انتقلت وجهة الاهتمامات التركية إلى الداخل الكردي بالكامل على حساب «الحرب الباردة» ضد إسرائيل، بعدما أذاق «العمال الكردستاني» الجيش التركي في اليومين الماضيين، ما لم يذقه طيلة أكثر من عامين. وبدا حكام أنقرة، السياسيون منهم والعسكريون، أشبه بخلية نحل، يتنقلون من مواقع الجبهات المحاذية للعراق، حيث تدور معارك شرسة للغاية مع المقاتلين الأكراد، إلى العاصمة أنقرة للمشاركة في الاجتماعات الكثيرة. وسارعت واشنطن، أمس، إلى إزالة الشكوك التركية التي سبق للصحافة أن أعربت عنها على شكل تساؤلات عما إذا كانت الولايات المتحدة قد أخفت معلومات استخبارية عن نظيرتها التركية حول العمليات الأخيرة لـ «الكردستاني»، كنوع من «العقاب» على المواقف التركية الأخيرة تجاه إسرائيل وإيران.
وأعلن السفير الأميركي لدى تركيا جيمس جيفري، أنّ إدارته «على استعداد لزيادة مساعدتها لتركيا في مكافحة الارهاب إذا طلبت ذلك». وقال، في بيان، «نحن على استعداد لأن ندرس بصورة عاجلة أي طلب جديد للجيش أو الحكومة التركيين في ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني». وأضاف إنّ حزب العمال الكردستاني «عدو مشترك لتركيا والولايات المتحدة، ونحن ندعم بقوة الجهود التي يبذلها حلفاؤنا الأتراك لوضع حد لهذا التهديد الإرهابي». وطمأن جيفري إلى أنه «لم يحصل أي تغيير على مستوى تبادل خدمات الاستخبارات الأميركية والتركية بشأن حزب العمال الكردستاني في شمال العراق».
بدوره، دحض قائد الجيش التركي الجنرال إلكر باسبوغ الأنباء التي تحدثت عنها بعض الصحف التركية حول احتمال «تآمر» الاستخبارات الأميركية، موضحاً أنه «لم يسجل أي قصور في عمل أجهزة الاستخبارات». ودعا باسبوغ إلى التحلي بالصبر في مواجهة «العمال الكردستاني لأننا مصممون تماماً على محاربة المنظمة الإرهابية حتى القضاء عليها». وانتقد، بشكل غير مباشر، الخطط الحكومية المعروفة باسم «خطة الانفتاح الديموقراطي» على قاعدة أنّ «من الخطأ الاعتقاد بأن الإرهاب يقضى عليه من خلال المجالين الاقتصادي والاجتماعي ـــــ الثقافي ما دامت المنظمة الإرهابية تملك عناصر مسلحة» في صفوفها.
وكشف أنّ جيشه بدأ بالفعل استخدام طائرات «هيرون» من دون طيار، الإسرائيلية الصنع، التي اشترتها أنقرة من تل أبيب لجمع معلومات عن تحركات المقاتلين الأكراد في المناطق الحدودية مع العراق. وقال «في الأيام العشرة الأخيرة، بدأنا باستخدام أنظمة هيرون التي اشتريناها من إسرائيل، في شمال العراق بالتنسيق مع الأميركيين»، موضحاً أن هذه الطائرات يتحكّم بها «موظفونا الأتراك»، بعدما سحبت حكومة بنيامين نتنياهو الضباط الإسرائيليين الذين كانوا يدربون نظراءهم الأتراك على حسن استعمالها.
في هذا الوقت، كان قصر شنقايا الرئاسي يستضيف اجتماعاً ضم أهم القيادات السياسية والأمنية في البلاد، إضافة إلى الرئيس عبد الله غول. وبعد الاجتماع، صدر بيان كشف أنّ المسؤولين قرروا «إعادة النظر بالبنية الاستخبارية الموجودة في مناطق جنوب شرق البلاد»، وخصوصاً في محافظة هكاري التي شهدت العملية التي أودت بحياة 12 جندياً صباح السبت الماضي. والتغيير الاستخباري ليس سوى خطوة قصيرة المدى اتخذها القادة الأتراك، إضافة إلى خطوات في المديين المتوسط والطويل، وفي مقدمها تعزيز التعاون الاستخباري مع الدول الجارة والحليفة.
وبدا أنّ الخطة تتضمن تصعيداً عسكرياً، عبّر عنه واقع نشر الجيش التركي جنوداً على الشريط الحدودي مع العراق، في خطوة فُسّرَت بأنها استعداد لاجتياح الحدود، علماً بأنّ الأسبوع الماضي شهد اجتيازين تركيين للمناطق العراقية بعمق 10 كيلومترات.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز)