موسكو ــ حبيب فوعانيورغم علاقات الشراكة الوثيقة بين إيران وروسيا، بما في ذلك في المجال النووي وتوريد الأسلحة، أخذت سياسة موسكو تجاه طهران بعد مجيء الرئيس ديمتري مدفيديف منذ عامين إلى سدة الرئاسة، تتسم بالتحفظ. لعل إحدى الإشارات على هذا التحفظ، تأجيل متكرّر لإنهاء العمل بمفاعل بوشهر الكهروذري الذي تبنيه شركة روسية في جنوب إيران. أيضاً، لا يزال توريد منظومات الدفاع الجوي الصاروخي «إس ــ 300» إلى طهران، قيد التأجيل، ما دفع طهران إلى اتهام موسكو بخرق العقد الذي وقع بين الجانبين في نهاية 2005.
ذروة الأمر هنا هو تصريح مدفيديف في باريس مطلع هذا الشهر عن «استعداد روسيا المبدئي للعمل على إمكان فرض عقوبات» على إيران.
المفارقة أن هذا الموقف الروسي بقي متحفظاً أيضاً لمصلحة إيران، من خلال التشديد على دعم عقوبات جديدة غير معوّقة للاقتصاد الإيراني، لا تستهدف المصارف أو الغاز. وهذا يبين أن موقف موسكو لم يتغير بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأخيرة إليها، الذي أصر على ضرورة فرض عقوبات «ذات أنياب».
في المقابل، توحي أجواء العاصمة الروسية بوضع الرئيسين الفرنسي نيكولا ساركوزي ومدفيديف خطة شبيهة بخطتهما لحل النزاع الجورجي الروسي في عام 2008، الخطّة التي أنقذت موسكو من فشلها السياسي بعد انتصارها العسكري الخاطف.
صحيفة «غازيتا» حملت عنواناً عريضاً يقول: «خطة ساركوزي ـــــ مدفيديف الجديدة تهدّد آيات الله». وهذه الخطة تبقى في إطار عمل السداسية (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا)، لكنها تتسم بتنازل كبير من جانب موسكو، التي تريد مقابل ذلك الحصول على حاملة مروحيات فرنسية من طراز «ميسترال».
يقود هذا إلى استنتاج أن نفوذ الحرس القديم يتلاشى في السلطة الروسية، ويشتد ساعد النخبة الروسية الجديدة المرتبطة مصالحها بالغرب، وهي تحيط بمدفيديف وتحاول التفريق بينه وبين رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، الذي تمارس عليه الضغوط وسط الأزمة الاقتصادية العالمية.
وكتب الصحافي الروسي فلاديمير باستوخوف، في صحيفة «أرغومينتي نيديلي» تحت عنوان «مستعمرة القرن الحادي والعشرين»، أن «روسيا تفقد، بسبب الفساد بالذات، شيئاً فشيئاً استقلاليتها في اتخاذ القرارات».
لعل ما خلص إليه باستوخوف هو أن «الواقع بدا أكثر تعقيداً، وأن شراء الغرب لحفنة من الموظفين الحكوميين الفاسدين بات يكفي لتهديم أي سيادة أو استقلالية أو وطنية» لوريثة الاتحاد السوفياتي.