نيويورك ـ نزار عبودقد يجد المواطن اللبناني المحروم من نور الكهرباء منذ عقود عزاءً عندما يعلم أنّ ثلاثة مليارات من سكان الكوكب يمضون ليلهم في الظلام، ولا يتمتعون بالقدرة على طهو طعامهم والتنقل بوسائل نقل ذاتية الدفع. هؤلاء يسمّيهم برنامج الأمم المتحدة للتنمية «فقراء الطاقة» في تقرير له صدر أخيراً.
التقرير، الذي صدر عن البرنامج الأممي، سيكون مادة نقاش تعرض على زعماء العالم عندما يجتمعون في نيويورك في أيلول المقبل للتباحث بما وصلت إليه أهداف الألفية ومدى ما يمكن تحقيقه في الموعد المحدد عام 2015 من تقليص للفقر بنسبة 50 في المئة. هذا الهدف رسمته الأمم المتحدة في قمة مماثلة عقدت على هامش الجمعية العامة في دورة عام 2000. عنوان التقرير كان «تطوير الوسائل وتسريع اللامركزية في برامج تأمين الطاقة». لكنّ التقرير لا ينطبق من حيث طروحاته على فقر الطاقة في لبنان، لكون اللبناني يختار «الحلّ الأغلى والأكثر تلويثاً للبيئة» بتركيب مولدات تعمل على الوقود الكربوني السائل. هنا يجري الحديث عن مولدات صغيرة يتم تثبيتها على مجاري المياه الساقطة لكي تشغّل مصباحاً وتنير أكواخاً، أو تشغل مضخات صغيرة. تجارب مستوحاة من عتمة النيبال وأساليب تنوير الأرياف فيها. ملايين النيباليين استطاعوا تأمين طاقتهم من المولدات التي تعمل بالماء. وكان الفضل في ذلك يعود إلى تكفل الدولة، العاجزة عن مدّ شبكات نقل الطاقة وتوليدها، بتوفير التمويل للمشاريع الصغيرة من الشعب نفسه ومن القطاع الخاص، فضلاً عن مساعدات دولية.
مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون التنمية أولاف كيورفين رأى أنّ الحصول على الطاقة يعدّ من ركائز تحسين ظروف معيشة المواطنين في أي مكان من العالم، ولا سيما في الدول الأشد فقراً مثل نيبال. فمن دون تأمين الطاقة، يتكبد الضعفاء في المجتمع مشاقّ لا قبل لهم بها تعرقل مسيرة تنميتهم وتشغلهم يومياً في كد وتعب شديدين، بما يحول بينهم وبين التطور وارتقاء سلّم الحضارة.
لذا، فإن الحصول على موارد الطاقة «يزيح عبئاً كبيراً ويساعد الملايين من السكان على التخلص من براثن الفقر»، بحسب تقدير المسؤول الدولي الذي تحدث في مؤتمر عقده في الأمم المتحدة أول من أمس.
ولقد تأخر تحقيق تلك الغاية جرّاء ضعف الاستثمارات العالمية في البنى الأساسية لنصف سكان الأرض. ودعت المجموعة الاستشارية للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الطاقة وتبدل المناخ إلى تأمين الطاقة لجميع المحتاجين في موعد أقصاه عام 2030.
كيورفين أعرب عن ثقته بإمكان تخليص السكان من فقر الطاقة إذا ما توافرت الموارد ضمن إطار الإنفاق الاستراتيجي في بناء الطاقة البديلة في وقت مبكر لكي تنجح. وأي تأخر في تأمين الإمكانات والخبرات ضمن تنفيذ المشاريع يهددها بالفشل. ورأى أنّ تجربة نيبال قد تصلح لمناطق فقيرة أخرى مثل بلدان جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. وتأمين الطاقة يعدّ في حدّ ذاته أسرع الطرق إلى إنهاء الفقر المدقع.
مندوب نيبال لدى الأمم المتحدة غيان شاندرا أتشاريا قال، في معرض شهادته على تجربة بلاده في المؤتمر نفسه، إنّ الانطلاق من تجربة إنارة الأرياف ساعد الدولة على التوسع بسرعة لتأمين خدمة الطاقة لجميع المناطق، «من مشاريع تجريبية صغيرة وصلنا إلى تحقيق برنامج طاقة على مستوى الدولة بفضل توافر الاستثمار الأساسي منذ البداية. وما كان ذلك ليتحقق لولا وجود الرؤية الواضحة بضرورة الالتزام بالدور المركزي لبناء القدرات بفضل شركاء التنمية».
وكانت حكومتا الدانمارك والنرويج، ومعهما برنامج الأمم المتحدة للتنمية، قد شاركت في برنامج تطوير الطاقة في نيبال إلى جانب الدولة.
وأوضح كيران مان سينغ، مدير البرنامج الوطني لتطوير طاقة الأرياف في نيبال، أنهّ بنتيجة نجاح البرنامج تحققت أهداف تنموية أخرى كثيرة. إذ خفت نسبة التلوث كثيراً بعد تقلص عدد مواقد الحطب، وزادت نسبة إنارة المنازل والمستشفيات والمدارس، وتقلصت المخاطر الصحية المترتبة على استنشاق الدخان، وخفّت حالات التسوّل بين الإناث من مختلف الأعمار، وتنوعت موارد الدخل وارتفعت قيمتها، وجميعها ساهمت في التسريع في تحقيق أهداف الألفية في تلك الدولة الفقيرة. لذا تشجّعت حكومة نيبال بعد نجاح تلك التجارب الأولية لمدّ خطوط الكهرباء وتوسيع شبكتها إلى عشرات ملايين السكان. تجربة حرصت كينيا في أفريقيا على محاكاتها.
التقرير يقول إنّ الدول القادرة على معالجة فقر الطاقة هي تلك التي ترصد ميزانيات منتظمة للعلاج ضمن خطط معدّة بعناية حسب تقدير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة. وهذه الحكومات تعود وتعزز مواردها المالية جراء عملية التنمية التي تحدث في المناطق التي تمّت كهربتها، سواء من حيث توسع مجالات الإنتاج، أو من عائدات الطاقة نفسها إذا كانت من الشبكة العامة. ولقد بدأت مناطق مثل دول غرب أفريقيا تحقق نتائج مشابهة لما تحقق في نيبال.