لم تكذَّب استطلاعات الرأي. فاز «الاشتراكي الفرنسي» في الانتخابات المحلية، في ما يبدو أنه معركة تمهيدية لرئاسيات 2012، قد تجبر نيكولا ساركوزي على تعديل وزاري

باريس ــ بسّام الطيارة
إلى الذين ظلّوا يتشكّكون في أن الانتخابات المناطقية الفرنسية، التي حصلت أمس، هي المعركة التمهيدية لانتخابات الرئاسة بعد عامين، عليهم الالتفات إلى المقابلة التي أعطاها الرئيس نيكولا ساركوزي لصحيفة «لوفيغارو»، قبل ٢٤ ساعة من إقفال الحملة الانتخابية، ولجواب السكرتيرة الأولى للحزب الاشتراكي مارتين أوبري الـ«جورنال دوديمانش».
وعد ساركوزي بـ«وقف مسار الإصلاحات» في النصف الثاني من العام المقبل، فردّت أوبري بأنه يجب الكف «فوراً» عن المضي في هذه الإصلاحات قبل «خراب النظام الدراسي والصحي، والقضاء وحرية الصحافة». سمع الناخبون أوبري ولم يلتفتوا لوعد ساركوزي.
ورغم أنّ ساركوزي هو زعيم اليمين، إلا أنّ النتائج المبكرة التي خرجت من الانتخابات، أشارت إلى «نصر لليسار» وخصوصاً للحزب الاشتراكي، إلا أنها، قبل كل شيء، خسارة لساركوزي أكثر من كونها خسارة لليمين.
فالحزب الاشتراكي كان ممسكاً بـ٢٤ منطقة من أصل ٢٦، وبالتالي فإن «هدف الربح» من الناحية التواصلية الإعلامية، كان في متناول ساركوزي، إذ كان يكفي ربح مقاطعة واحدة ليُبرز «فشل» أوبري والمعارضة في المحافظة على مكاسب سابقة. إلا أنّ عوامل عدة لعبت لغير مصلحة ساركوزي؛ ويقول البعض إنّ «بعض كبار قادة حزبه لم يكونوا حزينين لما يصيب الرئيس». ويشير النائب ليونيل لوقا «علناً» إلى أن ساركوزي «أخطأ بسياسة الانفتاح على اليسار»، ويرى أن اختياره شخصيات اشتراكية لمعظم المناصب التي يمنحه موقعه الحقّ بتعيينها، «بعث رسائل خاطئة للناخبين»، مفادها أنه لا يوجد في اليمين كفاءات تستطيع المشاركة في الحكم.
من الرابح؟ النتائج (شبه النهائية) تشير إلى أن «مسيو امتناع عن التصويت» وصل في الطليعة، إذ إن نسبة الممتنعين بلغت ٥٥ في المئة، وهو رقم قياسي بالنسبة إلى انتخابات فرنسية. وبدأت هذه القضية تثير اهتماماً متزايداً منذ أن أظهرت استفتاءات ما قبل الانتخابات، تراجع شعبية اليمين، وأوحت بأن اليسار قد يكون المستفيد الأول من هذا الطلاق بين ساركوزي وناخبي اليمين.
إلا أنّ الأرقام المعلنة تدل على أنّ «من هجر اليمين، لم يتوجه نحو اليسار». وتشير بعض الدراسات إلى أن «بروفيل الممتنعين» يدل على أنهم من الشباب، ومن سكان المدن ومن الطبقات الشعبية، ما يعني أنّ «الطلاق الحقيقي هو مع السياسة والسياسيين».
بالطبع، يرى عدد من الخبراء في كل تباعد بين الناخب والسياسة، توجّهاً نحو التطرف، يساراً أو يميناً. وتلفت الأرقام إلى أن حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، الذي يتزعمه جان ماري لوبان، استفاد بالفعل، فقط على صعيد بعض المناطق، وليس على الصعيد الوطني، وحتى لو حصل على ١٢ في المئة على الصعيد الوطني. رقم لم تستطع الأحزاب اليسارية الراديكالية تسجيله، مثل «الحزب الجديد المناهض للرأسمالية»، الذي يتزعمه أوليفيه بوزانسونو مع ٢ في المئة. أما «تجمع اليسار الجديد»، الذي يقوده جان لوك ميلانشون، «الهارب من الحزب الاشتراكي»، فقد حصل على نتيجة «مشرّفة»، تمكنه من «مفاوضة حزبه السابق».
إذا وضعنا جانباً وصول حزب تجمع الأكثرية الشعبية، ثانياً، فإن حصوله على نحو ٢٨ في المئة، هو إشارة في كل الاتجاهات، وخصوصاً أن عدداً من الوزراء مرشّح لهذه الانتخابات، ما يمكن أن يفرض تغييراً وزارياً سريعاً.

«كارثة» لـ«الوسط» وانتصار للاشتراكي ولرويال خصوصاً ونسبة امتناع قياسية
والحزب الاشتراكي، بحصوله على نحو ٣٠ في المئة، يفرض نفسه لقطف رئاسة معظم المجالس المناطقية نظرياً. إلا أنه لا يمكن اعتبار هذا نصراً لمارتين أوبري، لأن التصويت كان على صعيد مناطقي. وأفضل برهان هو أنها حاولت منع جورج فريش، المطرود من الحزب، من الفوز برئاسة منطقة لانغدوغ روسيون، فكانت النتيجة خسارة مروعة لمرشحة الحزب الاشتراكي، ونصراً مبيناً للمنتفض على أوبري. كذلك الأمر بالنسبة إلى سيغولين رويال التي سجلت أعلى نسبة في منطقتها، ما يعيدها إلى أجواء منافسة أوبري في المعركة المقبلة.
على صعيد آخر، تمثّل نتائج حزب الوسط (٤ في المئة)، الذي يتزعمه فرنسوا بايرو، مفاجأة من حيث تراجع تأثيره الشديد، بشكل يمكن معه التساؤل عن إمكان أن يترشح بايرو للانتخابات الرئاسية المقبلة. أما حزب الخضر، الذي حصد 12.5 في المئة، متقدماً على حزب اليمين المتطرف، فلا تمثّل نتائجه أي مفاجأة، بل على العكس، فإن التوقعات كانت تشير إلى إمكان أن يجمع تحت جناحه «اليائسين من السياسة التقليدية»، ليشكل، ليس فقط القوة الثالثة بالترتيب العددي، بل لأن يكون قوة يضرب لها حساب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

اقتراع «باب أولّ»



ما الذي يميّز مكاتب الانتخابات في الدول النامية، عن نظيرتها في دول عريقة في ممارساتها الانتخابية؟ فصناديق الاقتراع باتت، بحكم العولمة، متشابهة بالشكل واللون. والأمر سيّان في كيفية «حصر الصحافة ومصوّري القنوات الفضائية»، خصوصاً في مراكز الاقتراع التي تصوّت فيها «شخصيات مهمة». اختلاف كبير لكنه يحمل معانيَ كثيرة ومهمّة، هو غياب أيّ نوع من العناصر المسلّحة عن محيط مراكز الاقتراع. ولولا لوحات الإعلانات على مداخل المدارس، لما أمكن إدراك أنّ ثمّة مركز اقتراع موجوداً في الداخل.
تدخل إلى المركز، فتجد أنّ «أعداد المندوبين أقل بكثير من أعداد الأحزاب المتنافسة». تسأل عن السبب، فيجيب رئيس المركز بأنّ «الثقة موجودة»، فالجميع من «الحي نفسه». شيء آخر يميز الانتخابات في البلدان المتقدمة عنها في العالم الثالث: أصابع الناخبين لا تتلوّث بالحبر لسببين: الثقة موجودة في أوراق الهوية وبطاقات الانتخاب والسجلات، كما أنّ الجميع يعرفون الكتابة والقراءة، وبالتالي يكفي التوقيع.
ويتّفق الجميع على أنّ نظام الانتخابات المناطقية معقّد نوعاً ما، إلّا أنه رغم ذلك، يفسح المجال لتمثيل حقيقي للناخبين بكلّ مشاربهم. ومنذ أُدخلت تعديلات «اللامركزية» في منتصف الثمانينات، باتت مجالس المناطق تمثّل عصب حياة المواطنين، بعدما انتقلت إليها مسؤوليات كثيرة كانت في يد الإدارات الحكومية، مع موازنات ضخمة. وتُناط بهذه المجالس، موازنات التعليم والجامعات والأشغال العامة والصرف الصحي والمياه، إضافةً إلى صناديق العمل والبطالة والتدريب المهني، بما يجعلها شبيهة بـ«الحكومات المحلية».
وتجري الانتخابات على جولتين، وتتألّف لوائح المرشحين على مستوى المقاطعة حتى يتعرّف الناخب على مندوبيه. ومع ذلك، فهو يصوت لـ«اللائحة الكبرى» على مستوى المنطقة. وتؤمّن النسبية وصول عدد من النساء، موازٍ لعدد الرجال. ونظام الانتخاب نصف نسبي ونصف أكثري، لذلك، فإنّ اللائحة التي تحصد ما يزيد على ٥٠ في المئة في الدورة الأولى، تحصل على ٢٥ في المئة من المقاعد، وتوزع المقاعد الباقية على المشاركين الذين نالوا فوق الـ٥ في المئة.
وفي حال عدم حصول أيّ لائحة على الغالبية المطلقة، تجري الدورة الثانية ولا تشارك إلا اللوائح التي حصلت على ما يزيد على ١٠ في المئة مع إمكان دمج اللوائح. وفي الدورة الثانية، تكافَأ اللائحة الأولى بـ ٢٥ في المئة من المقاعد، وتوزع المقاعد الباقية نسبياً على جميع المشاركين.