العلاقات الروسيّة ــ السورية استراتيجية. وصف عام يطلق على طبيعة تعاون موسكو ودمشق، ولا سيما في فترة «العزلة الدولية» التي فُرضت على الأخيرة، لكنّ ترجمته فعلياً على أرض الواقع بقيت قاصرة
ربى أبو عمو
مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأولى إلى روسيا عام 2005، عاد الحديث عن العلاقة الروسيّة ـــــ السورية وتشبيها بمثيلتها في عهد الاتحاد السوفياتي السابق. حديث جاء في خضم الصعود السياسي الروسي إلى المسرح الدولي، ما أعطاه طابع الحنين إلى الفترة السوفياتية.
طابع تكرّس مع إلغاء الرئيس الروسي في ذلك الوقت فلاديمير بوتين ثلاثة أرباع الديون السورية الممتدة منذ العهد السوفياتي، ليزيح عقبة كانت تقف لسنوات طوال أمام فتح باب الشراكة مع دمشق.
ومع الزيارة الثانية للرئيس السوري إلى موسكو، التي تلت الحرب الجورجيّة ـــــ الروسيّة عام 2008، برز الحديث عن إعادة تفعيل ميناء طرطوس الذي لطالما مثّل دلالة استراتيجية وعسكرية للاتحاد السوفياتي، حيث كانت قاعدته العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط.
التحليلات اللاحقة لمؤشرات إعادة قاعدة طرطوس أشارت إلى نيّة روسيا فعلياً وراثة الدور السوفياتي في المنطقة. غير أن الحديث عن القاعدة ما لبث أن خفَت. حتى إنّ بعض المحللين السياسيين الروس استبعدوا إحياءها، رغم إعلان مصدر في هيئة الأركان العامة للقوات البحرية الروسية أن بلاده «تعمل من أجل الإسراع في إنجاز تحديث ميناء طرطوس، ليكون نقطة مرابطة سفن الأسطول البحري الحربي الروسي، بحيث تنتهي هذه العمليات عام 2011».
ورغم أنّ الحديث عن قاعدة طرطوس غائب حاليّاً، فإنّ هذا لم يُلغ الاهتمام الروسي بالعلاقة مع سوريا، لأسباب ثلاثة، أوّلها أن الباب السوري هو مدخل روسيا لأداء دور في عملية التسوية في الشرق الأوسط، باعتبار أن «موسكو قادرة على إقناع سوريا بتحقيق السلام مع إسرائيل»، بحسب صحيفة «ازفستيا». ثانياً، هو الاهتمام الروسي بإبقاء فكرة التوسّع العسكري عبر قاعدة طرطوس. وثالثاً، وهو الأهم اليوم بالنسبة إلى موسكو، أن دمشق مستعدة للدفع نقداً في مقابل شراء الأسلحة من روسيا.
ورغم أهميّة تسويق روسيا سلاحها، وأولوية علاقتها مع سوريا، فإنها لم تستطع تجاهل الضغوط الغربية لوقف تسليح دمشق، أو حتى السير جديّاً في النوايا التسليحية لتكون طرفاً فاعلاً في المعادلة الشرق أوسطيّة.
فبعد عام 2005، تسلّمت سوريا عدداً من طائرات «ميغ 29»، وأربع طائرات «سوخوي 27»، ومنظومة صواريخ مضادة للدبابات «إيه تي 14». كما وقّعت عام 2006 عقداً مع روسيا لتحديث 1000 دبابة.
غير أن مسار التسليح ما لبث أن توقف، إذ كشفت صحيفة «كوميرسانت» أن «الحكومة الروسية تراجعت عن بيع سوريا طائرات متطورة من نوع ميغ 31، بسبب ضغوط إسرائيلية». وأضافت إنّ «عقداً لبيع صواريخ اسكندر إلى سوريا، الذي وُقّع عام 2005، شهد المصير نفسه».
ويرى محللون أن هناك، إضافةً إلى الضغوط الإسرائيلية والأميركية، أسباباً تبرّر التراجع الروسي. فموسكو الحالية لا تكتفي بوعود السداد، كما كانت عليه الحال في عهد الاتحاد السوفياتي السابق، كما أن لا نية لديها أصلاً لتوريد كل أنواع الأسلحة إلى سوريا.
وتشير المحللة السياسيّة الروسيّة لينا باشكاتوف إلى أن تراجع موسكو أمام ضغوط الولايات المتحدة أو إسرائيل «يؤكّد أن روسيا قوة عظمى في حالة تراجع». وتتابع «نرى منذ سنوات عودة الهجوم الدبلوماسي الروسي، لكنه محدود لأنه غير مدعوم بالوسائل الاقتصادية. والسند الرئيسي للدبلوماسية المعاصرة هو المال. روسيا ليست في موقع المانح لأنها هي نفسها في حالة إعادة بناء».
هكذا، يبدو الكلام عن العودة الروسية من البوابة السوريّة مرتبط دائماً مقارنةً بالاتحاد السوفياتي. وفق هذا المعيار لا يزال الفارق كبيراً. وإضافة إلى معايير التسليح، فإن السند السياسي لا يزال دون المستوى. وزيارتا الرئيس السوري عامي 2005 و2008 هدفتا إلى كسر العزلة الدولية التي أحاطت ببلاده على خلفية اتهامها باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصدور القرار 1559، الذي امتنعت موسكو عن تأييده.
لم تكن موسكو بطبيعة الحال قادرة على إخراج دمشق من عزلتها إلّا معنوياً. فهي كانت عاجزة، على سبيل المثال، عن الوقوف في وجه الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ورفض القرار.
كما أن موسكو لم تتخذ أي موقف، خلال الفترة اللاحقة للحرب على العراق، من التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي وضعت سوريا هدفاً تالياً. وهنا أيضاً يمكن ملاحظة الفارق مع الموقف السوفياتي خلال حروب الأعوام 1956، 1976، و1973.
هكذا، أدت موسكو دورها بنجاح. رفعت معنويات سوريا المنعزلة، وتجاوزت الولايات المتحدة التي كانت ترفض لقاء المسؤولين السوريين. ومع فك العزلة الدولية عن سوريا، والحديث عن سفير أميركي يستعد لتسلّم مكتبه الجديد في دمشق، يقول بعض المحللين إن موسكو لا تريد أن تتحسن علاقات سوريا مع الغرب أو أن تعقد سلاماً مع إسرائيل. ففي هذه الحالة، سيكون على الشركات الروسية أن تتنافس مع الغربية على الاقتصاد السوري.
إذاً، لا تخرج العلاقة الروسية ـــــ السورية عن كونها شراكة، خفَتَ صداها مع دخول الولايات المتحدة إلى المسار السوري.