد التي اضطرت اليونان إلى الاستدانة على أساسها في سوق السندات العالمية». ويقول أحد الخبراء أنّ الذي «ردع ذئاب المضاربات» هو بند «توفير قروض إذا لم تعد اليونان قادرة على الاقتراض بمعدلات فوائد معقولة من الأسواق لتمويل عجزها المالي»، إلا أنّه أشار إلى أنّ غياب «الحماسة والتضامن» سيشجع المضاربين على العودة بعد حين.
فرضت ألمانيا وجهات نظرها على نحو كبير وحصلت على حق نقض هيئة الآلية
وفي الواقع، فإنّ ألمانيا هي التي فرضت وجهات نظرها في فرضاً كبيراً على وضع هذا الإجراء للمساعدة، كذلك فإنّها حصلت على حق النقض لتحريك هيئة الآلية، ما يجعل منها «آلية مربوطة برغبات ألمانيا»، مع التذكير بأنّ نواباً ألماناً طالبوا بـ«رهن جزر يونانية في مقابل المساعدات»، ما ينبئ بمداولات صعبة في حال ضرورة لجوء اليونان إلى هذه الآلية. إضافة إلى ذلك، لا أحد «يعرف بوضوح الشروط المحددة التي تسمح لأثينا باستعمال حقوق السحب»، علماً بأنّ الصعوبات الأساسية الهيكلية التي سببت تراجع الاقتصاد اليوناني لا تزال حاضرة وثمة خشية حقيقية من انتقال العدوى إلى اقتصاديات أكثر هشاشة في منطقة اليورو مثل البرتغال التي شهدت تراجعاً في تصنيف ديونها.
ويدور الحديث حول إمكان أن ينتقل الوهن إلى بلجيكا وإسبانيا بسبب كلفة الاستدانة لها في أسواق المال.
ورغم تصريح الرئيس الأوروبي هيرمان فان رامبوي بأنّ «الأوضاع ليست متشابهة على الإطلاق»، وتأكيد رئيس المصرف الأوروبي جان كلود تريشه أنّه «لا يشك في قدرة البرتغال على أن تواصل بنجاح سياسة الحد من عجزها»، إلا أنّ هذا الأخير حذر من مغبة تدخل صندوق النقد الدولي لمساعدة اليونان، وهو ما يوافقه عليه العديد من الخبراء. وقال تريشيه، أثناء مقابلة مع شبكة التلفزيون الفرنسية «ال سي بي»، إنّ كلّ توجه يقود إلى نزع المسؤولية عن أعضاء منطقة اليورو هو سيئ في نظرنا». وأضاف أنّه «إذا حلّ صندوق النقد الدولي أو أي هيئة كانت مكان «يوروغروب» أو محل الحكومات ومسؤولياتها، فإنّه أمر سيئ جداً جداً بالتأكيد». وأكدّ أن مسؤولية الدول الأعضاء هي على المحك، ولا ينبغي للحكومات الأوروبية أن تتخلّى عن مسؤولياتها كما تنص المعاهدة الأوروبية.
ويقول الخبراء إنّ مساوئ الاتفاق تفوق محاسنه، وخصوصاً أنّه جاء متأخراً كثيراً ويعود ذلك إلى «غياب سلطة أوروبية تستطيع أخذ القرارات السريعة والحاسمة». وزعم أنّ البعض يريد أن يرى في هذا الاتفاق «توافقاً بين باريس وبرلين»، إلا أنّ «بصمات برلين بارزة لا يمكن إخفاؤها».
ولم تتزحزح المستشارة قيد أنملة عن موقفها الرئيسي السابق الذي يدعو لـ«أن تدفع اليونان ثمن سياستها الخاطئة».
وقد فضلت أن «تفتح الباب» لصندوق النقد الدولي عوضاً عن إيجاد آلية تضامن يمكن أن تنعكس على مسار تقويم اقتصاد بلادها. وتقول بعض الألسن إنّ «هبوط اليورو» كان مساعداً في زيادة الصادرات الألمانية في الأشهر الأخيرة، وترى في ذلك أنّ أوروبا التي هي «أكبر اقتصاد عالمي» لا تزال تتبع سياسة «تشجع التصدير عبر التأثير على أسعار الصرف». وبينما كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مشغولاً بوضعه على الساحة الداخلية، فرضت المستشارة الألمانية شروطها ولم يكن ساركوزي قادراً على مقاومة ضغوطها في ظل إلحاح الضرورة وتدهور الوضع على الساحة الاجتماعية، بل الأمنية في اليونان. وينهي أحد الخبراء وهو رئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم السياسية في باريس جان بول فيتوسي مقابلة له مع صحيفة «لوموند» بالإشارة إلى أنّ هذا الاتفاق يقول للعالم «إنّ أوروبا غير قادرة على تدبير أمرها وحدها من دون مساعدة»، رغم كونها صاحبة أكبر ناتج قومي. ويضيف فيتوسي أنّه إذا كان أكبر اقتصاد في العالم بحاجة إلى مساعدة خارجية لحلحلة مشاكله، فهذا دليل على أنّ أوروبا لم تتوحد بعد وأنّها غير موجودة إلا على الورق.