بول الأشقر قبل سنة، استيقظ رئيس هندوراس المنتخب مانويل زيلايا، ومعه القارة الأميركية الجنوبية، على وقع انقلاب عسكري «دستوري» وضعه في طائرة حملته إلى كوستاريكا بعدما عرّجت على قاعدة أميركية موجودة في البلاد لملء خزان الوقود. سنة بعد هذه «القطيعة» التي لم تندمل ذيولها بعد، وستة أشهر بعد انتخاب بورفيريو لوبو إلى الرئاسة، ماذا عن هندوراس اليوم؟
بالرغم من قوة الانقلاب الضاربة وتواطؤ القطاعات النافذة في البلد الصغير، سمح نضال المقاومة الهندورية وردّ فعل القارة التي لا تزال مصدومة بـ«حقبة الانقلابات»، بالحفاظ على ميزان قوى ما مدعم بعزلة دولية، جمدت عضوية هندوراس من منظمة الدول الأميركية. وكان من المفترض أن يشكل موعد انتخابات نهاية السنة الماضية صفحة جديدة مع عودة زيلايا، الموجود في السفارة البرازيلية، الشكلية للإشراف على الانتخابات ولو لأسابيع لإنهاء ولايته ومع خروج موازٍ لروبيرتو ميتشيليتي «الرئيس الإنقلابي». الإ أنّ تأهل هندوراس للمونديال وخيانة الولايات المتحدة لخطة منظمة الدول الأميركية، تحت ضغط اللوبي اللاتيني اليميني، قضيا على حظوظ التسوية وجعلا الانتخابات تجري تحت سلطة الانقلاب، ما أدى إلى وصول بورفيريو لوبو إلى سدة الرئاسة.
خمسة أشهر بعد وصوله للسلطة، ما زال بورفيريو لوبو، بإخراج منسق مع الولايات المتحدة، يحاول إعطاء صورة توحي بالتطبيع والمصالحة. أخبار الصحف نادرة وتوقفت التظاهرات في الشوارع وبالتالي خرجت منها القوات المسلحة... والسائح الجاهل لتفاصيل الأزمة الهندورية قد يعود منها بانطباع أنّ كل الاهتمام موجّه الآن لأداء المنتخب الوطني في مونديال أفريقيا الجنوبية حيث ذهب الرئيس منذ أكثر من عشرة أيام...
إلا أنّ الصورة الحقيقية أكثر تعقيداً لأنّ هندوراس لا تزال غارقة في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة. وعزلة هندوراس، حتى لو تراجعت بعد اعتراف 80 دولة من أصل 192 في الأمم المتحدة بالنظام الجديد، لم تطو صفحتها بعد. فهي رغم تأليف لجنة لهذه الغاية، لم تعد بعد إلى منظمة الدول الأميركية، وضغط «أوناسور» منع الشهر الماضي لوبو من المشاركة في القمة الأورو - لاتينية.
بعد خمسة أشهر، يبدو لوبو، بالرغم من نياته الحسنة، ضعيفاً ومكشوفاً بين سلطات انقلابية، وخصوصاً القوات المسلحة والقضاء الذي لا يثق به، وبين حركة مقاومة لم يجرؤ على مد يده لها وهي تشكك بشرعيته وبقدرته على تغيير الوضع. في الواقع الملموس، وسع لوبو نفوذ القوات المسلحة التي أوكل إليها مهمات جديدة مثل الإشراف على مجالات مدنية كالطيران والمواصلات والنقل البحري وإقامة الأجانب... كما أنّ القمع لا يزال يطال كلّ من يعترض على الرواية الرسمية للانقلاب. فمنذ بداية السنة، اغتيل 10 صحافيين، وجرى تجميد 5 قضاة شككوا بشرعية ملاحقة زيلايا. أما الشباب الذين يتم إيجادهم مقتولين بطلقات نارية في أراض بور عند الفجر فتصنّفهم القوات المسلحة بأعضاء في مجموعات «المارا» (عصابات إجرام) حتى لو كانوا يرتدون قمصان أنصار زيلايا!
ولوبو الذي يتمتع بأكثرية مطلقة في المجلس لا يحرك ساكناً. يعمل تحت جناح السفارة الأميركية (حصلت الولايات المتحدة على قاعدة بحرية إضافة إلى قاعدتها البرية) وقد طلبت هذه الأخيرة من المقاومة التي تطالب بدستور جديد مساعدة لوبو لـ«إخراجه من عزلته وإعطائه القوة لتطبيق اتفاق سان خوسي» الذي مرّ عليه الزمن والذي رفضه الانقلابيون أيام الجدّ. لذلك، ألّف لوبو لجنة محلية ـ دولية لتقصّي الحقائق ترى المقاومة أنّها «لن تفعل شيئاً... ولو بعد عشر سنوات». كما حاول لوبو قبل شهر إقناع زيلايا، الموجود اليوم في الجمهورية الدومينيكية، بالعودة معه إلى هندوراس، من دون أن يستطيع أن يقدم له ولو ضمانة بأنّه لن يتم اعتقاله.
أمس، دعت المقاومة إلى تظاهرات في كلّ أنحاء البلد للتنديد بالانقلاب وتذكير العالم بأنّ الوضع لم يطبّع بعد. أمس أيضاً، جرى تاليف «لجنة حقيقة» موازية يتقدمها حائز جائزة نوبل الأرجنتيني أدولفو بيريز إسكيفيل. المفارقة اليوم أن يتحول زيلايا من أصل العلة إلى وسيلة للحل: دول «أوناسور» حصرت مطالبها لتقبل بالتطبيع بعودة الرئيس المخلوع إلى بلده مع حق ممارسة السياسة ودون ملاحقته قضائياً. الولايات المتحدة بدأت ترى فيه مجدداً جسراً قادراً على تقريب لوبو من المقاومة وإعادة نسج العلاقات في هندوراس الممزقة.
هل لوبو قادر على هذه «المغامرة»؟ عشية بداية المونديال، قال إنّ هناك أوساطاً تخطط لانقلاب ضده. ولم يعط مجلس القضاء أي متابعة لاتهامه الخطير هذا. وبعد أيام، سافر إلى جنوب أفريقيا وعاد. نظرياً، لوبو الذي يتمتع بأكثرية في الكونغرس قادر على هز العصا لأعضاء مجلس القضاء الأعلى، «علبة الانقلاب السوداء». في العمق، ولوبو يعلم ذلك، هندوراس صارت بحاجة إلى ميثاق جديد سياسي واجتماعي وربما أيضاً إلى دستور جديد قادر على إخراجها من النفق. مع التذكير بأنّ مجرد تفكير زيلايا بهذا الموضوع جعله يترك بلده قبل سنة بلباس النوم.