في الدورة الثانية للانتخابات المحليّة الفرنسية، كانت النتيجة مشابهة للأولى، عبر خسارة اليمين، ليزداد تأزّم وضع نيكولا ساركوزي قبل انتخابات 2012 الرئاسيّة
باريس ــ بسّام الطيارة
لا شك أن الحدث يتجاوز الانتخابات المناطقية التي أراد اليمين أن يحشر بها نتيجة الدورة الثانية «وكأن شيئاً لم يكن». الجميع يعرف أن هذه الانتخابات، التي «خسرها اليمين»، تمثّل خسارة رهيبة على فريق أن يتحمّل تبعاتها. من سوف يتحمّل وزر الهزيمة المتمثلة بـ«عدم تغيير موازين القوى» كما قال فرانسوا فييون؟ الحكومة تدافع عن نفسها بالإعلان أنها تطبّق طروحات نيكولا ساركوزي وسياسته. إذاً الرئيس مسؤول؟ الإجابة تأتي مواربة من ممرات قصر الإليزيه: «إنها الإصلاحات، والفرنسيّون لا يحبونها».

مثّل الخضر القوة السياسية الثالثة التي يجب أخذها في الحسبان من اليوم فصاعداً

عامل واحد ثابت لا يختلف عليه اثنان ألا وهو أن هذه الانتخابات لا تستطيع تغيير الميزان ولا المسار السياسي. ورغم نجاح اليسار، بصورة تحالف أو من دونه، فإن مقاليد الحكم سوف تظل في يد اليمين، ودفة إدارة مسيرة الدولة في يد ساركوزي.
الدورة الثانية أسست لمعالم ثابتة؛ فقط منطقة واحدة حافظ عليها اليمن، وهي الألزاس واللورين، أمّا منطقة كورسيكا، فقد انتقلت للمرة الأولى إلى اليسار. وفي المقابل فإن اليمين اختطف منطقة جزيرة ريونيون عبر البحار للمرة الأولى.
وكان لافتاً ارتفاع نسبة الممتنعين عموماً رغم تراجعها في الدورة الثانية (٥٣ في المئة في الدورة الأولى، و٤٩ في المئة في الدورة الثانية)، وهي من أعلى المعدلات الوطنية السابقة، ما يشير إلى ابتعاد المواطن عن «الممارسة السياسية». وهذا بحد ذاته يمثّل تهديداً للديموقراطية، وتشويشاً لـ«صورة التمثيل».
أسباب هذا التباعد بين المواطن والسياسة متعددة، وتتغير حسب الجهة الطارحة للسؤال عنها: فاليسار يرى أن ساركوزي «وضع فرنسا على مسار خاطئ». أما اليمين المتطرف، فهو لا يلتفت إلى ما يفعله أو ما لا يفعله ساركوزي، إذ إنّ كلّ همه هو «استرداد الأمانة»، أي استرجاع ناخبيه الذين انزلقوا وراء طروحات ساركوزي المتطرفة والشوفينية المتعلقة بربط الأمن والهجرة والإسلام، وطرح مسألة الهوية الوطنية بحدة قبل الانتخابات.
أما إلى يسار اليسار، فهناك الرابح والخاسر. يأتي الحزب الشيوعي في مقدمة الرابحين، أو بالأحرى «العائدين إلى الضوء»، فقد نجحت استراتيجية التوافق مع الشقيق الكبير، الشبيهة بالتي أوصلت اليسار إلى الحكم في الثمانينات. وقد يكون هذا سبب خسارة أوليفيه بوزانسونو زعيم «الحزب الجديد المناهض للرأسمالية»، الذي فضّل خوض المعركة مستقلاً.
أما بالنسبة إلى الخضر، فقد مثّلتهم سيسيل دوفلو أحسن تمثيل، وطغت صورتها على صورة «الزعيم داني الأحمر»، أي كوهين بنديت، الذي ينتقم لثورة أيار ١٩٦٨. الاثنان أشعلا محرك الخضر، ودفعاهم ليكوّنوا القوة السياسية الثالثة التي يجب أخذها في الحسبان من اليوم فصاعداً.
أما حزب تجمع الأكثرية الشعبية الحاكم، فيصفه أحد نواب اليمين بأنه «بركان ينتظر لحظة الانفجار». وقد تصدرت صورة وجوه زعماء اليمين الشاحبة والمنكسرة صفحات الإعلام، لتشير إلى «المعركة الآتية داخل الحزب».
وبالطبع تنعكس هذه الأجواء على استطلاعات الرأي، فقد جاء في آخرها أن ٣٦ في المئة من الفرنسيين فقط «يؤيدون عمل ساركوزي في منصبه الرئاسي»، بينما ٦٤ غير راضين، إلّا أن ما يجب أن يقلق الرئيس هو الربط بين شعبيته وشعبية رئيس وزرائه فرانسوا فييون، الذي يمكن اعتباره «أحد الرابحين» من هذه الجولة الانتخابية بسبب «تدخّل ساركوزي الدائم في الحملة الانتخابية»، ما جعل ملامة الفشل تلبسه.

سيغولين رويال حصدت ٦١ % في منطقتها ما يؤهّلها لإعادة «انطلاقتها»
إلّا أن استطلاعاً آخر «طرح السؤال الذي لا يُطرح» عن الرجل المفضّل لانتخابات ٢٠١٢، فجاء فييون أول بـ ٤٣ في المئة، بينما لم يحصد ساركوزي سوى ٢٩ في المئة. إلا أن رئيس الوزراء سارع إلى قطع هذه الشائعات بإعلان وقوفه خلف الرئيس.
ينتظر الفرنسيون اليوم ليس فقط خطوات تغيّر حكومي أو تغيير داخل هيكلية الحزب، حيث بدأ رئيس الوزراء الأسبق ألن جوبيه يتحرك لانتقاد سياسة الرئيس، فضلاً عن الحركة الدائمة لدومينيك دو فيلبان، الذي يراقب انهيار دعم ساركوزي داخل الحزب، بل ينتظرون تغيّراً لمنهج سياسة ساركوزي وأسلوبها ومسارها. فقد تعزّزت المخاوف بشأن فقدان الوظائف والهجرة والأمن.
ورغم أن حزب الأكثرية قد «حدّ من خسارته»، فإنه قد لا يجرؤ على تعديل رئيسي في نظام المعاشات، بما في ذلك رفع سن التقاعد. والأرجح أنه سوف يعمل على كبح جماح العجز العام الفرنسي، الذي من المتوقع أن يصل إلى ٨،٢ في المئة من إجمالي الناتج المحلي في نهاية ٢٠١٠ أما الحزب الاشتركي، فإنه سوف يكون أيضاً أمام تحديات كبرى، فالسكرتيرة الأولى مارتين أوبري، لن تنعم كثيراً بنشوة الانتصار، إذ إن «غريمتها» سيغولين رويال حصدت ٦١ في المئة في منطقتها، ما يؤهّلها لإعادة «انطلاقتها» على الصعيد الوطني، للمنافسة على الترشح للرئاسة في أفق ٢٠١٢.