باريس ــ بسّام الطيارةكلما اقترب موعد الانتخابات المناطقية، زاد اليمين الفرنسي تكبيل نفسه في حلقة الخسارة المفرغة. وكلما حملت أرقام استفتاءات الرأي مؤشرات «خسارة محتمة»، ازداد توتر زعماء اليمين، ما يقودهم إلى تصريحات عنصرية تزيد من تراجع حظوظهم بالنجاح. وكلما تراجعت حظوظ اليمين، زاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «انفتاحه على اليسار» يغرف من رجالاته ليسلمهم مراكز مهمة في الدولة في محاولة لكسب تأييد الناخب اليساري، لدرجة أن أحد النواب لم يتردد عن التساؤل علناً «أليس بين سياسيّي اليمين إلا حمير؟».
آخر خطوة في «سياسة القطيعة والانفتاح» كانت عرض تعيين مالك بوتيح (من أصول مغاربية عربية)، عضو الحزب الاشتراكي ومسؤول القضايا الاجتماعية فيه، رئيساً لـ«السلطة العليا لمحاربة التمييز ومن أجل المساواة». وانتفض زعيم اليمين في مجلس الشيوخ جيرار لونغي، عضو حزب «التجمع من أجل أكثرية شعبية» الحاكم، لينتقد هذا الاختيار بلغة عنصرية بشعة. قال، لقناة «إل سي بي»، «إنه (بوتيح) لا يصلح». وأضاف من الأفضل أن يكون الرئيس «من الجسم الفرنسي التقليدي». وكان قد شرح أن الرئيس السابق جان لوي شفيتزر «البروتستانتي القديم كان جيداً»، بينما رأى أن تعيين شخصية «من الخارج» يمكن أن تطيح أهداف السلطة بالعمل على «الانفتاح على المواطنين الجدد»، أي إن بوتيح لا تتطابق صورته مع المركز بسبب أصوله لا بسبب مقدرته.
وجاءت ردة الفعل من المعارضة بعد دقائق لتتهم لونغي بالعنصرية والتمييز. وأشارت جمعية «إس أو إس راسيسم» إلى أنه «يحمل تصوراً إثنياً لفرنسا»، مخالفاً بذلك تقاليد الجمهورية. وخرج الناطق الرسمي للحزب الاشتراكي، بنوا هامو، ليشدد على وجود «مقاربة مؤسفة لليمين مع الهجرة»، بينما رأى رئيس حزب محاربة الرأسمالية، أوليفيه بزانسونو، أن اليمين يحاول «سحب أصوات اليمين المتطرف» لتدارك خسارته المحتمة.
ومن المنتظر أن تتفاعل هذه القضية، لأنها حسب المراقبين تدل على أن عدداً متزايداً من السياسيين، وخصوصاً في حزب يمين الوسط الحاكم، بدأوا بفعل الخوف من الخسارة «يأخذون منعطفاً التطرف الشوفيني»، ويشددون على التمييز بين مواطن من أصل مهاجر ومواطن «أصيل إثنياً»، وهو ما يمنعه القانون منعاً صارماً.
ويأتي هذا الفاصل بينما يواجه ساركوزي ضربات متتالية جراء استطلاعات للرأي تشير يومياً إلى تراجع قياسي لشعبيته وتوقعات بخسارة شنيعة لحلفائه السياسيين خلال جولة الانتخابات التي تبدأ بعد غد الأحد.
وأظهر آخر استطلاع للرأي أجرته شركة «سي إس إيه» هبوط شعبية ساركوزي بأربع نقاط خلال شهر لتصل إلى ٣٦ في المئة، وهو أدنى مستوى تصل إليه شعبية الرئيس منذ دخوله إلى الإليزيه عام 2007. وتشير إلى احتمال فوز اليسار بمعدل ٥٢ في المئة مقابل ٢٨ في المئة فقط لليمين التقليدي.
وأهمية هذه الانتخابات أنها آخر اختبار انتخابي كبير قبل الانتخابات الرئاسية في ٢٠١٢. ويبدو في عداد المؤكد أن تؤدي المخاوف بشأن حالة الاقتصاد الهزيل إلى إضعاف فرص يمين الوسط الحاكم في الفوز، ولكن رغم هذا فإن التساؤل الكبير الذي يحيّر المراقبين هو سبب «الهروب إلى الأمام» عبر الانحراف نحو مقاربة شوفينية عنصرية لم يتعوّدها ناخبوه البتة، ما يمكن أن يقود إلى اعتكاف عدد كبير منهم عن التصويت وبالتالي زيادة نسب انتصار اليسار.
ويشير البعض إلى أن «لعب ساركوزي بنار التخويف من المهاجرين»، كان إشارة انتقال بعض «الليبراليين» إلى الجهر ببواطن مكنونات عنصرية مخبأة في داخلهم.