سوريا تسعى إلى مفاعلات كهربائية... وإسرائيل تبحث عن شراكة مع العربباريس ــ بسّام الطيارة
للمرة الأولى تُقحَم منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية نفسها في أتون مؤتمر له صبغة تسويقية تنموية، إلا أنه ذو طابع سياسي بالدرجة الأولى، رغم تسميته «المؤتمر الدولي حول الحصول على الطاقة النووية السلمية». المؤتمر وضع من يملك مقومات نووية سلمية وغير سلمية في مواجهة من يطمح إلى أن يفسح له مجال للارتقاء إلى مصاف الاطّلاع على مقومات الطاقة النووية. لم تغب هذه الهوة عن أجواء المؤتمر وطاولات الحوار، التي توزعت لمدة يومين في القاعات الأربع، التي كانت تضج بنوعين من الأحاديث المهموسة أو العلنية. النوع الأول يمكن وصفه بالتسويقي البحت الذي لم يتردد موفد إحدى الدول الفقيرة في وصفه بأنه «طوباوي سخيف». وفسّر رئيس أحد الوفود من شمال أفريقيا لـ«الأخبار» اهتمام فرنسا بهذا المؤتمر بأنه أولاً لـ«الترويج للصناعات الفرنسية» من جهة، ولاستباق مؤتمر واشنطن بعد شهر والإعداد له واستيعاب ردود فعل من لم يُدعَ إلى العاصمة الأميركية، حيث سيكون عدد المدعوين٤٠ دولة فقط.
وأضاف المصدر نفسه إن «هدفاً سياسياً يختبئ» أيضاً وراء الدعوة وهو «محاصرة إيران» عبر إقناع الدول النامية بأن «باب المعرفة النووية» لن يقفل أمامها. إلّا أنه شدد على أن هذه الدول «ترفض رفضاً مطلقاً برتوكولاً ثانياً إضافياً». وأكد بعض المشاركين أنّ «معاهدة حظر الانتشار النووي بأسسها الثلاثة تكفي».
ولوحظ أن بعض الدول التي «يُعرف عنها معارضة التوجهات الجديدة» قد مُنعت من الكلام، وهو ما حصل مع المدير العام لوزارة الخارجية الجزائرية، بنشاعة داني، بحجة «ضيق الوقت». وذكر بنشاعة لـ«الأخبار» أن الجزائر كان لها دور في إطلاق مباحثات نزع السلاح في فيينا، وهي تملك مفاعلين نوويين صغيرين، واحد أرجنتيني وآخر من الصين. وعما إذا كانت الجزائر تستعد لشراء مفاعل من فرنسا، أجاب إنّ «الشراء يجري عبر استدراج عروض مفتوحة للمنافسة»، وإن الجزائر رغم امتلاكها النفط عليها أن «تستعد للمستقبل».
ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عن «الثقة بعرض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مبدأ إنشاء بنك وقود نووي»، أشاد نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بـ«التعامل الإيجابي» الذي ورد في حديث الرئيس الفرنسي، وطالب بأن تنضم «الدول الأخرى التي تحتكر المعرفة النووية» إلى هذا الطرح. وبشأن استعداد سوريا لشراء مفاعل، أشار المقداد إلى أن المفاعلات النووية مكلفة جداً «ولكن هذا لا يمنع سوريا عند ظهور الحاجة من التفكير في إنشاءات مماثلة». إلّا أنه أضاف إنّ الأولويات اليوم هي للتنمية الاقتصادية والاستهلاكية السكانية، وبالتالي الالتفات للطاقات البديلة.
وأعلن المقداد أن سوريا تريد تطوير الطاقة النووية لتلبية الطلب المتزايد لدى سكانها للكهرباء. وأوضح أنّ «سوريا استفادت من الاستخدام السلمي للطاقة النووية في كثير من القطاعات كالعلوم والطب». ولم يعلّق المسؤول السوري على طلب إسرائيل شراء مفاعل نووي فرنسي مكتفياً بالقول «هذا شأن فرنسي داخلي لا نتدخّل فيه».
وكان الطرح الإسرائيلي قد جاء على لسان وزير البنى التحتية عوزي لانداو، الذي أشار إلى أن «إسرائيل تأمل بناء محطة نووية بالتعاون مع جيرانها العرب»، مضيفاً إن «هذه المحطة ستكون مشروعاً مشتركاً مع الأردن تحت إشراف فرنسا، التي ستزود التكنولوجيا». إلا أن رئيس هيئة الطاقة الذرية في الأردن خالد طوقان سارع إلى النفي. وقال «لا علم لنا ولا علاقة لنا أيضاً بهذه المقترحات». وأضاف لجمع من الصحافيين في بهو المؤتمر «إن المشاريع الأردنية هي وطنية، ولا يوجد أيّ خطط للتعاون مع إسرائيل».
لم يحجب هذا البالون الإعلامي السياسي الإسرائيلي «لبّ اهتمام المؤتمرين» بأن الهدف الحقيقي هو «انتزاع اعتراف» بأن الوصول إلى مصاف التقنية النووية يمر بقبول «أصول اللعبة وشروطها»، التي يضعها ممسكو المعرفة النووية، رغم أن مجموعة كبيرة من الدول الحاضرة حتى ولو جرى تأمين تمويل لها، ليست مؤهلة لا تقنياً ولا من حيث المقدرة على استيعاب هذه الطاقة. وقد وصف أحد المهندسين في شركة أريفا العملاقة، التي ترأسها «المرأة الحديدية» آن لوفيرجون، المؤتمر بأنه «ملهاة» بالنسبة إلى بعض الدول الحاضرة. وأوضح أن نصف الدول الموجودة هنا لا تستطيع استعمال الطاقة النووية «حتى لو جرى تجهيزها بمفاعل نووي مجاناً». إذ إن مُفاعلاً بقدرة ١٠٠٠ ميغاواط يتطلب شبكة تتحمل ١٠ آلاف ميغاواط، وشرح بأنّ بناء المفاعل يتطلب بين ١٠ سنوات و١٥ سنة بينما تأهيل الإطارات المهنية والتقنية يتطلّب جيلاً أو جيلين، قبل أن يضيف إذا أردنا أن نكون واقعيين فـ«نصف الدول المشاركة يلزمها قرن كامل للاستفادة من الطاقة النووية».