كييف تؤجّر روسيا ميناء سيفاستوبول... والاتحاد الأوروبي أولويّتهاربى أبو عمّو
قَلَبَ وصول فيكتور يانوكوفيتش إلى سدة الرئاسة في أوكرانيا، هذا البلد رأساً على عقب. باتت الأحداث في كييف تسابق بعضها. البرلمان لا يهدأ. الرئيس يعيد بناء العلاقات مع جيرانه. المعارضة تطالب باستقالته. ذكرى الثورة البرتقالية خفّت إلى حد الاختفاء. والأهم هو عودة «الصداقة الحميمة» بين كييف وموسكو، التي تكللت بعدد من الاتفاقيات والزيارات المشتركة، آخرها أمس زيارة الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف إلى كييف، حتى رأى بعض المحللين أن روسيا تشتري أوكرانيا، التي باتت كإحدى بائعات الهوى، تبيع نفسها لمن يدفع أكثر.
وكان لموافقة البرلمان الأوكراني على تمديد فترة بقاء الأسطول الروسي في ميناء سيفاستوبول، الذي كان يتعين عليه المغادرة في عام 2017، إلى عام 2045، ثمن داخل البرلمان. فرغم تصويت الغالبية لمصلحة الاتفاقية، تحولت قاعة البرلمان إلى ما يشبه صفاً مدرسياً. اندلع شجار بين المعارضين للقرار والموالين له. وألقيت قنابل الدخان داخل المبنى، وتعرض رئيس البرلمان، فلاديمير ليتفين، للرشق بالبيض.
ولم يبد المعارضون أي اهتمام بخفض روسيا سعر بيع الغاز إلى أوكرانيا بنسبة ثلاثين في المئة، كمقابلٍ لهذا التمديد. فرئيسة الوزراء السابقة، يوليا تيموتشينكو، أعلنت قبل أسبوعين إطلاق حملة لتوقيع عريضة تطالب بتنحية الرئيس. وقالت «حددت مهمة ملموسة هي البدء بجمع التواقيع ضد إبقاء الأسطول الروسي في أوكرانيا، وتنحية يانوكوفيتش».
كذلك تظاهر الثلاثاء الماضي أكثر من ألف شخص من أنصار تيموتشينكو، في وسط كييف، احتجاجاً على التقارب مع روسيا، الذي «يقوض الاستقلال الوطني». وقالت رئيسة الوزراء السابقة «إننا نتلاشى، إننا نذوب في الفضاء الروسي اللامتناهي، وبلادنا تعمل على تدمير نفسها باعتبارها دولة مستقلة».
وكان للسفير الأوكراني في لبنان، فلاديمير كوفال، رأيه. وبمجرد الاستفسار عن الشجار، أطلق قهقهة وكأنه كان يتوقع هذا السؤال ولا يريده في آن. سارع إلى التأكيد أن «الرئيس الحالي يحظى بتأييد غالبية أعضاء البرلمان، بدليل تصويت 236 من أصل 450 عضواً لمصلحة الاتفاقية». وأضاف إن «ما حصل في البرلمان يحصل في جميع برلمانات العالم. المهم أن أحداً لم يقتل». إلا أنه يشير إلى ضرورة أن يكون النقاش داخل البرلمان «أكثر حضارة».
كذلك تطرق إلى «مقابل» التمديد، فكرّر كوفال تبرير الرئيس، قائلاً إن «أوكرانيا ستتمكن من ادخار أربعة مليارات دولار سنوياً بسبب خفض سعر الغاز بنسبة 30 في المئة. هذا عدا عن عزم موسكو على تطوير البنى التحتية في المنطقة».
لا يوافق السفير الأوكراني آراء بعض المحللين الذين يقولون إن بقاء الأسطول الروسي يمثّل احتلالاً، بل اعتبره «نوعاً من التجارة القائمة على التأجير»، حتى إنه يرفض المقولات التي تشير إلى عودة أوكرانيا إلى روسيا بعدما كانت بيد الغرب. ويصر على أن العلاقة الروسية ـــــ الأوكرانية الحالية «لا تلغي أولويات أوكرانيا المتمثلة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بعد التنسيق مع جيراننا». ويتوقع إلى درجة يبدو فيها واثقاً، دخول كييف إلى منطقة التجارة الحرة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
أما في ما يتعلق بانتقال أوكرانيا من الغرب إلى الشرق الروسي، فيؤكد كوفال أن «الثورة البرتقالية لم تكن يوماً ضد روسيا، حتى إن الاتحاد الأوروبي كان شريكاً استراتيجياً لنا قبل الثورة».
ويبقى انضمام أوكرانيا إلى حلف شمالي الأطلسي. يقول كوفال إن «دستور بلاده يرفض أي وجود لقاعدة أجنبية في بلاده (هذا لا ينطبق على روسيا التي تعدّ مستأجرة). في الوقت نفسه، تسعى كييف إلى بلوغ المستوى المعيشي الجيد، والمتوافر للدول الأعضاء في الحلف»...
لم تقتصر الأزمة في أوكرانيا على التمديد. فرئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، اقترح الأسبوع الماضي، دمج شركة الطاقة الوطنية الأوكرانية «نفتوغاز أوكرانيّ»، مع شركة «غازبروم» الروسية العملاقة، وهي خطوة من شأنها أن تضع شبكة أوكرانيا الاستراتيجية لخطوط أنابيب الغاز تحت السيطرة الروسية.
تبدو أوكرانيا كأنها تبحث عن أوراق توت تغطي من خلالها عورات باتت كثيرة، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. وساهمت الانتخابات الرئاسية في تتويج روسيا كمنقذ. فأين هي أوكرانيا اليوم اقتصادياً؟
يقول كوفال إن بلاده «بدأت تخرج من الأزمة الاقتصادية العميقة التي وقعت فيها، وقد ارتفع حجم الناتج المحلي هذا العام بنسبة 4 في المئة».
أوكرانيا بخير. تعقد الصفقات. تصالح الجيران، وستجني الأموال. هذه هي خلاصة كوفال، الذي يقرأ بلده من مكتبه في لبنان.