تفوّق لسيول تبدّده القدرات النووية لبيونغ يانغجمانة فرحات
في 23 تموز 1953، أعلن وقف إطلاق النار بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، من دون أن يعلن حتى اليوم انتهاء الحرب بين الجارتين. فرصة استغلّها الطرفان للانطلاق في عملية تسلّح لا تتوقف على وقع التوترات المتواصلة. وعملت كوريا الجنوبية على تحويل نفسها من بلد يعتمد على الدول الأخرى لضمان أمنها القومي إلى قوة قادرة على تلبية احتياجاتها الدفاعية.
وتمتلك كوريا الجنوبية جيشاً قوامه ستمئة وتسعون ألف جندي، وسط خطط لخفضه إلى خمسمئة ألف تدريجاً. وإن كان عدد جنود كوريا الجنوبية لا يوازي سوى نصف أقرانهم في كوريا الشمالية، فإن سيول تمتلك قرابة 4.5 ملايين جندي في الاحتياط. ويتألف جيش كوريا الجنوبية من 11 فيلقاً، وهو مقسّم إلى 52 فرقة و20 لواءً. وتتمتع سيول بالقدرة على نشر 2300 دبابة قتال رئيسية، وألفين وخمسمئة ناقلة جند مدرعة ودبابات خفيفة، إلى جانب أربعة آلاف وخمسمئة قطعة مدفعية من العيار الثقيل و6 آلاف مدفع هاون، إضافة إلى ستة آلاف من بنادق الدفاع الجوّي، وألف صاروخ أرض جو، ومئات الصواريخ القصيرة المدى أرض ـــــ أرض.
وتمتلك كوريا الجنوبية قوات جوية وبحرية تتفوّق على كوريا الشمالية، لجهة الحجم والمعدات. وتشير التقديرات إلى امتلاك سيول ما بين 490 إلى 538 طائرة مقاتلة، إضافة إلى 117 طائرة هليكوبتر هجومية معظمها من صنع أميركي وأكثر كفاءة من مثيلاتها المستخدمة في كوريا الشمالية.

غرق السفينة تشونان أثار تكنهات بشأن محدودية تطوّر أسلحة سيول البحرية
أما القوات البحرية فتضم 39 مقاتلة، وما بين 13 إلى 20 غواصة، وإن كان حادث غرق السفينة تشونان بطوربيد أثار تكنهات عديدة بشأن محدودية تطوّر أسلحتها البحرية. وتعتمد سيول على نظام «إيجيس» الأميركي المضاد للصواريخ، وتمتلك نظام رادارات الإنذار المبكر. وتخضع القوات الكورية الجنوبية لقيادة القوات الأميركية في حال اندلاع حرب في شبه الجزيرة الكورية، تطبيقاً لاتفاق موقّع بين واشنطن وسيول، فضلاً عن وجود أكثر من 28 ألف جندي أميركي في كوريا الجنوبية يمثّلون بقدراتهم عاملاً مرجّحاً لميزان القوى لمصلحة سيول على حساب بيونغ يانغ.
وتخطّت ميزانية الدفاع في كوريا الجنوبية 24.1 مليار دولار في عام 2009، بما يعادل قرابة 3 في المئة من ناتجها المحلي، لتفوق نفقات الدفاع في كوريا الشمالية على الأقل بأربع مرات.
وفيما كانت سيول تستفيد من قربها من الغرب لتعيد تسليح نفسها في مواجهة بيونغ يانغ، كانت الجارة الشمالية تعاني من وطأة عزلة متزايدة وعقوبات حدّت من قدرتها على تطوير قدراتها العسكرية، وإن أبقت جيشاً تقليدياً ضخماً، وضعها بين القوى العسكرية الأكبر في العالم من حيث عدد القوات.
وتمتلك كوريا الشمالية جيشاً من مليون جندي، إلى جانب قرابة 190 ألف من العناصر الأمنية، ومن ضمنهم حرس الحدود، و3.5 ملايين من الاحتياط. وتندرج في صفوف قوات بيونغ يانغ وحدات مدربة خصوصاً للعمليات في كوريا الجنوبية، ولديها الخبرة العملية المستقاة من التوغل في كوريا الجنوبية. ولا شك في أن عزلة بيونغ يانغ السياسية أثّرت على الجيش وانعكست قلة في الموارد وقدماً في المعدات العسكرية الموضوعة في الخدمة.
وفيما لا يزال الجيش الكوري الشمالي قادراًَ على القتال البري، فإن القيود المفروضة على امتلاكه معدات حديثة تحدّ من قدرته على القيام بعمليات أكثر تعقيداً، فيما تواصل سيول جهودها لتحويل جيشها إلى جيش معلوماتي.
ومع ذلك، فإن قواتها العسكرية التقليدية لا تزال قادرة على الدفاع عن الدولة وإلحاق الضرر بكوريا الجنوبية بفعل حشدها الضخم من الجيوش على طول المنطقة المنزوعة من السلاح.
وخلال العقدين الماضيين، زادت كوريا الشمالية من نسبة نشر قواتها على طول 100 كيلومتر من المنطقة المنزوعة السلاح. وهي تنشر ما بين 65 في المئة من وحداتها العسكرية وما يصل إلى 80 في المئة من قوتها الإجمالية داخل المنطقة. وتشمل ما يقرب من 700 إلى 800 ألف جندي، وألفي مدرعة، ما يجعل من قابلية كوريا الشمالية على غزو جارتها الجنوبية قائمة نظرياً، من دون الحاجة إلى اللجوء إلى نشر المزيد من القوات.

أكثر من 28 ألف جندي أميركي يدعمون كوريا الجنوبية في أيّ مواجهة مع جارتها

كذلك استطاعت كوريا الشمالية الحفاظ على موازين القوى بفعل امتلاكها السلاح النووي. وتعزز وضعها بعد إعلانها نجاح تجربتها النووية الأولى في عام 2006. ولدى بيونغ يانغ ما يقارب 40 كيلوغراماً من البلوتونيوم تكفي لصنع 6 أسلحة نووية، وفقاً لما أعلنته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل فترة قصيرة، ما يجعل من أي خطوة لمعاقبة بيونغ يانغ محفوفة بخطر استخدام الأخيرة للسلاح النووي.
كذلك أجرت كوريا الشمالية، العام الماضي، تجارب لإطلاق سلسلة لا تقل عن أربعة صواريخ موجّهة ضد السفن وصواريخ ذاتية الدفع من طراز سكود في بحر اليابان.
ويعتقد أن بيونغ يانغ تمتلك نحو ألف صاروخ قصير ومتوسط وبعيد المدى، بما في ذلك الصواريخ البالستية «آي آر بي إم» القادرة على الوصول إلى روسيا والهند، ويبلغ مداها أكثر من 3000 كيلومتر. كذلك يمكن أن تصيب صواريخ كوريا الشمالية كل مناطق اليابان، بما في ذلك القواعد العسكرية الأميركية.
وفي موازاة الاستراتيجية العسكرية الشمالية القائمة على احتمال غزو كوريا الجنوبية، صمّمت القوات الشمالية لردع أي هجوم من المحتمل أن تتعرض له. وتشير التقديرات إلى أن النفقات العسكرية الفعلية لكوريا الشمالية تبلغ قرابة خمسة مليارت دولار، أي ما يعادل قرابة 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لكوريا الشمالية، ما يعكس سيطرة الهاجس الأمني على تحركات النظام في بيونغ يانغ.


المنطقة المنزوعة السلاح وتمتد بعمق أربعة كليومترات و250 عرضاً، من البحر الأصفر غرباً حتى بحر اليابان في شرق البلاد. وينتشر فيها ما لا يقل عن مليون جندي من الطرفين، وعن عشرين ألف عربة مدرعة وقطعة مدفعية، إضافة إلى قرابة مليون لغم أرضي.
ويبرر الانتشار الكثيف للسلاح في المنطقة، الحدود الفاصلة القصيرة نسبياً بين المنطقة وعاصمتي البلدين. ففيما تبعد بيونغ يانغ عن المنطقة المنزوعة السلاح 125 كيلومتراً، تقتصر المسافة الفاصلة بين سيول والمنطقة المحايدة على 40 كيلومتراً، معرّضة إياها لاحتمالات غزو مباغت وسريع إذا تفجّرت الأوضاع.