منذ ما بعد أزمة مقتل أميرها، تمكنت حركة «طالبان» باكستان من إعادة لملمة صفوفها والتضليل في حقيقة مقتل أميرها الجديد
شهيرة سلّوم
حركة «طالبان» الباكستانية تحت الأضواء من جديد. والسبب محاولة اعتداء في ساحة «تايمز سكوير» في قلب نيويورك، وظهور أميرها حياً يرزق. أحداث تنمُّ عن تصاعد قوة الحركة واستعادتها لزمام المبادرة بعد الأزمة التي خلّفها مقتل زعيمها بيت الله محسود في ضربة صاروخية أميركية وتصفية عدد من عناصر واعتقال عدد آخر. وهي كانت قد أثبتت هذه القدرات في تورطها بعملية خوست ضدّ الاستخبارات الأميركية.
ليونة وقوة وسرعة تكيّف، عوامل تعود إلى طبيعة نشوء هذه الحركة على يد أميرها بيت الله وفرض سيطرتها على المنطقة الحدودية. ففي 2002، شنّ الجيش الباكستاني حملة عسكرية واسعة داخل المناطق القبلية الحدودية المحاذية لملاحقة المقاتلين الأجانب الذين يتنقلون عبر الحدود ويوفرون الدعم اللوجستي والتدريب لنظرائهم الأفغان. لكن في تلك المناطق ينشط بقوة زعماء القبائل الذين آثر بعضهم التحالف مع حكومة إسلام آباد ضدّ المسلّحين، وهو ما أدى إلى فتح النار عليهم وتصفية المئات منهم، وعزّز المسلّحون سيطرتهم في المناطق القبلية مع حلول عام 2004، ليُعلن رسمياً تأسيس الشق الباكستاني من «طالبان» في كانون الأول 2007 بقيادة الأمير بيت الله، المقاتل البشتوني الشرس الذي أرعب الجنود الباكستانيين والأطلسيين، وضلّل حكومتي واشنطن وإسلام آباد في مناورات ومعارك أفضت إلى سلام مؤقت لم يلبث أن انفضّ، وهو ما دفع واشنطن إلى التشكيك بحليفتها إسلام آباد وصدقيتها في ملاحقة «طالبان» و«القاعدة» وأخوانهما.
ولتثبت إسلام آباد صدق نياتها، حظرت في آب 2008 الحركة وجمّدت أرصدتها وحساباتها المالية ومنعتها من الظهور الإعلامي. لكن هذا لم يوقف الحركة عن شنّ هجمات طالت العاصمة وأهدافاً استراتيجية. ولما وجدت «طالبان» الأفغانية أن مصلحة الحرب تقتضي بحل الخلافات العالقة مع شقيقتها الباكستانية، أوفدت إليها رُسلاً حتى وافق بيت الله ورفاقه على تأسيس مجلس شورى اتحاد المجاهدين، وأُعلن أيضاً تحالف بين الملا عمر وأسامة بن لادن.
وفيما كان نشاط الحركة يتراوح بين القتال والسلام، تلقت ضربات موجعة من الأميركيين تكلّلت بمقتل بيت الله في آب 2009. عُقد مجلس الشورى لتعيين الخلف وتولى فقير محمد الإمارة مؤقتاً. وقالت مصادر الحكومة الباكستانية إن صراعاً على الإمارة اندلع بين حكيم الله محسود ووالي رحمن، وتحدثت عن مقتل محسود، وكثرت التقارير الاستخبارية من واشنطن وإسلام آباد التي تتحدث عن اهتزاز الحركة وانقسامها مع ضرب عمودها الفقري.
وفي تلك الأثناء، انطفأ نجمها بالفعل وشُغلت في اختيار أميرها، وهو ما رجح صدقية التقارير الأميركية. لكن أزمة «طالبان» عادت وانتهت باختيار حكيم الله أميراً بعد تدخل الحلفاء، وفي المقدّمة «القاعدة».
وعلى وقع العمليات العسكرية التي يشنّها الجيش الباكستاني، والضربات الجوية الأميركية التي واصلت اغتيالها للقيادات، حصلت عملية خوست في أواخر 2009. أكبر عملية من نوعها ضد الاستخبارات الأميركية في قاعدة تشابمان الأفغانية راح ضحيتها 8 عناصر من «سي آي إيه»، إضافة إلى ضابط ارتباط أردني، ونفذها همام محمد البلوي، وتبنّاها تنظيم «القاعدة». لكن في شريط مصور، أهدى البلوي العملية إلى بيت الله، متوعداً بالثأر له في داخل أميركا وخارجها، وبجواره يقف حكيم الله. ليظهر أول انتصار لـ«طالبان» الباكستانية بعد أزمة مقتل بيت الله.
بعد أسابيع، أعلنت مصادر باكستانية مقتل الزعيم الجديد حكيم الله. «طالبان» نفت، لكن تضارب الأنباء والتعتيم حالا دون التأكد من صحة الأنباء، فضلاً عن أنه لم يجر حديث عن اختيار خلف، أمور علّقت مصير محسود في علم الغيب. إلى أن أُثير قبل أيام حقيقة مقتله، ورجح مصدر باكستاني أنه لا يزال على قيد الحياة. وفي ما يبدو أنه تدارك لهذه الحقيقة كي لا تكون انتكاسة لبرنامج «سي آي إيه» وانتصاراً لـ«طالبان» التي استطاعت على مدى أشهر اعتماد المناورة والتضليل في صحة وضع أميرها، رأت وزارة الدفاع الأميركية أن محسود لم يعد الزعيم الفعلي للحركة.
لم تبرد هذه الأنباء، حتى سدّدت حركة «طالبان» هدفين في المرمى الأميركي، الأول في قلب إحدى أكبر المدن الأميركية، في نيويورك، عبر تبني اعتداء لم ينجح. لم تمضِ ساعات حتى جاء الهدف الثاني، ظهور أمير «طالبان» في شريطين مصورين يكيل الوعيد والتهديد للولايات المتحدة. انتصارات تشير إلى تعاظم قوة الحركة وليونتها وقدرتها على لملمة صفوفها والضرب من جديد؛ مهارات يبدو أنها اكتسبتها من حكم أميرها الراحل بيت الله.