باريس ــ بسّام الطيارةمرّةً ثانية تضرب كارثة طبيعيّة الأراضي الفرنسيّة، حيث سبّبت أمطار غزيرة تهطل منذ أيام فيضان الأنهار الصغيرة في منطقة «الفار» (جنوب)، وغطّت المياه مساحات شاسعة، وتحوّلت إلى تيّارات جارفة أخذت في طريقها الجسور والمنازل، وسببت إقفال الطرق السريعة، كما أدّت إلى مقتل وفقدان العشرات. وقال مسؤولون محليّون فرنسيون، أمس، إنّ ٢٢ شخصاً قُتلوا، ولا يزال العشرات مفقودين، بعدما ارتفعت نسبة هطول الأمطار إلى ما يزيد على ٣٥٠ مليمتراً في الساعات الماضية الأخيرة، ما يعادل ستة أشهر من المطر الشديد.
وقضى أكثر من ألفي شخص الليل في المدارس والملاجئ التي وفّرتها بلديات المدن المصابة، بعدما جرفت المياه منازلهم. وتعطّلت القطارات على طول الساحل الذي يربط بين مدينة طولون ونيس مروراً بمرسيليا، فيما وفّرت الحافلات نقل الركاب إلى مركز في «المناطق الجافة»، وتحوّلت المحطات إلى ملاجئ للمشرّدين لقضاء الليل. ولم تسلم السجون من غضب الطبيعة، فنُقل أكثر من ٥٠٠ سجين من سجن المدينة، بعدما غطّت المياه الطوابق السفلية.
وكانت مدينة دراغينيان الأكثر تضرّراً، إذ جرفت المياه السيارات من شوارعها، ورمتها في بعض الأحيان على بُعد عشرات الكيلومترات، وغرقت أحياء عديدة منها تحت الماء. واعتمدت فرق الإنقاذ على المروحيّات العمودية لإنقاذ المواطنين، إلى جانب عدد كبير من الزوارق المطاطية، فيما نزل الغطّاسون لانتشال جثث الضحايا العالقة في منازلها تحت المياه.
وأدّت السيارات المقلوبة إلى انسداد عدد كبير من الشوارع، وغمرت الوحول الطبقات الأولى من المنازل في وسط المدينة.
وحسب أكثر من مصدر، فإنه من المتوقع أن يرتفع عدد الضحايا بعد انحسار المياه عن المنازل. ويرجّح أن يتفقّد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، المنطقة بعد زيارة وزير الداخلية، بريس هوتفو. وبثّت قنوات التلفزيون صوراً لما خلّفته الكارثة، بحيث وقف عدد من المواطنين المنكوبين أمام الكاميرات، وهم ملوّثون بالوحول، وقد ظهر الإعياء على سحناتهم، يرتجفون من البرد ويبكون «خراب بيوتهم وفقدان أمتعتهم بالكامل».
وأعلنت الحكومة الفرنسية المنطقة «منكوبة»، كي تُتيح الإفراج عن المساعدات بسرعة، وتحرّك آلية التعويضات من جانب السلطات المحلية وشركات التأمين.
أمام هول الكارثة، تدور أسئلة عن «المسؤوليات»، إذ إنها الكارثة الثانية التي تضرب مناطق فرنسية بسب عدم اتّباع المسؤولين «أدنى موجبات الحيطة» في إعطاء تراخيص بناء في مناطق «جرى تجفيفها».
وسبّب إعصار كزينسيا، الذي ضرب غرب فرنسا في شباط الماضي، خسائر جمّة بالأرواح، وجرى رفع عدّة أحياء بُنيت وراء سدود للاستفادة من مساحات شاسعة في الواجهة البحرية. وتبحث الدولة اليوم إمكان نقل أحياء كاملة إلى الداخل، وترك الطبيعة تستردّ مجالها مع تعويضات تبلغ المليارات، وإمكان إقامة دعاوى لسنوات طويلة من جانب الرافضين التخلّي عن منازلهم، ولكن أيضاً من جانب شركات التأمين التي دفعت، أو سوف تدفع تعويضات كبيرة بسبب «رخص بناء لا تتوافر لها أدنى شروط الحيطة».
المشكلة شبيهة الآن بمشكلة منطقة «الفار». فمنذ سنوات جرى تجفيف مجاري الأنهار الصغيرة وتحويل الكبيرة منها، بهدف إقامة مشاريع عقاريّة وافقت الدوائر عليها «بحثاً عن النمو»، وهو ما تسمّيه الجمعيات الناشطة «اغتصاب الطبيعة من أجل الربح السريع».
وبالطبع حالما يحدث تغيّر مناخي «تعود الطبيعة لتنتصر على قاهرها»، فتبحث تيارات المياه المتضخّمة عن مجاريها الطبيعية، وتجرف في طريقها كل بناء «مخالف للطبيعة».