إن كانت جريمة «أسطول الحرية»، قد حرّكت المياه الراكدة في الشارع العربي إزاء المجازر الإسرائيلية المتواصلة، فإنّ هذا التوصيف لا يصحّ على الوضع التركي، بما أن مياهه لم تركد منذ فترة
أرنست خوري
لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعون أن تكون حصيلة إرهاب الدولة الإسرائيلية، على حدّ وصف رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، بهذا الحجم. رغم ذلك، لم ينم الآلاف من الأتراك ليلة الأحد الاثنين. فمنذ قرابة الساعة الواحدة من فجر أمس، تحديداً منذ اقتراب قوارب جيش الاحتلال الإسرائيلي من السفن الستّ من طاقم «أسطول الحرية» في المياه الإقليمية الدولية، وبدء استفزازاتها تجاههم، احتشد مئات الأتراك حول جميع المباني الإسرائيلية في مدنهم الرئيسية، أنقرة وإسطنبول خصوصاً، من قنصليات وسفارات ومنزل السفير الإسرائيلي غابي ليفي، وسط استنفار أمني كثيف، وباتوا ليلتهم هناك على شكل تظاهرات واعتصامات وصلت أعداد المشاركين فيها إلى أكثر من عشرة آلاف في ساعات النهار.
صحيح أنّ رقم عشرة آلاف متظاهر في أبرز المعالم العمرانية في تركيا، أي ساحة «تقسيم» وسط إسطنبول، هو رقم كبير، إلا أنّ الأهم من العدد، كان نوعية الشعارات التي تكشف عن مدى الكره الذي يكنّه عدد كبير من الأتراك للدولة العبرية. دعوات صريحة لإعلان الحرب على إسرائيل على شاكلة: «أردوغان، حرّر مدافع الجيش»، أو «العين بالعين والسن بالسن»، و«أيها الجنود الأتراك توجهوا إلى غزة». نموذج آخر عن نوعية الشعارات عبّرت عنها جمل من نوع «إسرائيل المجرمة، غادري البحر المتوسط»، أو «دماء الشهداء ستزيل إسرائيل الصهيونية الإمبريالية»، و«يا أبناء هتلر وأبناء الفرعون، أبناء السلطنة آتون إليكم». أما الأكثر اعتدالاً منهم، فقد عبّروا عن موقفهم بكتابة شعارات من نوع: «نطلب من الحكومة طرد السفير الإسرائيلي، وإذا اقتضت الضرورة، فنحن مستعدون للحرب».
ونتيجةً للغضب الشعبي التركي، وقعت بعض الإشكالات التي نُقل على أثرها بعض المواطنين إلى المستشفيات، بعدما اشتبكوا مع الشرطة التي منعتهم من دخول منزل السفير الإسرائيلي ومبنيي القنصلية والسفارة الإسرائيليتين.
وسارع المسؤولون الأتراك في منظمات الإغاثة والمجتمع المدني إلى تكذيب الرواية العبرية التي بررت المجزرة، على اعتبار أنّ السفينة التركية «mavi marmara» (مرمرة الزرقاء) كانت تحمل أسلحة لتسليمها للمقاومين في غزة. وقال نائب رئيس منظمة الإغاثة التركية İHH المشاركة في الحملة، محمد كرا، إنّ الأطباء الأتراك الذين حاولوا إسعاف الجرحى، كانوا أول من استُشهد، مشيراً إلى أن هذه المجزرة «ستكون نهاية إسرائيل، بما أنه بعد اليوم، سيكون من الصعب جداً على تل أبيب تبرير ما فعلته».
وكان أكثر من طبيعي أنّ رد الفعل الشعبي التركي غير راضٍ عن المواقف الرسمية للقادة. فحسابات الشعوب تختلف جذرياً عن حسابات الحكام. إلا أنّ جزءاً كبيراً من إسلاميي تركيا، «المعتدلين»، والمنتمين أو المؤيدين لخطّ حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، يتفاءلون خيراً بما سيحمله الموقف المتوقع أن يكون «تاريخياً» لرئيس حكومتهم رجب طيب أردوغان اليوم.
إعلامياً، توحّدت جميع وسائل الإعلام التركية، متناسية الانقسام السياسي الكبير الذي يُعبَّر عنه بـ«العداوات» بين الصحف والتلفزيونات التركية. وحدها عملية حزب «العمال الكردستاني»، التي أودت بحياة 7 جنود أتراك في منطقة الإسكندرون، نافست الحدث الغزّاوي، من دون أن تطغى عليه.
وحتى لو كان الوقت مبكراً للتحليلات، إلا أنّ صحيفة معارضة كـ«حرييت»، أبقت على الصفحة الأولى من موقعها على الإنترنت، تحليلاً واسعاً رأى أنّ مجزرة «أسطول الحرية» ستكون «الرصاصة الأخيرة في جسد العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية»، وهو ما تبنّاه عدد من مسؤولي الحزب الحاكم للصحيفة.