سوفياتية الثقافة أميركية الهوى. غربية الطراز قوقازية التقاليد. الإسلام فيها مكوّن للهوية. دين بلا إيمان. كذلك حال الانتماء الآذري. تعشق الأتراك وتكره الأرمن. المعيشة فيها مكلفة بما يرهق سكانها. تتجاور فيها الشوارع الراقية مع الأزقة الفقيرة والمتنزهات العامة بنوافيرها الخلابة. هي باكو، «قلعة العذراء» و«مدينة الرياح»، حيث المأكولات الشهية والفساد المستشري
باكو ــ إيلي شلهوب
حسناء مغربية لوّحت الشمس سحنتها تتنقل بخفر في شوارع باهتة. تلتحف المطر في طقس عاصف، هي التي أعطت الصحراء دفئها والبحر سكينته. تسارع الخطى، تحاول أن تستبق الليل الذي سرق منها سواد العين... والشعر. غريبة هي في تلك البلاد التي لا تجمعها بها سوى حكايات عن انتماء مشترك إلى فضاء إسلامي. لا اللغة لغتها ولا الحياة حياتها. عبرت جبالاً وبحاراً للوصول إلى هنا، إلى مدينة الرياح في بلاد حراس النار.
كانت قد وصلت للتوّ وقلبها لا يزال منقبضاً. وطأة أمنية أثقلت كاهلها مذ حطّت طائرتها على أرض المطار. نساء ورجال، بالبزة الخضراء، تعلو أكتاف معظمهم نجوم المجرة الشمسية، اصطفّوا أمامها عند خط ختم الجوازات. أناقة متناهية وتهذيب لافت وإجادة للغة الإنكليزية، تعكس اهتماماً واضحاً بالمؤسسة العسكرية. هي هيبة الدولة بأوضح صورها التي عبّر عنها بضعة رجال بالزي المدني مع أجهزة لاسلكية، يبدو جلياً أنهم أصحاب الأمر والنهي. أجواء كانت قد تركتها قبل ساعات على أمل التمتّع بمساحة من الحرية تفتقدها في بلادها.
أول احتكاك لها بشعب هذا البلد كان عبارة عن اعتراض سيارة للشرطة، مصبوغة باللونين الأبيض والكحلي، المركبة التي تقلّها إلى الفندق. طلب بالتوقف إلى يمين الطريق، نزل من بعده سائقها ليفاوض «حماة الأمن والنظام». أكثر من نصف ساعة، عاد من بعدها والقهر بادٍ على وجهه من دون أن ينبس ببنت شفة. لعله عائق اللغة الذي منعه من التعبير عن مكنوناته، أو ربما حال الرعب التي يفرضها النظام على الشعب. لم يكن الأمر واضحاً في تلك الساعة.
أمور أربعة سرعان ما لفتت نظرها ما إن بدأت تتكلم مع أبناء البلد المضيف: كرههم للأرمن وحبّهم للأتراك وسؤالهم الدائم عن الهوية الدينية واعتدادهم بانتمائهم الآذري. موقفهم من أرمينيا، من وجهة نظرها، يبدو طبيعياً، بعد قرون من صراع بلغ أوجه في تسعينيات القرن الماضي في حرب ضروس خاضها الطرفان وانتهت إلى «احتلال» يريفان نحو 20 في المئة من الأراضي الآذربيجانية، هي عبارة عن منطقة تُعرف باسم نيغورنو كاراباخ، على ما تروي الحكاية التي يبدو أن النظام قد أتقن الترويج لها بين الناس في باكو. كذلك الأمر بالنسبة إلى عشقهم للأتراك؛ يرى الآذربيجانيون أن أصلهم تركي، وأن بلادهم قامت تاريخياً على أكتاف الإثنية التركية التي كانت في ما مضى الأكبر عدداً والأكثر نفوذاً. كذلك فإن اللغة التركية، وهي للمناسبة قريبة جداً من اللغة الآذربيجانية، أدّت تاريخياً دور العامل الموحّد والصاقل للقوميات (وعددها 70) التي تتألّف منها آذربيجان، قبل وصول الإسلام إلى هذا البلد. ويتجلى التقارب بين الشعبين في أكثر من مستوى، لعل أولها التماهي شبه الكامل في العادات والتقاليد، والمطبخ الواحد، والعداء المشترك لأرمينيا.
أما بالنسبة إلى سؤالهم الدائم عمّا إذا كان الضيف الأجنبي مسلماً أم لا، فلذلك حكاية أخرى. يتحدث أبناء هذا البلد (95 في المئة مسلمون و5 في المئة يهود ومسيحيون وبوذيون) عن جوع تاريخي إلى الإسلام فرضه حكم سوفياتي استمر لنحو 70 عاماً، تفجّر نهماً ما إن سقطت المنظومة الاشتراكية إلى حدّ كان فيه الآذربيجانيون يلاحقون العرب المقيمين بينهم محاولين لمسهم طلباً «للبركة». كانوا يعتقدون أن العرب كلهم مسلمون، وملتزمون بما يفرضه الدين الحنيف. لكنهم سرعان ما تعرّضوا لصدمتين: شاهدوا بعض هؤلاء العرب، وبينهم من ادّعوا أنهم دعاة، يرتكبون «الفحشاء والمعاصي» من دون أن يفهموا كيف يمكن ذلك أن يحصل. في نظرهم المسلم منزّه طاهر. أدركوا مع الوقت أن ليس كل العرب مسلمين. كذلك نشأت حركات إسلامية غالت في تطرّفها، ما نفّر الشعب الآذربيجاني منها، فضلاً عن أن نظام حيدر علييف عمل جاهداً على ضمان تحجيم كل الحركات الإسلامية المتطرفة لما لها من تداعيات خطيرة على كينونته المستمدة من تحالفه المعلن مع الولايات المتحدة.
ومعروف أن آذربيجان تحوّلت إلى الإسلام مع الفتح الإسلامي أيام الخليفة عمر بن الخطاب في القرن السابع الميلادي، واعتنقت المذهب الشيعي في القرن السادس عشر، أيام شاه إسماعيل الخطائي الذي أقام الدولة الصفوية في هذا البلد، ويقول البعض إنه تركي الأصل، فيما يقول آخرون إنه كان فارسياً. ويمثّل الشيعة 65 في المئة من المسلمين الآذربيجانيين وهم اثني عشريين جعفريين ويقلدون مراجع إيران والعراق وحتى السيد محمد حسين فضل الله في لبنان. أما الباقون، فمن السنّة، وغالبيتهم شافعيون يقطنون شمال البلاد التي تدفّق إليها الدعاة من إيران وتركيا والبلاد العربية في بداية التسعينيات، لحقهم في منتصفها دعاة الوهّابيّة. ازدهرت طبعاً الحركة الإسلامية في آذربيجان في هذه الفترة، قبل أن يرتدّ عنها الشعب الآذربيجاني.
ورغم كل ذلك، يبدو مؤكداً أن الشعب الآذربيجاني علماني في عمقه. يُستدل على ذلك من تعايشه مع الأقليات من الديانات الأخرى، فضلاً عن عدم ممارسته، في غالبيته العظمى، للشعائر والفروض الدينية. الإسلام بالنسبة إليه، كما العنصر القومي، مكوّن للهوية، أداة لتعريف الذات في مواجهة الآخر الذي كان في معظم الأحيان أرمنياً أو روسياً أو فارسياً.
يبقى اعتداد الآذربيجاني بقوميته وحضارته، التي يدّعي أن عمرها من عمر الإنسان، نحو خمسة آلاف عام، مستشهداً بالاكتشافات الأثرية التي عثر عليها في الأراضي الآذرية وتضم أقدم بقايا بشرية، ما يعني أنها ربما تكون مهد الإنسانية. اعتداد دفع به إلى استعادة الحرف اللاتيني الخاص به فور الانسحاب السوفياتي وإعلان الاستقلال، بعدما كان قد أجبر على التخلي عنه في عشرينيات القرن الماضي لمصلحة الحرف الروسي، علماً بأن اللغة الآذربيجانية هي من اللغات التركية، لكن 40 في المئة من مفرداتها عربية، وكانت تكتب بالحرف العربي أيام الفتوحات الإسلامية.
هناك أيضاً حال المرأة التي لا يعكس مظهرها جوهر روحها. بيضاء مع شعر أسود وعينين سوداوين. لباسها غربي الطراز، ومثير في أحيان كثيرة، مع كثير من التبرّج. نشيطة جداً في مجتمعها، من أيام السوفيات الذين أدّوا دوراً كبيراً في تحريرها وتعليمها إلى أن بلغت سدة البرلمان. لكنها مع ذلك لا تزال محافظة، على غرار مجتمعها المتمسّك بتقاليده القوقازية، حيث الأسرة أولوية، تُبحر بقيادة الرجل. مفهوم «المصاحبة» موجود، لكنه ليس منتشراً، لكونه مرفوضاً اجتماعياً. كذلك الحال بالنسبة إلى ممارسة الجنس قبل الزواج، حيث إن حصل إما تُجبر الفتاة على الزواج من الشخص المعني وإما تتحول إلى مومس في عيون المجتمع. حال تحاكي الواقع في دول عربية كثيرة حيث الفئات الاجتماعية تتنوع من أقصى المحافظة إلى أقصى الليبرالية مع غالبية للفئة الأولى. هناك قلة نادرة من النساء الآذربيجانيات ممن يرتضين امرأة ثانية لأزواجهن. نسبة منهن أكثر ندرة ترتدي الحجاب، وهو نوعان: تركي الطراز (ملاصق للبشرة لا يحيد عنها إلا قليلاً عند المنطقة التي تعلو الجبين) وإيراني الشكل (المقصود ذاك الذي يشبه الشال العريض الذي يربط عند الصدر)، فضلاً عن أنه من غير المقبول أن تغادر الفتاة منزل أهلها قبل الزواج، إضافة إلى انتشار ظاهرة الزواج المبكر التي تحاول السلطات مكافحتها.
باكو أيام الأحد تكون شبه مقفرة. حركة سير بطيئة للسيارات، تحاكي الحال على الأرصفة التي تبدو حكراً على الشباب، من عشاق ورفاق يغزون المطاعم حيث المأكولات حدّث ولا حرج. أطباق (ليس بينها السمك ولا الزيتون رغم زراعته الكثيفة في هذا البلد) من أشهى ما يمكن المرء أن يتذوّق، اللهم إلا إذا كان وضعه الصحي ليس من المتانة بما يسمح له بابتلاع هذه الكميات من الدهون. الوضع مختلف باقي أيام الأسبوع، بما يعكس الوضع التجاري للمدينة؛ زحمة ناس وسيارات تخفّف من وطأتها كثرة الحدائق والساحات العامة المنتشرة بكثرة في باكو تزيّنها دائماً نافورة مياه أو أكثر.

سوفياتية الثقافة أميركية الهوى. غربية الطراز قوقازية التقاليد

يحبون الأتراك ويكرهون الأرمن ويعتدون بانتمائهم الأذري والإسلامي
تبدو المدينة رحبة، واسعة، المساحات الفارغة فيها لافتة للنظر. حتى الأبنية لا يتجاوز ارتفاعها بضع طبقات لا مكان فيها للأبراج الطويلة. سببان على الأرجح أدّيا دوراً في ذلك؛ قدرة المدينة، التي تشهد منذ نحو 5 سنوات طفرة بناء حفزتها الطفرة النفطية في آذربيجان، على التمدد أفقياً لغياب العوامل الطبيعية التي تحول دون ذلك، وأرضها اللينة بفعل أنها كانت جزءاً من بحر قزوين قبل أن تنحسر المياه وتخلي مساحات إضافية من اليابسة. ألوانها فاتحة، كبشرة سكانها الناصعة البياض، تتراوح بين الرمادي والعاجي. شوارعها عريضة (باستثناء تلك الموجودة في البلدة القديمة وفي محيطها) وأبنيتها تملؤها الزخرفة والنقوش من النوع الذي تجده أينما تجوّلت في دول المعسكر الاشتراكي السابق. مدينة (3.5 ملايين نسمة) سوفياتية الطراز أميركية الهوى، يحتل أزقتها جيل من الشباب، من جماعة الجينز والموسيقى الصاخبة والملاهي الليلية، من التوّاقين إلى الأمركة، على الطريقة الآذربيجانية. «الجيل القديم يحنّ إلى الماضي السوفياتي. يقولون إن كل شيء كان أفضل»، يوضح شاب تخرّج حديثاً من كلية الحقوق.
ومع ذلك، يبدو سكان باكو حزينين، تعبين. الوضع المعيشي فيها صعب. الغلاء فاحش. لعلها من أغلى المدن في العالم. تجد قاطنها يلهث ليل نهار لتوفير لقمة العيش، من دون أن يخفي استعداده للانتقال إلى مدينة أخرى تكون الحياة فيها أكثر راحة، إذا توافرت الفرصة. بل هناك أحياء في بلاد النفط والغاز هذه من الفقر بمكان يمكنك أن تجد أناس يتناولون الطعام من علب القمامة.


سياحة فاسدة

تكثر في باكو الأماكن السياحية؛ مواقع أثرية تتقدمها البلدة القديمة المسمّاة قيزقلاصي أو «قلعة العذراء»، إضافة إلى المطاعم التاريخية والمعابد المجوسية وما إلى ذلك من أماكن تستحق الزيارة، بينها ستة مساجد أثرية. لكن يبدو واضحاً أن هذه البلاد تفتقد الثقافة السياحية التي تنشد الاستمرارية لا مراكمة الثروة الظرفية. يتجلى ذلك في محاولة اقتناص الأجانب، على قاعدة استخراج ما أمكن من نقود في جيبه باعتباره زبوناً لمرة واحدة. السلعة الواحدة تشتريها أكثر من مرة من المكان نفسه، لكن كل مرة بسعر مختلف.
كذلك هناك معضلة الفساد المنتشرة في معظم الجمهوريات السوفياتية السابقة، والتي يعدّها الآذربيجانيون من التراث السوفياتي. أكبر مشكلة مع شرطي يمكن أن تحلّها بـ5 مانات (المانات يلامس اليورو). والـ20 مانات كفيلة بأن تنقلك من مدخل المطار إلى باب الطائرة بسرعة البرق.



هنا ولد زردشت... وهنا استعرت أول شعلة نار!



هي بلاد حرّاس النار. وصف استمدّ مكوّناته من عاملين: ألسنة اللهب المنتشرة في كل مكان، وتقديسها من جانب المجوس، أتباع زردشت الذي يدّعي الأذربيجانيون أنه ولد في بلادهم، حيث انتشرت ديانته قبل تعرّفها إلى الإسلام

يدّعي الأذربيجانيون، خلافاًً لمعظم الروايات التاريخية، أن زردشت ولد في بلادهم، حيث استوحى ديانته المجوسية من ألسنة النار التي تتصاعد من أراضيها، التي يخرج من ثناياها الغاز الطبيعي منذ آلاف السنين. يستشهدون بالمعابد المجوسية المنتشرة في بلادهم، وفي مقدمتها معبد اشتيغا الواقع في قرية سورهانم (الساحة الحمراء) الملاصقة للعاصمة باكو. بل أكثر من ذلك. يرون أنّ أول شعلة نار رآها الإنسان اشتعلت على أراضيهم.
صحيح أن المجوسية انقرضت، كعبادة، من أذربيجان منذ زمن طويل، على ما يدّعي القيّمون على المعبد، لكنه يبقى قبلة الأنظار للسيّاح والمجوس القادمين من البلاد الأخرى، وفي مقدمتها الهند، في مناسبات معيّنة، رغم أن إحياء الشعائر المجوسية ممنوع فيه.
طبعاً مكان ولادة زردشت وتاريخها محطّ جدل واسع بين المؤرخين. معظمهم يُجمع على أنه كان فارسياً، وأنه ولد في شرق إيران بين عامي 628 و551 قبل الميلاد. لكن هناك من يقول إنه عاش في الفترة الممتدة بين 1400 و1200 قبل الميلاد.
وتقول الأساطير «إنّ والد زردشت كان يرعى ماشيته في الحقل، فتراءى له شبحان، وأعطياه غصناً من نبات، ليمزجه باللبن ويشربه هو وزوجته دغدويه، ففعل وشرب ما طلبه منه الشبحان، فحملت زوجته، وبعد خمسة شهور من حملها رأت في منامها أنّ كائنات مخيفة هبطت من سحابة سوداء، فانتزعت الطفل من رحمها وأرادت القضاء عليه، إلّا أن شعاعاً من نور هبط من السماء مزّق هذه السحابة المظلمة وأنقذ الجنين، وسمعت صوتاً من هذا النور يقول لها: هذا الطفل عندما يكبر سيصبح نبيّ أهورامزدا».
اقتنع زردشت، على ما يبدو، بأنّ جميع الأحداث التي تجري في العالم مبنيّة على السبب والتأثير. لذلك أقام عقيدته على مبادئ ثلاثة: تفكير جيد وكلام جيد وعمل جيد. أدرك أن جميع حوافز الإنسان مبنيّة على الفعل وردّ الفعل. وبالتالي، فإنّ كل فعل جيد سيقابله سلوك من طينته، والعكس بالعكس.
رفض زردشت فكرة الإله المرتشي، ذاك الذي يكافئ المؤمنين به بالجنّة في مقابل عبادتهم له، وتقديم الأضاحي إليه وما إلى ذلك. بالنسبة إليه، الإله ليس تاجراً. إله زردشت محفّز للعدالة واللطف والصدق، ويقود مخلوقاته في المبادئ الثلاثة السالفة الذكر. يعتقد بأن للإنسان كامل الحرية في اختيار الطريق التي يريد، مشيراً إلى وجود روحين تتننازعان تفكير المرء وذكاءه: واحدة خيّرة وأخرى شريرة. الأولى تدعى «القوة المقدسة»، وتدعمها سبع فضائل عليا هي الحكمة والشجاعة والعفّة والعمل والإخلاص والأمانة والكرم، هذه الفضائل بمثابة الملائكة. تدفع هذه الفضائل المقدسة النفس البشرية إلى الخير والنور والحياة والحق. والثانية تدعى «القوة الدنيا» وتدعمها سبع رذائل هي النفاق والخديعة والخيانة والجبن والبخل والظلم وإزهاق الروح، وهي بمثابة شياطين. وتدفع هذه القوة الخبيثة المتكوّنة من النقص في النفس البشرية إلى الشر والظلام والموت والخداع، ويبقى هذا الصراع قائماً بين هاتين القوتين داخل النفس البشرية إلى أن يصل الإنسان إلى النقاء.
روحان هما التعبير عن وجود إلهين: إله خيّر يعبدونه (اهورامزدا)، وإله شرير. وبما أن الحكمة الإنسانية مبنيّة على التفكير الجيد والسليم، فعلى أتباع زردشت نشر العلم والتربية. بهذا المعنى عُدَّت تعاليم زردشت، في ذاك الزمن، تنويرية. بل هو يدعو أتباعه إلى الامتناع عن الأخذ بأيّ من تعاليمه إذا ثبت أنها تخالف العلوم المعروفة.
يساوي زردشت، في تعاليمه، بين المرأة والرجل. يحتقر الكسل ويرفض معاملة الحيوانات بوحشية، معتبراً التضحية بها عملاً إجرامياً. يعتقد بخلود الروح البشرية «فارافاهار»، التي سترتقي في العالم الآخر كلّما قام الإنسان في حياته بأعمال خيّرة، وبالتالي، فإنّ كل إنسان مسؤول عن مصير روحه بعد الموت. لذلك، لا يحزن الزردشتيون على موتاهم، الذين يضعون جثثهم على سطوح أبراج خاصة تسمّى «أبراج الصمت» لتأكلها الطيور الجارحة بحجّة عدم جواز اختلاط الجثث بالعناصر الأربعة المكوّنة للكون. بل يرون الموت مناسبة للاحتفال بانتقال الروح إلى مرتبة أعلى.
من الأولويات بالنسبة إليه نظافة نقاء المياه والهواء والأرض والنار، العناصر الأربعة المكوّنة للكون. وبحكم تصنيفه للنار والهواء باعتبارهما أنقى العناصر ولا يمكن تلوثهما، فإنه يرقى بهما إلى مصافّ القدسيّة. ومع ذلك، يؤكّد معظم المختصين في الفلسفة الزردشتية أنها من «الديانات التوحيدية»، في مقابل مجموعة تساوي بين الزردشتية وعبادة النار.
أما في شأن مراسم العبادة لدى المجوس، فهي تتضمّن 5 فروض يومية، يبدأ كل منها بعد قرع الجرس، وتتضمن الدوران حول النار.

غداً: أذربيجان والتغريد خارج السرب: معضلة امتلاك الثروة ومجاورة الإمبراطوريات