واشنطن ــ محمد سعيد في خطوة بالغة الدلالة تعكس انقساماً عميقاً بين إدارة الرئيس باراك أوباما وطاقمه العسكري، أقيل قائد الجيوش الأميركية في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، على خلفية تصريحات له مثيرة للجدل، واستبدل فوراً بالقائد السابق للقوات في العراق الجنرال ديفيد بترايوس.
إذاً، أقيل جنرال الحرب في أوج الحرب. في وقت تتكبد فيه قوات التحالف خسائرها الأكبر منذ بدء الغزو في أواخر 2001، إذ بلغ عدد القتلى في الشهر الجاري 65، بينهم 39 جندياً أميركياً، ليكون بذلك شهر حزيران الشهر الأكثر دموية.
إجراء غير مألوف لا بد من أن ينعكس على معنويات القوات وأدائها. حال تفسّر اختيار بترايوس الذي لم يكن اسمه مطروحاً في لائحة الخلفاء المحتملين لماكريستال.
حصل ذلك في خلال اللقاء القصير الذي جمع ماكريستال أمس مع الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض من دون مشاركة أحد. لقاء لم يتجاوز عشرين دقيقة، خرج بعدها ماكريستال من دون أي تعليق، أو انتظار اجتماع لطاقم الأمن القومي والسياسة الخارجية لبحث الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان وباكستان.
ساعات قليلة، أعلن الرئيس الأميركي بعدها إقالة ماكريستال وتعيين قائد المنطقة الوسطى، مهندس العملية الجراحية في العراق في 2007، الجنرال دايفيد بترايوس، في منصبه لتنتهي بذلك الأزمة التي اندلعت بعد التصريحات المُثيرة للجدل لماكريستال والساخرة من فريق أوباما، والتي نشرتها مجلة «رولينغ ستون». تصريحات ما كانت إلا تعبيراً عن الخلاف الحاد الواقع بين القيادة العسكرية وفريق أوباما.
وقال أوباما، الذي وقف إلى جانبه نائبه جوزيف بايدن وبترايوس، إنه قَبِل آسفاً استقالة ماكريستال، مؤكّداً أن هذا التغيير لا يتضمن أي تغيير في السياسة المعمول بها بشأن أفغانستان. وأوضح أن «تغيير رجل لا يتضمن تغيير استراتيجية»، مشيراً إلى أن المهمة في أفغانستان تتطلب الوحدة داخل فريقه الخاص بالأمن القومي. ودعا مجلس الشيوخ إلى التصديق على تعيين بترايوس قائداً للقوات الأميركية في أفغانستان.
وأكد أوباما أنه لم يُقل ماكريستال بسبب «إهانات شخصية»، بل لأن تصريحاته في المجلة مع مساعديه عبرت عن سلوك لا ينسجم مع المعايير المطلوبة بالنسبة إلى جنرال. وتابع: «الحرب أكبر من أي رجل أو امرأة أو جنرال أو رئيس». وقال إنه اتخذ قراره من أجل مصلحة الأمن القومي.
وأصدر ماكريستال بياناً أعلن فيه أن الرئيس الأميركي قبل استقالته، وأنه يؤيد «بقوة استراتيجية الرئيس في أفغانستان وملتزم بقوة بعمل قواتنا، وحلفائنا الدوليين والشعب الأفغاني».
وفور إعلان استبدال ماكريستال ببترايوس، أعرب الرئيس الأفغاني حميد قرضاي عن استعداده للعمل مع القائد الجديد للقوات الدولية، مشيداً بـ«جنرال يتمتع بالخبرة»، رغم أن المسؤولين الأفغان، وفي مقدمتهم قرضاي وشقيقه رئيس المجلس المحلي لمقاطعة قندهار أحمد والي، كانوا قد حذروا من إقالة ماكريستال وتداعياتها السلبية على الحرب في أفغانستان.
وكان مسؤولون أميركيون قد قالوا، قبيل لقاء ماكريستال أوباما، إن تعليقات الجنرال لـ«رولينغ ستون» لم تمرّ بسلام. ونقلت صحيفة «بوليتيكو» عن المسؤولين قولهم إن ماكريستال أبلغ المسؤولين عنه في وزارة الدفاع «بنتاغون» إنه يعدُّ لتقديم استقالته. وذكر مسؤول أميركي أن البيت الأبيض طلب من «بنتاغون» تقديم قائمة بالأسماء التي يمكن أن تحلّ مكان ماكريستال، لأن الرئيس يريد أن يكون جاهزاً إذا قرر طرد ماكريستال.
ومن بين الأسماء التي كانت مطروحة لخلافة ماكريستال لم يرد اسم بترايوس، بل وردت أسماء: قائد القيادة المشتركة للقوات الأميركية الجنرال جيمس ماتيس، ونائب قائد القيادة المركزية الأميركية، وهو من سلاح «المارينز» الجنرال جون ألين، وقائد العمليات للقوات الأميركية الأطلسية في أفغانستان ديفيد رودريغيز، وقائد إمرة وحدة التدريب في الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي، وقائد القيادة الأميركية في أوروبا الأدميرال جيمس ستافريديس.
وكان الجنرال الأميركي ومساعدوه قد انتقدوا وسخروا من أوباما وكبار مساعديه، وبينهم نائبه بايدن ومستشار الرئيس للأمن القومي، جيمس جونز، والسفير لدى كابول، كارل إيكينبيرى، والمبعوث الخاص إلى أفغانستان وباكستان، ريتشارد هولبروك. وبدا أوباما غاضباً من هذه التصريحات، وقال إن أحكامه كانت سيئة.
وبعد نشر التعليقات، جرى استدعاء الجنرال الأميركي إلى البيت الأبيض. وقال المتحدث، روبرت غيبس، إن الرئيس الأميركي شعر بالغضب.
وأعرب وزير الدفاع، روبرت غيتس، الذي يعدُّ من أكثر الداعمين لماكريستال، عن موقفه من الأزمة، قائلاً إن الجنرال الأميركي ارتكب خطأً كبيراً. كذلك، طالب النواب الديموقراطيون بإقالته.