صعود قياسي لليمين ومطالبات عابرة للحدودباريس ــ بسّام الطيارة
نظرة صغيرة إلى مروحة التطرف والتطرف المضاد في أوروبا تكفي لدق ناقوس الخطر، وللإعلان أن حملة التشريعات ضد المظاهر الإسلامية تتجاوز «حدود الملبس» وتدخل في إطار «صراع مكشوف». وبينما كان الاستفتاء السويسري على حظر بناء المآذن إشارة قلق من الإسلام في أوروبا، جاءت نتائج الانتخابات في فرنسا لتعبّر عن عودة اليمين المتطرف. وفي إيطاليا، عزز رئيس الحكومة سيلفيو برلوسكوني مواقعه بنتيجة الانتخابات الإقليمية الجزئية بعد تحالفه مع «رابطة الشمال» الشعبوية اليمينية التي يتزعمها أومبرتو بوسي، التي باتت تحكم ستة أقاليم مقابل سبعة لليسار. ومن المعروف أن حكم الأقاليم مؤثر في ترتيب المجتمع الإيطالي والتأثير على نمط حياة مواطنيه.
وتحمل «رابطة الشمال» طروحات على المستوى الوطني تتضمن خطاباً معادياً للمهاجرين مع نزعة للحكم الذاتي في الشمال الغني. وبالطبع، هناك نوع من التناغم عبر الحدود بين شمال «الجزمة الإيطالية» وسويسرا حيث صوّت المواطنون على منع بناء المآذن، وهو ما أطلق موجة «التشريع الأوروبي المعادي للتطرف الإسلامي»، وهو ما شجّع عدداً من الأقطاب السياسيين على «البوح عالياً بما يفكر به المواطنون».

الرأي العام الأوروبي بات يميل إلى اليمين المتطرف المتعصب
ولكن، إذا ذهبنا شرقاً أيضاً نصل إلى ألمانيا، حيث أكدت المستشارة أنجيلا ميركل قبل أيام خلال زيارتها لأنقرة، استمرار معارضتها لانضمام تركيا التام والكامل إلى الاتحاد الأوروبي، مفضلةً إقامة «شراكة مميزة» بينهما. وتخشى ألمانيا، على غرار فرنسا، دخول بلد يعدّ ٧١ مليون نسمة، معظمهم من المسلمين إلى الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً في ظل وجود ما يزيد على ٣ ملايين مهاجر تركي مسلم.
بدورها، تواجه «بولندا الكاثوليكية» هذا التوتر المرتبط بوجود طائفة مسلمة، بعد الـ«ممانعة» التي ظهرت داخل المجتمع لبناء مسجد ومركز ثقافي إسلامي قريب في العاصمة وارسو.
وحذّر أحد الشبان الذين شاركوا في التظاهرات من أن هذه الأماكن ستصبح «للأصوليين» وأن من سيؤمّها سوف «يدعو إلى إسلام متعصب»، فيما طالب المحتجّون بعدم «تكرار أخطاء أوروبا» وعدم الوقوع بـ«التسامح الأعمى الذي يقتل الفطرة السليمة».
ويعيش نحو عشرة آلاف مسلم في وارسو، التي لا يوجد فيها إلى الآن سوى مسجد واحد في ضواحي المدينة، لا يتّسع لأكثر من ٢٠٠ مصلّ. إلا أن استطلاعاً أجرته وكالة «بي بي إس دي جي إيه» لأبحاث السوق قبل أسبوع وشمل ٥٠٠ بولندي، أفاد بأن ٤٨ في المئة من المستطلعين يعارضون بناء مسجد له مئذنة في أحيائهم، بينما لم يعترض ٤٢ في المئة على ذلك.
وترافقت هذه الظاهرة مع ارتفاع أصوات في العديد من البلدان الأوروبية تطالب «باحترام الحقوق المدنية للنساء وحرية العبادة لغير المسلمين في الدول الإسلامية». وهو ما يشير إلى «اتساع رقعة النزاع» ليتجاوز الملبس والمظهر الخارجي والتغيير السوسيو ديموغرافي لأوروبا.
وقالت امرأة شاركت في احتجاجات بولندا «عندما أذهب إلى السعودية لا أستطيع أن أضع صليباً أو أذهب إلى كنيسة»، بينما «هنا في موطني ببلدة فورونسك كنيسة كاثوليكية، وبجوارها مساجد وكنائس أرثوذكسية»، مشيرة إلى أن «هذا ليس تسامحاً. ينبغي أن يعمل الأمر في الاتجاهين».
وتتردد تعليقات مماثلة في دول عديدة في غرب أوروبا شهدت تدفقاً من المسلمين في السنوات الأخيرة، بحيث أصبح الإسلام ثاني أكبر ديانة من حيث عدد الأتباع في بعضها. ويقدر عدد المسلمين في أوروبا بما بين ١٥ و18 مليوناً، ثلثهم في فرنسا. واحتل التطرف الإسلامي والتطرف المجابه له الصفحات الأولى في عدد من البلدان الأوروبية خلال الأيام الأخيرة. وفيما كان نواب فرنسا يتباحثون في كيفية «تجاوز القوانين الحامية للحريات الفردية» لمنع النقاب من دون أن يخذلهم المجلس الدستوري ومجلس الشورى، جاء الخبر من بلجيكا حيث شرّع النواب البلجيكيون المجال أمام حظر النقاب الإسلامي تماماً حتى في الشوارع لتصبح بلجيكا أول بلد أوروبي يخطو هذه الخطوة.

شرّع النواب البلجيكيون المجال أمام حظر النقاب الإسلامي تماماً
واستدارت الموجة إلى الماضي وعاد الحديث عن حظر الحجاب أيضاً؛ ففي الفلاندر (شمال غرب بلجيكا) علق مجلس الدولة منتصف آذار تنفيذ قرار حظر الرموز الدينية في المدارس العامة في انتظار أن يبت القضاء ما إذا كان هذا القرار الذي يستهدف أساساً الحجاب الإسلامي، مطابقاً للدستور البلجيكي.
ولمحاربة هذه الظاهرة التي يمكن أن تؤجج نزاعات اجتماعية قد تكون خطرة على المجتمعات الأوروبية، يجري عدد متزايد من الجمعيات الناشطة ومراكز الأبحاث لقاءات وندوات في محاولة لاستيعاب هذا «التمايز الذي يزداد». فقد عقدت ندوة هذا الأسبوع في ستراسبورغ، تنادي بحقوق للمسلمين مساوية لحقوق الديانات الأخرى. ويفضل المسؤولون المسلمون المراهنة على تطوير تدريس «الواقع الديني» الذي يشمل جميع الأديان، محاولة لتفادي ردة فعل قوية.
ويعترف المسلمون بأن «الطامة الكبرى» هي غياب تأهيل الكوادر الدينية كالأئمة. وقال رئيس المجلس الفرنسي للدين الإسلامي، محمد موسوي، إن «الأئمة الذين يأتون من الخارج يحتاجون الى تأهيل إضافي غير ديني حول العلمانية، كما يغيب عنهم التمازج مع القانون العلماني والمؤسسات الفرنسية».
وإن كان الجميع يتفقون على أنه من ناحية نظرية «حقوق المسلمين مضمونة»، لكن الأمر أشد تعقيداً على «الصعيد العملي»، كالحصول على سبيل المثال على أماكن عبادة محترمة.


شمبانيا وفواغرا حلال في فرنساولا يكتفي المسلمون الفرنسيون، حسبما ظهر في المعرض، بأصناف الطعام التقليدية. وتقول إحدى الزائرات «لأننا نعيش في فرنسا وولدنا فيها ونريد ببساطة أن نأكل نفس ما يأكل أصدقاؤنا. لا نريد أن نكون محصورين بين الكسكسي وطاجن، بل نريد أكلاً فرنسياً، لكن حلالاً».