توزيع أدوار: «سي آي ايه» تقتل وإسلام آباد تعتقلشهيرة سلّوم
منذ عام 2004 تنفّذ الاستخبارات الأميركية «سي آي ايه» برنامجاً سرّياً، انفضح أمره في ضرباته الأولى، يقوم على تصفية قادة «طالبان» و«القاعدة» من الصفوف الأمامية. عُدّ هذا البرنامج، الذي تنفذه طائرات التجسس بالتعاون مع شركة الحرب «بلاك ووتر»، من الأنجح في الحرب، ودخل في صلب الاستراتيجية الجديدة لباراك أوباما.
تصفية القادة لا تعني بتاتاً أن البرنامج خالٍ من «أعراض جانبية»، تتمثّل في قتل الأبرياء ممّن يعدّونهم أكباش فداء. ويقدر المراقبون أن طائرات الاستطلاع قتلت عام 2009 (حتى تشرين الأول) ما بين 326 و538 شخصاً، معظمهم من الأبرياء. وهو ما يُثير انتقادات حادة لجهة شرعية هذا البرنامج. ويستند الخبراء إلى قانون وقّعه الرئيس الأسبق جيرالد فورد يحظر على الاستخبارات الاغتيالات لتبرير عدم دستوريته. كل هذا لم يفلح، بل زاد من عزم الإدارة الأميركية على توسيع البرنامج، وعدّه مدير «سي آي ايه» ليون بانيتا «اللعبة الوحيدة في البلدة».
باكستان أبقت مسافة بينها وبينه، وأعربت عن معارضتها له في أكثر من مناسبة. هذا في العلن، لكن في الواقع فإن الرئيس السابق برويز مشرف أعطى الضوء الأخضر لمثل هذه العمليات، وسار على منواله الرئيس اللاحق آصف زرداري. وكان لافتاً ازدياد وتيرة هجمات طائرات الاستطلاع أضعاف المرّات في عهد الأخير. هذا لم يكفِ واشنطن، بل أبقت شكوكاً بشأن صدق نيّات حليفتها، إذ لطالما اتهمت إسلام آباد واستخباراتها «آي أس آي» بأنها تحمي قادة «طالبان» و«القاعدة» وتوفر لهم الملاذ الآمن، وتحدثت تقارير عن أنها تنقلهم إلى أماكن أكثر أمناً، إلى كراتشي.
المسؤولون في لانغلي ــ فيرجينيا كانوا يشاهدون بالصور الحية الهجوم الذي قُتل فيه بيت الله محسود
إلى أن بدأ أوباما تنفيذ استراتيجيته الجديدة، التي تبدأ بإنزال جنود إضافيين إلى ساحة المعركة، والدخول الى المعاقل الطالبانية، وتمرّ بمحاورة قادة «طالبان» واستقطاب زعماء القبائل كي تنتهي بتسوية سياسية قوامها المشاركة. وعليه غيّرت إسلام آباد أولوياتها، فأطلقت حملة اعتقال واسعة في صفوف قادة «طالبان»، توّجتها باعتقال الرجل الثاني عبد الغني بارادار، في عملية سرّية مشتركة بين «آي أس آي» و «سي آي ايه»، دلّت على تغيير في السياسة الباكستانية، والتخلّي عن تردّدها في قصِّ أجنحة «القاعدة» وحلفائه.
وفي شباط الماضي، قُتل شقيق أمير الحرب سراج الدين حقاني، محمد، وقائد الظل العسكري في «القاعدة» شيخ منصور. وفي كانون الثاني، اغتيل عبد البسيط عثمان، الذي قدّمت واشنطن مليون دولار في مقابل رأسه، وسيّد صناعة القنابل منصور الشامي، والطالباني حاجي عمر خان.
وخلال العامين الماضيين، كُثّف برنامج «سي آي ايه» بطريقة مُريبة، فتمكنت طائرات الاستطلاع من قتل أكثر من 34 من قادة «طالبان» و«القاعدة»، أبرزهم زعيم «طالبان» باكستان بيت الله محسود (في 5 آب 2009)، الذي وُصف مرّةً بأنه أخطر من أسامة بن لادن.
وانفرط عقد الهجمات، وسقط خلفاء بيت الله ومعاونوه الواحد تلو الآخر (بعضه لم يؤكّد)؛ أُعلن مقتل خليفته حكيم الله محسود ومحمد فقير محمد وضياء الرحمن وفاتح محمد. وقبلهم اغتيل قائد عسكر الظل في «القاعدة»، عبد السعيد الليبي، وزميله زهيب الذهب، وقائد الشبكة الداخلية للتنظيم صالح الصومالي، والمدرب عبد الله حماس الفلسطيني، والمطلوب في تفجيري السفارتين الأميركتين في تنزانيا وكينيا في 1998، أسامة الكيني. وفي 2008 سقط عبد الله عزام السعودي، الذي كان صلة وصل بين «طالبان» و«القاعدة»، ورئيس فرع الاستخبارات في «القاعدة» أبو جهاد المصري، وخبير المتفجرات أبو حمزة، وأبو حارث السوري، الذي قاد 250 مقاتلاً عربياً وأفغانياً للقتال في هلمند. وقتلت الطائرات أيضاً رئيس برنامج أسلحة الدمار الشامل وصانع القنابل في «القاعدة» أبو خباب المصري، وزميله أبو ليث الليبي، إضافةً إلى الابن الأكبر لبن لادن، سعد.
وتروي الكاتبة جاين ماير في في صحيفة «نيويوركر» تفاصيل اغتيال بيت الله محسود. تقول: في 5 آب كان مسؤولو «سي آي ايه» في لانغلي ـــــ فيرجينيا يشاهدون تصويراً حيّاً لواحد من أكثر المطلوبين في باكستان. كان مستلقياً على سطح منزل حماه في زانغارا جنوب وزيرستان. في ليلة صيفية حارة، كان برفقة زوجته وعمه، الطبيب. يتلقّى حقنة، فهو يعاني السكري والفشل الكلوي. هذا الرجل هو بيت الله محسود، والمشاهد التقطتها طائرة استطلاع من دون طيار. أظهرت الهدف واضحاً وقريباً. والصور كانت ثابته عندما أطلقت الطائرة صاروخين، بعدها علت غيمة كثيفة من الدخان، وكل ما بقي من محسود كان جثة هامدة. جميع من كان معه، زوجته، حماه وحماته، قائد عسكري وسبعة من حراسه، لقوا حتفهم.
ويشير خبراء مكافحة الإرهاب إلى أن تنظيم «القاعدة» غارق في الوحل حتى رأسه، بعدما نجحت تلك الضربات في قصِّ العديد من أجنحته الكبار. ويتحدثون عن أن القادة الباقين لا يتجاوزون الأربعين. يبدو أن المخطط يهدف الى إقصاء من بقي من القادة قتلاً أو اعتقالاً، يبقى السؤال عن الرموز: أسامة بن لادن، أيمن الظواهري والملا عمر.