انتهت الانتخابات التشريعية البلجيكية بانتصار كبير لـ«التحالف الفلامنكي الجديد» الذي يدعو إلى انشقاق المناطق الفلامنكية عن الوالونية، في الوقت الذي بدأت فيه التكهنات حول هوية رئيس الوزراء الجديد
بروكسل ــ بسّام الطيارة
انتهت الانتخابات التشريعية في بلجيكا، كما توقع العديدون، بتصويت الفلامنك (الناطقين باللغة الهولندية) بكثافة لـ«التحالف الفلامنكي الجديد»، وهي نتيجة غير مسبوقة على الإطلاق. فللمرة الأولى في تاريخ بلجيكا الحديث تفوز حركة تطالب باستقلال الفلاندر في انتخابات تشريعية فدرالية. هذا في الوقت الذي بات فيه الحديث عن «انشقاق» مقاطعة الفلاندر، حيث يقطن ٦٠ في المئة من العشرة ملايين بلجيكي، على بساط «البحث الجدي» ولم يعد «محرّماً» على البلجيكيين الخوض فيه.
وتطرح الصحافة البلجيكية مسألة «مستقبل البلاد» من دون مواربة وتتجاوز مسألة الساعة التي تلي الانتخابات أي «تأليف الحكومة». إذ يتفق المراقبون على أنّ «الجسم السياسي البلجيكي تفتت في كل الاتجاهات» ولم يعد يتوقف على مسألة تنازع بين الناطقين باللغة الفرنسية، يقابلهم الناطقون باللغة الفلاندرية، وأنّ تأليف أي حكومة سوف يأخذ وقتاً طويلاً «مهما كانت نوايا الأفرقاء». ويتفق المراقبون أيضاً على أنّه «لم يعد يمكن تجاوز حزب الانشقاق» بعدما حصد نحو ٢٩ في المئة من الأصوات، ما أمّن له ٢٧ مقعداً في البرلمان من أصل ١٥٠. وهذا معبّر عن «واقع توجهات الفلامنك» وهو ما بدا أنّ الوالونيين (الناطقين باللغة الفرنسية) باتوا يتفهمونه، ويشير إلى إمكان أن تتكون الحكومة من «تحالف بين الفلامنك والانفصاليين والاشتراكيين». بالطبع بإمكان الاشتراكيين أن يدّعوا أنّهم القوة الأولى في البلاد في حال ضم أصوات الاشتراكيين في والونيا، إلا أنّ السؤال هو هل يصل الاشتراكيون في ما بينهم إلى اتفاق؟ سؤال آخر يطرح هو هل الاشتراكيون الفلامنك مستعدون للابتعاد عن طموحات قاعدتهم في الفلاندر وتصويتهم، الذي وصفته صحيفة «لوسوار» الفرنسية بأنّه «تسونامي»؟ وفي حال إيجاد إجابات شافية لهذه الأسئلة، من يكون رئيس الوزراء؟
ويؤكد زعيم حزب التحالف الفلامنكي بارت دي ويبر (٣٩ عاماً) أنّه «مستعد للتخلي عن منصب رئاسة الحكومة لوالوني فرنسي في مقابل تنازلات»، أي بمعنى آخر في مقابل «المزيد من الاستقلالية في المناطق الفلامنكية».
ويشير بعض المراقبين إلى أنّ دي ويبر «دخل اللعبة السياسية» بعدما سجل انتصاراً انتخابياً، ويعطون دليلاً على ذلك «خطابه المتوازن ومحاولة طمأنة الفرانكوفونيين» مباشرة بعد إعلان النتائج، إضافة إلى «اختفاء الأعلام الفلامنكية من وراء منصة خطابه» ووضع علم الاتحاد الأوروبي بغياب العلم البلجيكي، رغم أنّه أكدّ أنّ «استقلال الفلاندر ليس مطلباً ملحاً للحزب».
ويرى هؤلاء في ذلك إشارة إلى رغبة الزعماء الفلامنك في استيعاب موجة الخوف التي سببتها نتائجهم، ولكن مع التلويح بإمكان أن «يكون الإطار الأوروبي هو إطار الانفصال»، أي الحفاظ على حدود فضفاضة لبلجيكا ضمن الاتحاد الأوروبي مع إعطاء استقلالية مالية كبرى للمقاطعتين، على أن يؤول الحكم في العاصمة إلى نوع من تقاسم المسؤوليات وللمؤسسات «الكونفدرالية الممكنة».
ويبدو أنّ زعيم الاشتراكيين الفرانكوفونيين إيليو دي ريبو قد التقط هذه الإشارة، التي يمكن أن تفتح له باب الوصول إلى سدة رئاسة الحكومة، فصرّح تعليقاً على النتائج بأنّ «مواطنينا الفلامنك يريدون تطوير مؤسساتنا السياسية، وعلينا أن نستمع إلى ما يريدون». وبالطبع لم يعد ممكناً تجاوز مطالب الفلامنك اليوم. ويبدو أنّ إعطاء المزيد من الاستقلالية المالية سوف يكون أول ملف على طاولة الحكومة الجديدة مهما كان لونها، على أن يشمل هذا أيضاً «صندوق الضمان الاجتماعي» كما يطالب الفلامنك، إضافة إلى البحث في انفصال منطقة بروكسل، هال فيلفورد، وضمها إلى منطقة الفلامنك، التي كانت وراء الأزمة الأخيرة. وكان رئيس الحزب الليبرالي الفرنكوفوني ديدييه رايندرز قد رأى أنّ الانتصار الذي حققه القوميون الفلامنكيون يخلق «وضعاً سيكون إشكالياً بالنسبة إلى البلاد». ومن المتوقع أن تبدأ قريباً المفاوضات الرامية الى تأليف الائتلاف الحكومي الجديد، ولكن من غير المتوقع أن تنتهي هذه المفاوضات قبل فترة طويلة، ما يمكن أن يطرح مسألة تسلم بلجيكا في تموز الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.
قد يكون الفلامنك هم الفريق الذي يلوّح بقميص الانسلاخ وتفكيك الدولة البلجيكية، إلا أنّ استطلاعاً للرأي نشر أمس يشير إلى أنّ ٦٤ في المئة من الفرانكوفونيين «لا يرون أيّ إشكال في الانشقاق والانضمام إلى فرنسا». ويعتبرون اليوم أنّ «الاتحاد الأوروبي وإطاره أهم بكثير من الإطار القومي البلجيكي». فقط مسألة الملكية يمكن أن تقلق بعض البلجيكيين المتمسكين بتقاليدها، إذ يسرّ أحدهم بأنّ «فرنسا تستعمل المقصلة لقطع رؤوس الملوك» في إشارة إلى الثورة الفرنسية التي أطاحت الملكية ورأس لويس السادس عشر ورأس الملكة ماري أنطوانيت وأطاحت العلاقات بين «فرنسا الأم» والمقاطعات الشمالية، التي كوّنت في ما بعد بلجيكا بعد ضم مقاطعة الفلاندر «الهولندية».