«مفاجأة» المعادن الثمينة معروفة منذ العهد السوفياتي شهيرة سلّوم
حفلت الأنباء أخيراً بالثروة الضخمة التي هبطت «فجأة» على أفغانستان. ثروة تقدّر بتريليونات الدولارات، ستنشل بلد الأفيون من فقره وويلاته، وتغيّر مجرى الحرب على أرضه. لكن الواقع أن هذه الثروات لم تهبط فجأة، بل قدّرت وجودها خرائط ودراسات سوفياتية قديمة، رجّحت طفو أفغانستان على بحر من المعادن الثمينة والليثيوم والنفط والغاز. إذاً ليست الثروات المفقودة هي الحدث، بل توقيت الإعلان، قبل نحو عام من موعد انسحاب مقترح للقوات الأميركية. والمُكتشف: فريق من وزارة الدفاع الأميركية «بنتاغون» أتى من العراق، ويستعد لتوزيع العقود على الشركات.
ففي شباط المنصرم، توجه الرئيس الأفغاني، حميد قرضاي، إلى شعبه قائلاً: «أحمل إلى الشعب الأفغاني بشرى سارة جداً: الأرقام الأولية تشير إلى أن احتياطاتنا المعدنية تقدّر بمئات المليارات، ليس مئات الملايين، بل مئات المليارات»، موضحاً أن هذا ما توصلت إليه وكالة المسح الجيولوجية الأميركية «يو أس جي أس».
لكن هذا الاكتشاف هو في الواقع خلاصة عمل فريق صغير من وزارة الدفاع الأميركية «بنتاغون» وجيولوجيين أميركيين قالوا، في تقرير، إن أفغانستان غنية بالموارد الطبيعية. وتحدث مسؤولون أميركيون لـ«نيويورك تايمز» عن أن الثروة المعدنية المكتشفة تتضمن كميات ضخمة من الحديد والنحاس والكوبالت والذهب ومواد صناعية أخرى كالليثيوم (مادة فولاذية). وقالت مذكرة داخلية لـ«البنتاغون» إن أفغانستان قد تصبح «مملكة الليثيوم»، كما السعودية بالنسبة إلى النفط. والكميات المكتشفة من هذه المادة تعادل تلك الموجودة في بوليفيا (أكبر احتياطي لليثيوم في العالم). أما كميات النحاس والحديد المكتشفة، في مختلف أرجاء البلاد، فقد تضع أفغانستان على عرش المنتجين لهاتين المادتين.
وكشف تقويم الهيئة الأميركية للمسح الجيولوجي أن قاعدة الموارد النفطية في أفغانستان أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقاً. وقدّرت وجود زيادة قدرها 18 ضعفاً في الموارد النفطية (كمية تتراوح بين 0.391 مليار برميل إلى 3.559 مليارات برميل) وثلاثة أضعاف في موارد الغاز الطبيعي (كمية تتراوح بين 100 مليار متر مكعب إلى أكثر من تريليون متر مكعب في الشمال).
تلك الاكتشافات لا تعود إلى الفريق الأميركي، بل كانت هناك خرائط لحقول الاحتياطات أعدّها خبراء سوفيات داخل مكتبة المسح الجيولوجي الأفغاني، وُضعت جانباً بسبب الحروب الأفغانية. وبحسب المسؤولين الأميركيين، فإن جيولوجيين أفغاناً حافظوا على تلك الخرائط، وأعادوها إلى وكالة المسح الجيولوجي الأفغانية بعد الاجتياح الأميركي وسقوط نظام «طالبان».
أما وكالة المسح الجيولوجي الأميركية، فقد بدأت عملها التنقيبي في 2006. وفي 2009 انتقلت قوة مهمة تابعة للبنتاغون من العراق إلى أفغانستان، حيث وضعت تقريرها عن البيانات الجيولوجية، ورفعته إلى قرضاي والبيت الأبيض.
وبما أن أفغانستان لا تملك الخبرة والثقافة التنقيبية الكافيتين، فإن «البنتاغون» تطوّعت لتقديم المساعدة لوزارة التنقيب الأفغانية في استغلال هذه الثروات. ووظفت شركات محاسبة دولية كي تقدم المشورة للوزارة الأفغانية، وجرى إعداد بيانات تقنية لعرضها على الشركات المتعددة الجنسيات والمستثمرين الأجانب.

لعنة الموقع والنفط

بعد اجتياح أفغانستان في أواخر 2001 وإسقاط نظام «طالبان» في أعقاب 9/11، طُرحت نظريات عديدة عن المغزى الحقيقي للاجتياح، قالت إن الهدف ليس زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، بل الموقع المميز لأفغانستان وغازها ونفطها. ونظريات المؤامرة تلك استندت إلى المفاوضات التي جرت بين الإدارة الأميركية ونظام «طالبان» لمدّ أنابيب غاز ونفط، وتوفير قواعد عسكرية أميركية دائمة لحمايتها.
وكانت الإدارات الأميركية السابقة قد وضعت خططاً عديدة لمدّ أنابيب نفط وغاز تنطلق من تركمانستان، واحدة من أكبر احتياطات الغاز في العالم، عبر أفغانستان. وفي 1997، توجه ثلاثة وزراء في حكومة «طالبان» لمناقشة عرض في تكساس لمدّ أنابيب غاز في الأراضي الأفغانية لربط تركمانستان وباكستان. ولما كانت هناك حرب أهلية دائرة في أفغانستان، وقعت الأطراف المتنازعة على اتفاق يدعم اقتراح مد خطوط أنابيب نفط تابعة لشركة «آنوكال».

أفغانستان قد تصبح «مملكة الليثيوم»، كما السعودية بالنسبة إلى النفط
تعثر المشروع بسبب الصواريخ الأميركية التي استهدفت بن لادن في أفغانستان عقب تفجيرات نيروبي ودار السلام. وعندما تولى جورج بوش الرئاسة، قيل إنه تلقى عرضاً من «طالبان» لتسليم بن لادن للأميركيين، إلا أن إدارة بوش رفضت العرض ثلاث مرات. وكانت إدارته تتفاوض مع «طالبان» في خطوط «آنوكال». وذكرت تقارير حينها أن إدارة بوش تنوي القيام بعمل عسكري في أفغانستان «قبل حلول منتصف تشرين الأول، إذا فشلت مفاوضات خطوط الأنابيب».
وفشلت المفاوضات. ووقعت أحداث 9/11. وجرى غزو أفغانستان، وعُين قرضاي، المستشار السابق لشركة «آنوكال»، رئيساً مؤقتاً ووقع عقداً مع باكستان لمشروع خط أنابيب يمرّ في البلدين. وفي غضون عام، أكملت إدارة بوش استعداداتها لتمويل تشييد خط الأنابيب، عبر ثلاث هيئات فدرالية. وأعربت عن استعدادها «لضبط ومراقبة تشييد خط الأنابيب عبر تمركز دائم لقواتها في المنطقة».
أوراق بلاد الأفغان اليوم باتت مكشوفة. لن تبقى عذراء، بل حان وقت حصاد ثرواتها، وسيشتد الصراع بين الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة والعملاق الصيني، على نيل العقود لشركاتهما، وسيشتد أيضاً الصراع الداخلي بين القبائل وأمراء الحرب والسلطة وستستشرس «طالبان» لاستعادة الحكم. نِعمٌ ستحوّل أفغانستان عن الأفيون، لكنّها قد تُخرجها من مستنقع لتُغرقها في وحول الطمع والاقتتال على الثروات.