نيويورك ــ نزار عبودلم يعد هناك دول خارج معاهدة حظر انتشار السلاح النووي غير إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية، وجميعها سعيدة بعدم توقيعها لمعاهدة تعدّها كذبة، وخصوصاً أن انتشار السلاح النووي يسير على قدم وساق في دول هي الداعم الأكبر للمعاهدة، وفي مقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويحدث هذا الانتشار في وسط أوروبا، وعلى أطرافها في الدول التي انسلخت عمّا كان يعرف بالاتحاد السوفياتي، وباتت تنضوي تحت كنف حلف شماليّ الأطلسي. دول مثل بولندا والمجر وبلغاريا ورومانيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا، وحتى البوسنة والهرسك وألبانيا وسلوفينيا وكرواتيا وكوسوفو، وصولاً إلى جورجيا. وفي أقصى الشرق، هناك أفغانستان وقرغيزستان وتركمانستان وأذربيجان وغيرها. ومعظم هذه المناطق مستفيدة من الوجود النووي الأميركي عبر منظمة حلف شماليّ الأطلسي العاملة في وسط آسيا والمحيطات الجنوبية ومن الصواريخ المضادة التي تزرع في عدد منها.
ويعود تاريخ تكوين مظلة الحلف الأطلسي النووية إلى حقبة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي. وتمثّل القدرة النووية الأميركية عصبها الرئيسي في الدفاع عن غرب أوروبا، التي كانت مهددة حسب تقدير الحلف بالغزو الشيوعي. وقبلت كل الدول الغربية تقريباً المظلة النووية الأميركية، ما عدا إيرلندا وسويسرا والنمسا والسويد وفنلندا، وجميعها حافظت على الحياد. حتى إن سويسرا والسويد فكرتا في صنع سلاح نووي، لكنهما تخلتا عن الفكرة في النهاية.
أما كندا، التي تبدو من أكثر الدول المنددة والمتشككة في نيات الآخرين السلمية، فقد كانت شريكة في مشروع «مانهاتان»، وهو أول مشروع نووي عسكري أميركي في العالم. وهو المشروع الذي أنتج قنبلتي هيروشيما وناغاساكي. غير أن كندا استُبعدت من البرنامج في وقت لاحق بموجب تشريع سَنَّه الكونغرس الأميركي.
في المقابل، ساعدت الولايات المتحدة بريطانيا على إنتاج السلاح النووي. ثم ساعدت فرنسا والنروج وبريطانيا على بناء برنامج نووي، وهو ما أظهرته الوثائق البريطانية قبل أكثر منذ عقدين تقريباً، إذ حولت بريطانيا الماء النروجي الثقيل إلى إسرائيل، فيما سمحت فرنسا بسرقة باخرة محملة يورانيوم بالتوجه من مرسيليا إلى حيفا ومنحت الولايات المتحدة التمويل والحماية السياسية لإسرائيل في برنامجها.
ولم تكتفِ فرنسا بتكوين ما تسميه «قوة ضرب» نووية عندما خرجت من الجناح العسكري لحلف شماليّ الأطلسي، في عهد رئاسة شارل ديغول، وكان لها برنامجها الخاص في الجزائر في الخمسينيات والستينيات، وكذلك في منطقة جنوب المحيط الهادئ، حين أجرت عشرات التجارب النووية في قعر البحر.
آلاف القنابل النووية فجرتها الدول النووية الأولى (نحو 3 آلاف) كانت مسؤولة عن ارتفاع حرارة الغلاف الجوي، فضلاً عن التلوث الإشعاعي الذي لن يزول تأثيره السرطاني على مرّ الأجيال. تلوث يدفع العالم ثمناً فادحاً في أحيائه، من البشر إلى الكائنات الأخرى.
وبدلاً من أن تمثّل نهاية الحرب الباردة انطلاقة لمرحلة انفراج دولي وسلام يعمّ العالم وتلغى فيها الأحلاف العسكرية التي صاحبتها، ويُنزَع السلاح النووي على نطاق واسع، عمل حلف شماليّ الأطلسي على التوسع في كل اتجاه، باسطاً مظلته النووية، مثيراً ريبة الاتحاد الروسي.
أما بالنسبة إلى كوريا الشمالية، فبعد تهديدها ووضعها على رأس مثلث الشر الأميركي، لجأت بيونغ يانغ إلى إنتاج قنبلتين ذريتين وتفجيرهما، بينما لم تكترث الهند وباكستان لمسألة الانضمام إلى معاهدة بدت مخصصة لضبط بلدان الشرق الأوسط خصوصاً. فقد كان المطلوب من العرب والمسلمين التخلي عن أي تفكير في امتلاك التكنولوجيا النووية، في وقت تقدم فيه الولايات المتحدة عرضاً لإسرائيل، ببسط المظلة النووية إليها. عرض قدمته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، رغم أن واشنطن وعدت بلدان الشرق الأوسط عام 1995 بجعل المنطقة منزوعة السلاح النووي لنيل موافقة الحكومات على التمديد اللانهائي لمعاهدة عدم الانتشار.