يواجه حكام الولايات في أميركا غضباً شعبياً ومأزقاً أمنياً بعد اضطرارهم لتكثيف وتيرة العفو والإفراج المبكر عن السجناء، سعياً وراء ضرورات ضبط النفقات التي فرضتها الأزمة المالية
جمانة فرحات
يتحدث أحد السجناء الأميركيين، ويدعى ديفين روجرز، بفرح عن تجربته. فبعدما حكم عليه بالسجن عاماً واحداً، وجد نفسه يقضي منها خمسة عشر يوماً فقط، قبل أن يُشمل بقرار إطلاق سراح مبكر وبرنامج العفو الذي بدأت العديد من الولايات الأميركية بتطبيقه، للحد من نفقاتها.
أما ستيف أوليفراس، الذي أدين بالقيادة برخصة منتهية الصلاحية، فيروي كيف أن مسؤولي السجن في لوس أنجلس أكدوا أنهم غير مستعدين لاستقباله عندما قدم ليسلم نفسه بناءً على أوامر المحكمة التي قضت بسجنه 45 يوماً.
وقال أوليفراس «خيّروني بين الإفراج والعمل الاجتماعي أو إمضاء العقوبة في السجن»، معترفاً بأن ما حصل معه لم يكن يتوقعه على الإطلاق.
إلا أن أوليفراس وروجرز ليسا سوى حالتين في قائمة طويلة من السجناء السابقين الذين باتت تعج بهم شوارع معظم الولايات الأميركية. فتحت وطأة الأزمة المالية والعجز في الميزانية، تطبق الولايات الأميركية خططاً صارمة لخفض النفقات تشمل السجون، وخصوصاً أن تكاليف إدارة السجون في الولايات المتحدة، ليست هامشية على الإطلاق، وتعد من بين الأعلى عالمياً.
وتقدر تكلفة السجناء الأميركيين، الذين يتخطى عددهم 2.3 مليون سجين يتوزعون على مجمل البلاد، بنحو 55 مليار دولار سنوياً. وتوقع مركز «بيو» للأبحاث، استمرار نمو نسبة السجناء، مقدراً كلفة هذه النمو بثمانية وعشرين مليار دولار إضافية بحلول عام 2011.
وذكر تقرير صادر عن المركز نفسه أن واحداً من كل مئة أميركي وراء القضبان، بينما واحد من أصل 31 يخضع للمراقبة وإطلاق السراح المشروط.
الركود الاقتصادي يجعل برامج الإفراج المبكر من أكثر البرامج خطورة
ويؤكد مارك موير، المدير التنفيذي لمنظمة «سانتسينغ»، التي تعنى بتأمين بدائل لعقوبة السجن، أن السياسات التي بدأت تطبقها الولايات ليست بجديدة. لكنه أوضح أن الفرق الجوهري يتلخص في «المناخ السياسي» الذي لم يكن يسمح في السابق للحكام بالشعور بالراحة عند اتخاذهم هذه الإجراءات، فيما الآن ليس لديهم سوى هذا الخيار.
وبالفعل، فإن العودة سنوات قليلة إلى الوراء تظهر أن اللجوء إلى هذه الخطوة لا يحصل للمرة الأولى، وسبق تطبيقه عام 2002، إلاّ أنها بدأت تتخذ منحى تصاعدياً خلال السنوات القليلة الماضية.
ويدافع حكام الولايات عن خططهم، مؤكدين أن الذين يُطلق سراحهم يصنفون ضمن فئة السجناء غير العنيفين، أي أولئك الذين أدينوا بجرائم ضد الممتلكات، واختلاس والتزوير أو الاحتيال. كما يجادلون بأنه لا ضرر من خفض المدة التي يجب قضاؤها قبل الحصول على إطلاق سراح مبكر من 80 إلى 50 في المئة، إذا كان الأمر سيوفر ملايين الدولارات، ويفتح المجال أمام إبقاء المجرمين المدانين بجرائم عنيفة، مثل القتل والاغتصاب، والسطو المسلح.
في المقابل، تتعرض سياسة الإفراج المبكر للعديد من الانتقادات. ووصف حاكم ولاية إلينوي، كوين باتريك جيه، الذي كان من بين الحكام الرافضين لتطبيق الخطة، بأنها «خطأ كبير». وكشف أنه من بين 1700 سجين أفرج عنهم خلال ثلاثة أشهر ، أكثر من 50 شخصاً عادوا لارتكاب انتهاكات جديدة.
من جهتها، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن شمول الإفراج المبكر بعض الأشخاص المدانين بانتهاكات جنسية ضد أطفال. ويؤكد البعض أن هذه الخطط عبارة عن حلول قصيرة الأمد وتتجاهل التكلفة العالية للضحايا. وحذر مدّعٍ عام سابق لولاية جنوب كاليفورنيا، من خطورة الخطوة مؤكداً أن «الوقت ليس مناسباً للقيام بذلك». وأوضح أن الركود الذي يعانيه الاقتصاد الأميركي، يجعل برامج الافراج المبكر من أكثر البرامج خطورة، لأن الحصول على وظيفة أمر حاسم الأهمية لإعادة الاندماج في داخل المجتمع. وهو أمر لن يستطيع المفرج عنهم الحصول عليه في الظروق الاقتصادية الراهنة ما سيحوّلهم إلى خطر متنقل بين الشوارع.