واشنطن ـ محمد سعيدخاص بالموقع - أيّد مجلس النواب الأميركي، الليلة الماضية، بغالبية كبيرة استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما في مواصلة الحرب في أفغانستان. فقد صوّت المجلس بغالبية 356 عضواً ضد مشروع القانون الذي قدمه العضو الديموقراطي المناهض للحرب دينيس كوسينيش والذي يدعو إلى سحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان بحلول نهاية العام الجاري. وقد صوّت لمصلحة مشروع القانون 65 عضواً من بينهم خمسة جمهوريين.
ويقدم مشروع القانون الذي رُفض لمحة مسبقة عن النقاش الذي سيدور داخل الكونغرس في وقت لاحق من العام الجاري حول طلب الحكومة الأميركية المزيد من المال لتنفقه على حربها في أفغانستان.
وقالت مصادر في الكونغرس ومحلّلون إن حملة التضليل الإعلامي التي مارسها البيت الأبيض ووزارة الدفاع «البنتاغون» وقيادة القوات الأميركية في أفغانستان بشأن مجريات الحرب في إقليم هلمند جنوب أفغانستان أسهمت في هزيمة مشروع قانون مناهضي الحرب الذين تقلّص عددهم في مجلس النواب منذ شهر تموز الماضي، حيث كان 130 عضواً قد أيّدوا مشروع قانون يدعو حكومة أوباما إلى وضع جدول زمني لاستراتيجية الانسحاب من أفغانستان.
وشدّد مؤيّدو مشروع قانون كوسينيش على أن الحكومة الأميركية تدعم حكومة فاسدة في أفغانستان وتنفق موارد أميركية أساسية في صراع لا يمكن كسبه، فيما ثمة حاجة ماسة إليها في الولايات المتحدة. وقال كوسينيتش «ما لم يتحرك الكونغرس للاضطلاع بمسؤولياته الدستورية فسنبقى في أفغانستان وقتاً طويلاً جداً وبكلفة عالية بالنسبة إلى جنودنا وبالنسبة إلى أولوياتنا القومية».
وقد أسهمت حملة التضليل الإعلامي، التي شاركت في ترويجها وسائل الإعلام الأميركية، في دفع ائتلاف واسع من النواب الديموقراطيين والجمهوريين إلى الإصرار على أن القوات الأميركية تحرز تقدماً في أفغانستان وأن الانسحاب السريع سيمنح فرصة لحركة طالبان لاسترجاع السلطة ولتعود البلاد ملجأً لمن تسمّيهم الولايات المتحدة الإرهابيين.
وقال محلّلون إن حملة التضليل الإعلامي الأميركية التي ارتكزت على تضخيم مبالغ فيه لما سمّي معركة «مارجة» قد منح استراتيجية أوباما في أفغانستان زخماً قد يمكّنه من نيل موافقة الكونغرس على تمويل إضافي للحرب على أفغانستان الشهر المقبل بقيمة 37.5 مليار دولار. وقال أعضاء مؤيّدون لمواصلة الحرب على أفغانستان، أثناء المناقشة التي جرت قبل التصويت، إن توقيت تقديم مشروع القانون غير ملائم، وخاصة مع الحملة العسكرية الأميركية على «طالبان» في منطقة مارجة، وقد يبعث ذلك برسالة خاطئة إلى القوات في ساحة المعركة وإلى عائلاتهم.
وقال غاريث بورتر إن وصف البنتاغون لـ«مارجة» بأنها مدينة كبيرة ليس سوى دعاية حرب أميركية. وبدأ الترويج لـ«معركة مارجة» في مطلع شهر شباط الماضي بإعلان قائد قوات المارينز في أفغانستان أنهم يتوقعون وجود نحو ألف من مقاتلي «طالبان: مختبئين هناك، وأنها أكبر مدينة، وأنها مع قراها تعدّ نحو 125 ألف نسمة وهي تحت سيطرة «طالبان»، في إيحاء متعمّد إلى أن المعركة ستكون من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع، وهو ما أشارت إليه بيانات الجيش الأميركي في اليوم الثاني للعملية العسكرية (14 شباط الماضي) بأن عناصر «طالبان: يسيطرون على أحياء في مارجة.
غير أن بعض المراسلين الصحافيين الذين زاروا المنطقة بعد أيام من الهجوم العسكري الأميركي الأطلسي أسهموا في زيادة حالة الارتباك من خلال اختلاف المسميات التي أطلقوها على مارجة، فمرة تسمّى «منطقة» ومرة «مدينة» ومرة «بلدة» في الخبر الواحد ذاته، فيما قامت وكالة أسوشييتد برس يوم 15 شباط الماضي ببثّ تقرير إخباري أشارت فيه إلى «ثلاثة أسواق في البلدة» على مساحة 80 ميلاً مربعاً، وهو ما يوحي أن مارجة أكبر من معظم المدن الأميركية، بما في ذلك العاصمة واشنطن، وهذا ترويج لمعلومة غير صحيحة.
ويؤكد بورتر أن تضخيم «مارجة» هو قرار متعمّد اتخذه «البنتاغون» لزرع انطباع كاذب بأنها مدينة كبيرة تحتاج إلى قوات أخرى إلى جانب قوات مشاة البحرية الأميركية «المارينز». وقد استندت قيادة القوات الأميركية في أفغانستان في حملة التضليل الإعلامي التي مارستها إلى «دليل مكافحة التمرد» الذي يؤكد التأثير المباشر لوسائل الإعلام على الانطباع العام تجاه «رجال المقاومة» وعملياتهم ومحاربتهم. ويشير الدليل إلى «حرب الإدراك التي تمارس باستمرار في الإعلام».
وكان قائد القوات الأميركية الأطلسية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال، خلال إعداده للهجوم على مارجة، قد أدلى بتصريحات استخدم فيها لغة «الدليل»، قائلاً «هذه حرب انطباعات». وقالت صحيفة «واشنطن بوست»، يوم 22 شباط الماضي، إن قرار الهجوم على مارجة، بعدما ضُخّمت أهميتها بصورة غير حقيقية، قد اتُّخذ لكي يظهر للرأي العام الأميركي أن القوات الأميركية قادرة على تحقيق «نصر كبير ذي صدى عال».