لندن | كان لخبر فوز جيريمي برنارد كوربن رئيساً لحزب العمال البريطاني وقع الصاعقة في أوساط أنصار إسرائيل وأعداء اليسار داخل بريطانيا وخارجها. فهذا الرجل البالغ من العمر 66 عاماً، الذي أمضى نصف حياته نائباً في البرلمان البريطاني عن حزب العمال (32 سنة ونيف)، لم يكن أبداً خافت الصوت حيال القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كذلك فإنه كان نبراساً لليسار البريطاني الذي تعرض لضربة قاسية مع انتخاب رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير، مهندس ما سُمّي آنذاك «حزب العمال الجديد» الذي ابتعد عن جذوره وصار أقرب إلى الليبرالية الوسطية منه إلى اليسار الاشتراكي.
كوربن، ابن المهندس الكهربائي ديفيد ومعلمة الرياضيات نيومي، الذي أمضى شبابه في «الحملة من أجل إزالة السلاح النووي» البريطانية (سي أن دي) وصار لاحقاً عضواً في «منظمة العفو الدولية» و»حملة التضامن مع فلسطين» ورئيساً لحركة «التحالف لوقف الحرب»، هو أقرب إلى الناشط السياسي والاجتماعي منه إلى نائب في البرلمان البريطاني، أحد أعرق المؤسسات البرلمانية في التاريخ. تراه متنقلاً على دراجته الهوائية تطبيقاً لإيمانه بحماية البيئة. ولديه فسحة صغيرة من الارض يستأجرها سنوياً من مجلس بلدية إزلنغتون في شمال لندن حيث يسكن، ويقوم بزرعها وحصد منتجاتها من الخضر والفاكهة العضوية. ويتميز بلحيته الخفيفة وملبسه المتواضع، ما يضفي عليه مظهر «المثقف الثوري».

عارض في
البرلمان أيّ تورط عسكري ضد النظام السوري ورئيسه الاسد

وتفوّق كوربن بفارق 40% عن أقرب منافسيه الأربعة، ما أثار صدمة سياسية داخل حزبه أدت إلى استقالة بعض أعضاء حكومة الظل العمالية بسبب اختلافهم الجذري معه. ورغم حصوله على تأييد النقابات العمالية والقاعدة الشعبية والسياسية للحزب، يواجه تحديات كبيرة لجهة التعامل مع الكتلة العمالية البرلمانية غير الموحدة، والتي لا تزال تحمل الإرث السياسي الذي رسّخه توني بلير الذي قاد الحزب لفترة 14 سنة، بينها 10 سنوات رئيساً للحكومة. وإضافة إلى هذه التحديات السياسية، فهو يتعرض منذ إعلان انتخابه السبت الماضي رئيساً لحزب العمال البريطاني المعارض لحملة إعلامية شرسة داخل بريطانيا وخارجها، بسبب مواقفه المعروفة من قضايا داخلية وخارجية عدة.

مواقفه إزاء العرب

استُقبل فوز كوربن بشكل عدائي في بعض الأوساط الإعلامية، خصوصاً المناصرة لإسرائيل، إذ ذكرت صحيفة «ذي تايمز أوف إسرائيل» الإلكترونية (مقرّها القدس المحتلة) خبر فوزه تحت عنوان «جيريمي كوربن المعادي لإسرائيل صار زعيماً لحزب العمال البريطاني». وأضافت أن «هذا النائب اليساري المتطرف يتعاطف مع حزب الله وحماس». وقالت إن اليهود البريطانيين «قلقون بسبب علاقاته بالإرهابيين ومعادي السامية، والذين ينفون حصول الهولوكوست (المجازر بحق اليهود في ألمانيا النازية)». أما صحيفة «دي فيلت» الألمانية، فقد وصفته بأنه «مثالي يساري لا يصلح للعالم الواقعي». ورأت أن انتخابه يثبت أن حزب العمال البريطاني فقد صلاته بالواقع. أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية فوصفته بـ»النباتي ذي اللحية البيضاء»، في حين أشارت صحيفة «ذي واشنطن إكزمينر» الأميركية إلى أن كوربن كان يكتب عموداً في صحيفة «ذي مورنينغ ستار» البريطانية، «وهي الناطقة باسم الحزب الشيوعي في بريطانيا العظمى».
وهذه الحملة الإعلامية ضد كوربن، التي ما زالت في بدايتها، ليست مستغربة إذا ما نظرنا في مواقف الرجل المؤيدة لقضايا العالم العربي، خصوصاً القضية الفلسطينية، إذ دعا إلى فتح حوار مع «المنظمات المسلحة» في المنطقة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، ووجهت إليه انتقادات لاذعة لاستخدامه كلمة «أصدقاء» لوصف حركة حماس وحزب الله. وكان ردّه أنه لا يتفق مع أيّ من هاتين المنظمتين، لكن «أيّ عملية سلام تعني التحدث مع أناس تختلف معهم بشكل جذري». ومعروف عنه دعوته إلى فرض حظر على تصدير السلاح إلى إسرائيل، وقال خلال الشهر الماضي إن اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يعطوا حق العودة. وهو يدعم حركة مقاطعة البضائع المنتجة في المستوطنات الاسرائيلية وحركة مقاطعة الجامعات الاسرائيلية التي تقوم بأبحاث التسلح.
أما عن مواقفه من الأزمة في سوريا، فهو يرى أن على حزب العمال ألا يدعم الضربات الجوية ضد «داعش» في سوريا، لأن ذلك يؤدي إلى إيذاء المدنيين الابرياء، بينما يجب التركيز على وقف إمدادات الاسلحة والأموال إلى «داعش» من مصدرها. وعارض في البرلمان البريطاني أيّ تورط عسكري ضد النظام السوري ورئيسه بشار الأسد عام 2013 ، وكان ناقداً بارزاً لاجتياح العراق عام 2003. ويذكر موقعه الإلكتروني أنه يريد استبدال «الحروب اللاشرعية» بـ»سياسة خارجية تعطي الأولوية للعدالة والمساعدات».