نيويورك ـ نزار عبودقد لا تكون المجموعة الإسلامية أو منظمة المؤتمر الإسلامي على مستوى التحدّي العسكري مع إسرائيل المدعومة من أعتى الدول وأشدّها بطشاً. لكن قد يكون من أضعف الإيمان أن تدافع هذه الكتلة الجيوسياسية الكبيرة المؤلفة من 57 دولة والمدعومة من عشرات الدول في كتلة عدم الانحياز فضلاً عن الصين وروسيا، عن قضاياها، وعلى رأسها قضية القدس المحتلة. من هنا كان الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون، مساء أول من أمس الماضي في نيويورك، على موعد ثان منذ بدء ولايته مع مندوبي منظمة المؤتمر الإسلامي في «جلسة مصارحة» استمرت ساعة كاملة.
طرح رئيس الجلسة بشار الجعفري، مندوب سوريا الدائم ورئيس المجموعة الحالي، جملة أمور ساخنة شملت القدس والمقدسات، ولا سيما عمليات التهويد للحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال في بيت لحم، ونبش قبور المسلمين وإقامة ما تسمّيه إسرائيل «متحف التسامح» على أقدم مقبرة إسلامية في فلسطين والاستيطان والإسلاموفوبيا والتحالف بين الحضارات والوضع في الصومال وإصلاح الأمم المتحدة والتضامن مع السودان. قال الجعفري للأمين العام بان كي مون، الذي أهين مرتين في زيارته الأخيرة لدولة الاحتلال، إنّ العالم الإسلامي «بات مختبراً للتجارب السياسية والإسلاموفوبيا تتفشى». وفي غمز مباشر من قناة الأمم المتحدة قال «نلمس أنّ مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة تتعلق بالدول الإسلامية حصراً، وهذه إشكالية كبيرة».
بان ردّ بأنّ بيان الرباعية في موسكو كان «مهماًَ وقوياً»، مؤكداً أنّه شارك في وضع كل نقاطه. وأعرب عن سروره لوحدة الموقف في موسكو، مكرراً تشديده على أنّ مفاوضات التقارب يجب أن تفضي إلى مفاوضات مباشرة بشأن الأمور الأمنية وغير الأمنية، داعياً الدول الإسلامية إلى الاصطفاف وراء المفاوضات. ولم يخف الأمين العام أنّ الثقة بالحكومة الإسرائيلية «منخفضة جداً»، داعياً إلى «امتحانها»، ومؤكداً دعمه لمحمود عباس، رئيس السلطة.
الأمين العام للأمم المتحدة أكد معرفته بـ«مدى الإحباط والمعارضة العربية»، غير أنّه رغم محادثاته مع المسؤولين الإسرائيلين كافة، بمن فيهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي حاوره هاتفياً، قال للسفراء إنّه ليس أمام المسلمين غير التفاوض. وأعرب عن حزنه الشديد على أوضاع سكان غزة المحاصرين. لكنه كرر أنّه لم يستطع خلال زيارته معالجة سوى أقل من واحد في المئة من مشكلة إعادة البناء من خلال الوعود الإسرائيلية بالسماح ببناء 151 مبنى في خان يونس، بما في ذلك المطحنة وإصلاح المجاري.
وبالنسبة إلى السودان، قال إنّها على رأس أولوياته هذا العام. وأكد أنّه ينوي مساعدة كل أطراف اتفاقية السلام الشامل على حلّ المشاكل العالقة لتأمين السلام. وأثنى على الجهود القطرية والليبية في ما عنى المصالحة وضمان وقف إطلاق النار في دارفور.
وفي خصوص ظاهرة كراهية المسلمين المتفشّية في الغرب خاصة (الإسلاموفوبيا) فقد عزاها الأمين العام إلى «الجهل والعصبية والتحيّز»، وهاجم النمطية في موضوع الأديان داعياً إلى فتح حوار عالمي من أجل تقبّل كل الأديان والمقدسات. ووصف العلاقة بين الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي بالمتينة.
عاد بشار الجعفري فتحدث إلى بان كي مون مؤكداً أنّ أيّ تجاوز لأي معلم ثقافي أو ديني في فلسطين المحتلة يتناقض مع معاهدات جنيف والقانون الدولي. وحذر من «التدهور الخطير الحاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بفعل الاستيطان الإسرائيلي الأعمى».
كذلك أكد أن المجموعة تتضامن مع السودان، حكومة وشعباًَ، وتدعم التطورات الإيجابية الرامية إلى استعادته لأمنه واستقراره. وأعرب عن قلق المجموعة من تشويه بند الحالة في الشرق الأوسط، الاجتماع الشهري الذي يعقد في مجلس الأمن الدولي «من خلال إقحام مسائل مثل ملف إيران النووي»، وهو ما فعله الأمين العام لأول مرة في الجلسة التي عقدت قبل اللقاء بساعات قليلة، ناقلاًَ مواقف إسرائيلية ومتبنّياً لها بدون أي تغليف أو مواربة. ورأى الجعفري أنّ ذلك الموقف «يرمي إلى إبعاد الأنظار عن جوهر القضية في الشرق الأوسط من ممارسات الاحتلال في الأراضي التي يحتلها منذ عام 1967». وتوجه إلى الأمين العام بجردة لما قررت إسرائيل تنفيذه في ذلك اليوم فقط من قرارات ببناء 100 مسكن في الجولان السوري المحتل ومشاريع لبناء 50 ألف وحدة سكنية تعادل مجموع ما بني منذ بداية الاحتلال في 1967.
مندوبة فلسطين فداء عبد الهادي ناصر سألت الأمين العام عن معنى المفاوضات إذا كانت إسرائيل تستبقها بكل هذه الأعمال العدائية بغطرسة، محاولة تحويل الصراع إلى صراع بين الأديان، بضم المقدسات الإسلامية وتهويدها. وسألته عن الأمل الباقي في تحقيق تسوية سلمية، مطالبة بأن تكون المفاوضات ذات مغزى.
وفيما أكد نائب مندوب قطر سالم الشافي أنّ المجموعة لم تفاجأ بالأعمال غير الشرعية الاستفزازية، مطالباً بوضع حدّ لها، أخذ مندوب السودان الدائم، عبد المحمود عبد الحليم محمد على الأمين العام إسقاطه الوضع في الصومال من حواره، على الرغم من خطورته.
مندوب اليمن، عبد الله السعيدي، نبّه الأمين العام إلى أبعاد تدمير التراث الإسلامي في فلسطين، ولا سيما في القدس ونواحيها. وحذّر من أنّ كل من يفهم التاريخ يدرك أنّه لن يكون سلام في الشرق الأوسط بدون عودة القدس إلى أهلها. أما مندوب إيران محمد خزاعي، فعاتب الأمين العام على نقل المواقف الإسرائيلية على عواهنها، بإعرابه عن القلق من برنامج إيران النووي.
بدوره، طالب مندوب الكويت منصور العتيبي بأن تؤدي الأمم المتحدة دوراً جريئاً من أجل المساعدة على وضع حلول للقضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بدلاً من أن يقتصر دورها على تقديم المساعدات الإنسانية. وهاجم نائب مندوب باكستان العدوانية الإسرائيلية واستباحة المقدسات وإهانة رموز الإسلام بالرسوم الكاريكاتورية.
من جهته تعهد بان كي مون في الختام بملاحقة قضايا المقدسات الإسلامية، ولا سيما في القدس والخليل وبيت لحم، مع منظمة الأونيسكو، على نحو حثيث.
في الحوار الداخلي بين أعضاء المنظمة الذي سبق اللقاء مع بان كي مون، أثار مندوب السعودية خالد عبدالرزاق النفيسي أهمية استخدام السلاح القانوني في الصراع مع العدو، مستشهداً بالآثار التي خلّفها تقرير غولدستون. وقال إنّ العبارات وحدها لا تكفي، ويجب ملاحقة القضية مع منظمة اليونيسكو لرفع دعوى قضائية. وقال إنّ المساندة الدولية وحدها لا تكفي، بل المطلوب رفع رسالة مشتركة عن المجموعة. رئيس المجموعة بشار الجعفري ردّ بالقول «نقلنا إلى المجموعة الإسلامية في اليونيسكو ضرورة استثمار البعد القانوني لمساءلة إسرائيل بشأن ما يمكن فعله. وكرئاسة، لدينا معلومات أنه يجري إعداد مسوّدة مشروع قرار في هذا الخصوص».
أما ممثّلة لبنان في الجلسة، القائمة بالأعمال كارولين زيادة، فقد التزمت بالصمت المطبق في الاجتماع.