تخوض حكومة رجب طيب أردوغان هذه الأيام، «نفضة» أمنية داخلية كبيرة، إلى جانب نشاطها الدبلوماسي الحثيث. عمل أمني يترافق مع جهود تعديل الدستور، ويهدف في شقّ أساسي منه إلى انتزاع زمام المبادرة من الجيش في محاولات حلّ القضية الكردية
أرنست خوري
يمكن اعتبار أنّ الملف الذي لا يزال يسطّر أكبر فشل لحكومات «العدالة والتنمية»، منذ عام 2002، هو الملف الكردي؛ فلا الحملات العسكرية تمكنت من القضاء على حزب «العمال الكردستاني»، ولا المشاريع السياسية الإصلاحية لحكومة رجب طيب أردوغان تمكنت من اجتياز عتبة البرلمان من خلال «خطة الانفتاح الديموقراطي».
وقد خسر أردوغان رهانات كردية عديدة على يد العسكر، فوجد طريقة جديدة لانتزاع الملف من أيديهم، عبر استحداث حكومته أخيراً، «وحدة مكافحة الإرهاب»، وتكون تابعة لوزارة الداخلية، بموجب قانون تطالب المعارضة بإلغائه، بما أنّ الغاية من هذه الوحدة هي تخصّصها بالقضية الكردية بأدوات مدنية أكثر منها عسكرية، أي بكلام آخر، هدفها تجريد الجيش من حصريّة مهمّة معالجة القضية الكردية.
يوم الاثنين الماضي، فجّر الرئيس المعيَّن لـ«وحدة مكافحة الارهاب»، معمّر غولر، خبراً كبيراً بإعلانه أنه سيغيّر كامل الاستراتيجية المعتمدة في الحرب ضدّ «الكردستاني»، للانتقال بها إلى «حرب نفسية استخبارية مجرّدة من الأسلحة». كلام يصدر للمرة الأولى ربما في تركيا المعتادة كلمة سحرية وحيدة للقضاء على ما يسمّونه «الإرهاب الكردي»، وهو الحملات العسكرية والتصفيات والمعارك المفتوحة.
وقال غولر، في مقابلة أجرتها معه صحيفة «ملييت»، إنّ «مشكلة الارهاب لا يمكن أبداً حلها بالاعتماد على الأساليب الحالية»، مشيراً إلى أنّ جهازه يعمل مع «مديرية الانتظام والأمن العام» (التي أنشئَت حديثاً أيضاً) لخلق استراتيجيات جديدة في الحرب مع «الكردستاني»، قائمة على «علم النفس والاجتماع وتحليل المعلومات الاستخبارية التي توفّرها جميع الأجهزة الأمنية». وتابع غولر «سنعوّل أكثر على أدوات استخبارية استراتيجية، وسنعمل مع مَن يمكنهم حل المشاكل، من علماء نفس وتكتيكيين وعلماء اجتماع وجنرالات متقاعدين وسفراء وخبراء في مجال الإرهاب... المهم أنّ الأولوية في عملنا ستكون للحيّز المدني لا العسكري».
سرعان ما بدأت التحليلات تنهال على هذه الاستراتيجية الجديدة. فقد رأى الخبير في مكافحة الارهاب، أركان شيتلي أوغلو، في حديث مع صحيفة «حرييت»، أنّ هناك 3 أسباب لاتباع هذه الخطة الجديدة: أولاً هناك عجز وبطء في مجال جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها بسبب تعدد الأجهزة الأمنية. ثانياً هناك تقصير في ميدان الدراسات والأبحاث حول الإرهاب في تركيا. وأخيراً، لأنّ الدولة التركية لا تملك خريطة تحلّل وفقها السلوك الموسمي لـ«الإرهاب الكردستاني».
وكشف شيتلي أوغلو أنّ الحكومة التركية تدرس حالياً تجارب كل من «الجيش الايرلندي الجمهوري» ومنظمة «إيتا» الباسكية الاسبانية لمحاولة فهم نوعية التحوّل في صلب عمل «العمال الكردستاني» وتفكيره، وكل ذلك بهدف إبعاد هذا الحزب عن العنف وجلبه إلى سكّة التفاوض السياسي.
في المقابل، يكشف الأستاذ الجامعي والخبير في شؤون الإرهاب في «منظمة الدراسات الاستراتيجية الدولية» إحسان بال، أنّ إحدى مهمات «وحدة مكافحة الإرهاب» ستتمحور حول تطوير برنامج «العودة من الجبال إلى القرى»، وهو ما يعني برامج خلق الأوضاع الملائمة لاستيعاب المقاتلين الأكراد الذين يقررون التخلي عن السلاح.
وبرغم الطبيعة المتفائلة لهذه الوحدة الجديدة، يعرب مراقبون كثر عن مخاوف كبيرة للغاية من أن يعمل الجيش كل ما في وسعه لعرقلة عملها، ليظل هو مالك الوكالة الحصرية في التعاطي مع المسألة الكردية على أنها قضية عسكرية بحتة، لا يمكن حلها إلا بالحديد والنار.