ساهم عدم الثقة المتبادلة بين إيران والغرب في تسريع اتخاذ مجلس الأمن الدولي قراراً بفرض العقوبات على طهران، من دون أن يلغي ذلك الاستعداد الغربي عموماً، والفرنسي تحديداً، لمناقشة اتفاق 17 أيار، وفقاً لما تؤكده مصادر دبلوماسية فرنسية
باريس ــ بسّام الطيارة
سبقت أخبار طمأنة تركيا والبرازيل خبر إقرار مجلس الأمن الدولي حزمة عقوبات جديدة على إيران. فقبل أن يأتي نبأ فرض العقوبات على إيران، أكدت مصادر دبلوماسية أن باريس أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية استعدادها للقاء الإيرانيين في فيينا لمناقشة كل المسائل التقنية المتعلقة باتفاق طهران لتبادل اليورانيوم الموقّع بين إيران وتركيا والبرازيل. وما إن صدر القرار «رسمياً» حتى أضافت المصادر بأنه «رغم العقوبات الجديدة» فالاستعداد موجود.
وفي سياق تبرير «عدم الانتظار أكثر من ثلاثة أسابيع لدراسة نتيجة هذا الاتفاق»، قال مصدر دبلوماسي لـ«الأخبار» إن «التلاعب الكلامي الذي قام به الإيرانيون مباشرة بعد توقيع الاتفاق، سحب من هذا الاتفاق كل صدقية». وأشار إلى «عدد صحيفة كيهان الإيرانية الصادر في ١٨ أيار»، وطلب قراءته بتمعّن. وأضاف «في هذا المقال تقول طهران إنها لن تنفذ الاتفاق، وتضع شروطاً لا يمكن قبولها». ويعطي مثالاً على ذلك إمكان انسحابها من الاتفاق «فقط إذا ارتأت أنه لا يناسبها».
وفي هذا المجال، أوضحت مصادر دبلوماسية أن باريس أرسلت لإيران عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جنيف تسعة أسئلة في ردها على رسالة طهران بشأن الاتفاق المذكور، حيث ذكرت رسالة طهران بنوداً غير مقبولة مثل «أن إيران لها الحق في تخصيب اليورانيوم» أو فرض امتناع الدول الكبرى عن أي مبادرة تتعلق بالنووي الإيراني، إضافة إلى عدد من الأسئلة التقنية مثل «كيفية إخراج اليورانيوم إلى تركيا». وبحسب هذه المصادر، فإن المندوب الإيراني لدى الوكالة، علي أصغر سلطانية، أبلغ الوكالة أن بلاده «سترد على هذه الأسئلة». ويبدو من تفسير المصادر لمسار «ما بعد القرار» أن الاهتمام الأول هو في «تلطيف» ما سماه البعض «الصفعة التي وجهت إلى قوى ناهضة يمكن أن تؤدي دوراً قوياً في العلاقات الدولية».
ومن هنا التشديد على أن اتفاق تبادل اليورانيوم الذي تم بإشراف الدولتين لتزويد مفاعل طهران للأبحاث بالوقود، «مسار منفصل عن مسار العقوبات»، وهو إجراء لبناء الثقة وخفض التوتر على أمل التوصل إلى حل تفاوضي بشأن أزمة البرنامج النووي.
وعندما سألت «الأخبار» عن مغزى هذه العقوبات، ردت المصادر الفرنسية بأن هذه العقوبات «هي أولاً وأخيراً» رسالة إلى بعض القوى الإقليمية لعدم «التصرف على نحو أحادي»، في إشارة إلى إسرائيل ومحاولة لردعها عن مهاجمة إيران.
أي أنها رسالة مزدوجة المفعول كما يقول مسؤول سياسي سابق؛ رسالة تقول لإيران أيضاً «إنه يجب التحرك نحو حل». كما يمكن أن تقرأ رسالة رادعة لمن يظن أن «طريق الحصول على السلاح النووي سهل» عبر خرق معاهدة حظر انتشار السلاح النووي.
وعن مدى إمكان مساهمة حزمة العقوبات الجديدة في تسهيل الوصول إلى حل لملف إيران النووي، يقول مصدر مقرب جداً من هذا الملف، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن قراءة متمعنة للتفسيرات التي رافقت صدور القرار تفيد بأن ما سبق ووصفته مجموعة «٥+١»، أي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، إضافة إلى ألمانيا، بأنه «تجميد مشترك»، أي تجميد نشاط التخصيب من قبل إيران وتجميد العقوبات، هو بالواقع «تجميد للتخصيب يقابله تجميد لخطوات فرض عقوبات وليس تجميداً للعقوبات». ويضيف المصدر إن تجميد العقوبات (وليس رفعها) يمكن أن يأتي بعد «ستة أسابيع» يصفها بأنها «مرحلة بناء الثقة». ويلفت المصدر إلى أن «الطرفين خرقا هذا المبدأ»؛ فلا إيران أوقفت التخصيب، بينما المجموعة الدولية تابعت فرض العقوبات.
أما بالنسبة إلى رفع العقوبات فهي تذكّر، حسب قول دبلوماسي عربي في باريس، بـ«ما حصل مع العراق». إذ إن القرارات التي نصت على العقوبات لا تقول صراحة إنه يمكن رفعها بمجرد قبول طهران، بل تنص على أن «المجلس ينظر حينها برفع العقوبات» وهو ما يفتح أبواب حق النقض السلبي ويجعل طهران رهينة له من قبل الدول الكبرى صاحبة الحق في استخدامه.
قد تكون هذه الخطوات التصعيدية تمهيداً لبدء حوار مباشر بين طهران وواشنطن كما يتوقع البعض، إلا أن التلويح بخطوات قادمة ليس من مؤشرات فتح أبواب الحوار. إذ إن خبيراً فرنسياً لم يتردد في القول إن «عدم وضع البنزين والمحروقات على لائحة العقوبات كان بهدف عدم استهداف الإيرانيين»، إلا أنه يضيف مباشرة «لكن هذا لا يعني أنها لن تكون على لائحة العقوبات المقبلة».
وسألت «الأخبار» الناطقة الرسمية المساعدة في وزارة الخارجية كريستين فاجيس، ما إذا كانت فرنسا ترى ضرورة فرض «عقوبات أوروبية إضافية»، فأجابت بأنه منذ كانون الأول الماضي أعلن الزعماء الأوروبيون أن «الاتحاد الأوروبي مستعد كما كانت الحال بالنسبة إلى القرارات السابقة»، في إشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي رصد مجموعة عقوبات خاصة به يطبقها من جانبه. واستطردت بأن «الأوروبيين سوف يعملون على هذا الأمر خلال الأسابيع المقبلة». وبحسب بعض التسريبات، فإن اجتماع «المجلس العام» في ١٤ حزيران سوف يقرر مجموعة من العقوبات الأوروبية الإضافية ويرفعها إلى القمة الأوروبية التي تنعقد في السابع عشر من الشهر الجاري، وهو ما أكده وزيرا خارجية بريطانيا وليام هيغ وألمانيا غيدو فسترفيلي، حين أعلنا أن وزراء الخارجية الأوروبيين سيبحثون الاثنين إمكان اتخاذ «تدابير إضافية» بحق إيران.