هكذا برّرت أميركا لنفسها الاجتياح والتعذيب وتسييس المساعداتديما شريف
ما العلاقة بين الإرهاب والتعذيب؟ هل يؤدي ارتكاب الإرهاب إلى حدوث التعذيب؟ هل الإرهاب هو أداة سيادية بيد مرتكبيها؟ لماذا يُعتبر دائماً أنّ الأفراد هم من يرتكبون الإرهاب لا الدول؟ قد تكون الإجابة عن ذلك أنّ هذا يؤدي إلى أنّ الإنسان العادي لن يربط بالنتيجة مفهوم الإرهاب بالدولة التي تمارس هذا الإرهاب على مواطنيها أو غيرهم.
هذا ما يقوله الأستاذ في جامعة مدينة نيويورك طلال أسد، الذي سعى خلال محاضرته في الجامعة الأميركية في بيروت أمس إلى الإجابة عن سؤال «هل تدخُّل حلف شماليّ الأطلسي في أفغانستان حرب عادلة؟»، وذلك بدعوة من مركز الدراسات العربية والشرق أوسطية في الجامعة.
يقارن أسد بين هجوم «بيرل هاربور» في الحرب العالمية الثانية، والحرب الأميركية على أفغانستان، بوصفهما هجومين استباقيين من جيشين نظاميين. ويعود إلى الأيام التي تلت هجمات 11 أيلول 2001. فخطابات الرئيس السابق جورج بوش، التي تحدثت عن إحقاق العدالة، تشبه إلى حد بعيد خطابات الرئيس ثيودور روزفلت في زمن «بيرل هاربور». وحصلت الحرب التي أرادها بوش وجيشه بعدما رفض نظام «طالبان» تسليم المتهم الأول أسامة بن لادن. هذا الأخير نفى بداية، في 17 أيلول 2001 تحديداً، أن يكون وراء العملية. ثم عاد، في نهاية تشرين الأول من العام نفسه، وادعى وقوفه خلف ما حصل.
لم تهتم الإدارة الأميركية آنذاك بالتناقضات في خطابه، وحدّدته باعتباره «المطلوب الرقم واحد». عُدّ رفض «طالبان» تسليمه بمثابة السبب المباشر لشن الحرب. لكن بعد بدئها، واكتشاف الأميركيين أنّ الوصول إلى بن لادن صعب على ما يبدو، أُعطيت تبريرات مختلفة للحرب: الخطر الذي تمثّله الحركة الاسلامية وأفغانستان على الأمن الأميركي، وتحرير النساء الأفغانيات، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، وإعادة بناء الدولة... لو سُلِّم بن لادن إذاً، لما كانت الحرب لتقع، وبالتالي، ستذهب كلّ مساعي تطوير الدولة الأفغانية وتحديثها أدراج الرياح، كما يقول أسد. ويتابع أنه كان من الضروري لمناصري الحرب آنذاك أن يتشككوا في قدرة أفغانستان على أن تكون دولة سيادية لتبرير اجتياحها، «فالدولة السيدة هي التي يتوقع منها أن تسنّ القوانين وتفرضها وتعظ بالأخلاق». وبما أنّ أفغانستان لم تكن سيدة، كان اجتياحها مباحاً. إلى جانب ذلك، أعلنت وزارة العدل الأميركية في التاسع من كانون الثاني 2002، أنّ أفغانستان «دولة فاشلة»، وبالتالي لا يحق لها أن تنال الحماية التي توفرها اتفاقية جنيف لأسرى الحرب.
إعلان سمح بـ«التعذيب الأميركي الرسمي» لاحقاً بحق جميع المعتقلين، وإنشاء معتقل غوانتنامو. ولم يجرِ التطرق بعد ذلك إلى فساد حكم الرئيس حميد قرضاي (في الفترة الأولى) أو الضحايا المدنيين، أو الفشل السياسي والعسكري للمحتل.
كان لا بد لأسد من أن يذكّر كيف أنّ الرئيس الأميركي الحالي، باراك أوباما، لم يكن ضد هذه الحرب أيضاً. ففي آب 2007، حين كان سيناتوراً، قال إنّ «الحرب ضرورية». لكنّه أوضح أنّه لن يحاول استخدام الأسلحة النووية فيها. وحين أصبح رئيساً، «تراجع عن كلامه، وكذب، حين كرر ضرورة استخدام الأسلحة النووية عند الحاجة». وبنظر أسد، هنا السؤال الأهم: لماذا الحرب هي ضرورة؟ فهي كانت ردّة فعل على أحداث 11 أيلول ومترافقة مع التناقضات في تحمل بن لادن المسؤولية عنها. إذاً لم تكن الأدلة كافية للربط بين أفغانستان و11 أيلول، وبالتالي لشن حرب. لكنّ الدول لديها الحق في شن الحروب، وواجب التقيد بالقانون، يقول أسد، وفي حال حدوث اعتداءات إرهابية، يمكن عندها إسباغ صفة الشرعية على الأعمال العسكرية التي تليها.
ويشير أسد إلى أنّ مفهوم الضرورة «غامض ومبهم». فهو يعطي الحق بالدفاع عن الحرب التي شُنت، وبالحق في الاعتقال اللامتناهي. وماذا عن المعارضة الشعبية الأميركية لهذه الحرب؟ لا يتوقع أسد أن تزيد هذه المعارضة رغم مقتل المزيد من الجنود الأميركيين. وبرأيه، يعود السبب إلى أنّه لا تجنيد إجبارياً اليوم في أميركا كما كان على أيام حرب فييتنام. كذلك فإنّ ارتفاع نسبة البطالة في أميركا يدفع عدداً من الشبان إلى الانخراط في الجيش الذي لا يجد صعوبة في تجنيدهم.
هناك أيضاً اعتماد متزايد على المتعاقدين المدنيين مع الجيش. فقد أصبح عدد هؤلاء أكبر من عدد العناصر العسكريين في هذه البلاد. ومن هنا تميل عامة الناس إلى إلقاء اللوم، في وقوع ضحايا مدنيين بين الأفغان، على هؤلاء المتعاقدين.
أما عن حلف شماليّ الأطلسي، فيذكر أسد بما قاله بوش الابن عن أنّه «حين نتكلم على الحرب، نكون نتكلم على السلام». وأوباما لم يبتعد كثيراً عن ذلك حين قال، بعد ثلاثة أشهر على تنصيبه رئيساً، إن «عودة طالبان ستأتي بالعنف على الأفغان... أميركا ردّت لأنّ أمننا وسلامنا يعتمد على ذلك». من هنا، يستنتج أسد أنّ «السلام الدائم يتطلّب الحرب الدائمة»، وكلام بوش وأوباما و«الأطلسي» يعبّر عن مفهوم الحرب العادلة في نظرهم.
أحد مظاهر هذه «الحرب العادلة» هو ربط الجيش الأميركي المساعدات الإنسانية التي كان يقدمها هو والمنظمات غير الحكومية العاملة هناك، بمدى تعاون الناس معه في الوشاية بـ«طالبان». لم تعد المساعدة محايدة، وأسهمت في مغادرة عدد من هذه المنظمات البلاد.
يرى أسد أنّه «ليس من الصعب رؤية دول مزدهرة ومجموعة متمردين من منظور واحد، يكون فيه الإرهاب سيد الموقف». ويختم بالجزم بأنّ مفهومي النسبية والضرورة في أي حرب، وخصوصاً بين دولة ومنظمة، أي خلال الحروب غير المتكافئة، غير مقنعَين، لكن سيجد الناس دائماً وسيلة ما لتبرير حروبهم لشعبهم هم».


اعتراف بصعوبة إفشال كلّ الأعمال الإرهابيّة(أ ف ب)