حسم مجلس الأمن الدولي قراره بالتصويت على مشروع فرض عقوبات جديدة على إيران اليوم، بعدما تمكنت الولايات المتحدة من الحصول على موافقة اللاعبين الرئيسيين، غير آبهة بمعارضة عرّابي اتفاق 17 أيار الإيراني

مجلس الأمن يشدّد حصار إيران اليوم



نيويورك ـ نزار عبود
استعجلت الولايات المتحدة والدول الأوروبية مشروع قرار العقوبات على إيران بهدف التصويت عليه اليوم بعد وضعه بالحبر الأزرق. لكن الهمس بين بعض الوفود هو أن تقديم موضوع إيران إلى المجلس يرمي في نيويورك، كما هي الحال في فيينا حيث اجتماعات مجلس حكام وكالة الطاقة الذرية، إلى إبعاد التركيز الإعلامي عن الغارة الإسرائيلية على أسطول الحرية، وعن البرنامج النووي الإسرائيلي الذي بات مطروحاً في الوكالة الدولية. الأميركيون كانوا يقولون حتى وقت قريب إن الغاية من القرار الجديد، كما هي الحال في القرارات الثلاثة التي صدرت منذ كانون الثاني 2006، «إظهار موقف دولي موحد حول إيران يخرج بصوت واحد» من شأنه أن يجلب إيران إلى طاولة المفاوضات، إلا أن القرار الجديد سيصدر بمعارضة أو امتناع ثلاث دول أعضاء، هي: لبنان وتركيا والبرازيل.
وإذ يؤكد الروس والصينيون أن القرار لن يطال مصالح شركاتهم التجارية، إلا أن أوساطاً دبلوماسية مطلعة رأت أن القرار الجديد سيلحق أذى بكل تعاملات إيران مع الخارج، ولا سيما أنه يتضمن فقرة مالية تعرقل عمل البنك المركزي الإيراني مع الخارج. وأوضحوا أن الملاحق التي قضت مجموعة الدول الست أشهراً في التشاور بشأنها «فُخخت» بفقرات يمكن تفسيرها بطرق مختلفة تستطيع الدول الغربية تطبيقها، ملحقةً ضرراً في صادرات إيران ووارداتها، وخصوصاً بعد تراجع الطلب على النفط والغاز بسبب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
وفي مقابل الموافقة الروسية والصينية على القرار، أبدت البعثة التركية في نيويورك، برئاسة أرتغرول باباكان، رفضها لطرح مشروع القرار على مجلس الأمن قبل عقد جلسة نقاش مفتوحة علنية، بحضور كامل المندوبين الدائمين. إلا أن الأميركيين عارضوا فكرة الجلسة بصورة قاطعة. وتمسكوا بمشروع القرار على نصوصه وسط انصياع صيني ـــــ روسي صامت للعقوبات. وبعد جلسة مشاورات دامت خمس ساعات، اتفق أعضاء المجلس خلالها على عقد جلسة خاصة مغلقة يمكن أن تحضرها الدول الأعضاء في المنظمة، على أن يكون طلبها الإذن بالتحدث رهناً بموافقة الأعضاء.
وأكدت مصادر دبلوماسية مطّلعة لـ«الأخبار» أن الموقف الأميركي في جلسة المشاورات المقفلة كان حاسماً بعدم الرغبة في عقد جلسة نقاش مفتوحة، بالرغم من الإصرار التركي والبرازيلي واللبناني على ضرورة ذلك. ووسط إصرار الدول الثلاث، خصصت جلسة المشاورات المغلقة لـ«طرح حوار سياسي». وخلالها حاولت البعثة التركية، إلى جانب البرازيل، شرح أهمية منح الحوار السياسي مع إيران فرصة أطول. وعرضت البعثة التركية بنود مشروع تبادل اليورانيوم الذي قدم في إعلان طهران الشهر الماضي. غير أن الإصرار الأميركي على عدم تغيير مشروع القرار أو التراجع عن التصويت بالحد الأدنى كان مستهجناً، لأنه على عكس المرات السابقة، وحتى في عهد الرئيس جورج بوش، كانت الولايات المتحدة تقبل بمراجعة بنود القرار وتخفيفها كثيراً من أجل تحقيق الإجماع الكامل لأعضاء مجلس الأمن.
ورأى أحد الدبلوماسيين أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تبدو أكثر تشدداً في هذا الخصوص من سابقتها، ولجأت إلى استخدام وسائل ضغط كثيرة بحق دول دائمة العضوية في مجلس الأمن من أجل إصدار القرار الجديد.
وخلال النقاش، كان لافتاً إثارة مندوب دولة غربية مخاوف دول خليجية عربية شكت من «التنازل الذي تبديه الدول الغربية لإيران في مسألة العقوبات بإبقاء العروض لقاء التعاون».
وأهم عناصر القرار الذي يتضمن 38 فقرة، وقدمته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، أنه يثبت القرارات السابقة ويدعو إلى احترام وكالة الطاقة الذرية وقراراتها، بما في ذلك التوقيع على البروتوكول الإضافي. كذلك يرمي إلى منع إيران من تولّي أي أعمال تجارية ذات صلة بالتنقيب عن اليورانيوم وإنتاجه وتخصيبه. ويمنع تزويد إيران بأسلحة وصواريخ ثقيلة. كما يحظر على إيران إجراء تجارب على صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية «بما في ذلك عمليات الإطلاق التي تستخدم تقنيات صاروخية». ويفرض حظر سفر وتجميد أصول نقدية وعينية بحق أشخاص وكيانات سيتم نشر تفاصيلها في ملحق خاص مع القرار عند التصويت في المجلس اليوم.
وكشف دبلوماسي أن مشروع القرار يستهدف 41 مؤسسة إيرانية وأفراداً بسبب ادعاءات بوجود صلات تربطهم ببرنامج إيران النووي أو الصاروخي. وقال عدد من الدبلوماسيين الغربيين، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم، إن هناك اسماً واحداً على الأقل من الأسماء التي ستضاف إلى القائمة السوداء الحالية الخاصة بالشركات والأفراد لا يزال محل خلاف، ويمكن إسقاطه من القائمة قبل التصويت اليوم في العاشرة صباحاً بتوقيت نيويورك (الخامسة مساء بتوقيت بيروت).
كذلك يدعو مشروع القرار الدول إلى تفتيش السفن «إذا كانت هناك معلومات تشير إلى احتمال خرقها نظام العقوبات». وينشئ القرار «لجنة خبراء من أجل مساعدة لجنة العقوبات على تأدية عملها». ويدعو مشروع القرار الدول إلى «توخّي اليقظة في التعاملات التي تشارك فيها مصارف إيرانية واتخاذ إجراءات تمنع فتح فروع جديدة»، من دون أن ينسى التشديد على رغبة مجلس الأمن في تعزيز الجهود الدبلوماسية والحوار مع إيران. وأخيراً يمنح القرار الجديد الحكومة الأميركية ضمناً، حرية استخدام البند 311 من قانون باتريوت، الذي استخدمته الإدارة السابقة كأداة ضغط على مصرف «بانكو دلتا آسيا» حين كانت تستخدمه كوريا الشمالية في جزيرة ماكاو. وبموجبه يتعيّن على المصرف المتهم أن يبرهن عن براءته لكي يُستأنف التعامل معه. وإثبات البراءة مكلف الى درجة أن المصارف تؤثر دفع غرامات والتخلي عن التجارة مع إيران، على تكبد نفقات المحاكم والأجهزة القانونية الباهظة التكاليف والمعقّدة.


أنقر لقراءة نص مشروع القرار ولائحة المواد المحظورة



نجاد يخيّر الغرب: إما العقوبات أو التفاوض وضع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمس معادلة جديدة في العلاقة مع الغرب، قوامها القطيعة في حال إقرار مجلس الأمن الدولي الرزمة الجديدة من العقوبات، التي باتت في حكم القائمة
استغل الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، مشاركته في مؤتمر «التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا» المنعقد في مدينة اسطنبول التركية، لتوجيه رسائل متعددة لم تستثن روسيا، رداً على توجّه مجلس الأمن الدولي لإقرار جولة رابعة من العقوبات على بلاده. وأكد نجاد أن إيران «لن تجري محادثات بعد الآن بشأن برنامجها النووي إذا فرضت عليها عقوبات»، مشدداً على أن الإدارة الأميركية وحلفاءها «يخدعون أنفسهم إذا اعتقدوا أن بإمكانهم التلويح بمشروع القرار ثم الجلوس لإجراء محادثات معنا. مثل هذا الأمر لن يحصل».
وحث الرئيس الإيراني، الذي التقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، القوى الغربية على قبول اتفاق مبادلة الوقود النووي الذي تم التوصل إليه مع تركيا والبرازيل في أيار الماضي، مؤكداً أن «الاتفاق يمثّل فرصة لا تتكرر للإدارة الأميركية وحلفائها»، في وقتٍ نقلت فيه وكالة أنباء الأناضول عن دبلوماسي تركي، لم تذكر اسمه، أن عدداً من المسؤولين الأتراك اجتمعوا بنظرائهم الإيرانيين ونصحوهم بعدم قطع علاقاتهم مع الغرب إذا مرّر مجلس الأمن قرار فرض العقوبات، لكي لا يخسروا أرضية المفاوضات.
وتطرق نجاد، في كلمته، إلى العلاقة مع الولايات المتحدة، معتبراً أنه يتعيّن عليها أن تعدل عن موقفها المتشدد. وقال «توقعنا أن يبدأ الرئيس (الأميركي باراك) أوباما سياسة جديدة للولايات المتحدة. لا أقول إنني محبط تماماً، لكنه إذا فشل في إحداث تغيير فإن أول الخاسرين هو الرئيس أوباما وشعب الولايات المتحدة».
كذلك حذّر نجاد روسيا، التي شارك رئيس وزرائها فلاديمير بوتين في القمة، قائلاً «ليس هناك مشكلة كبيرة. ولكن عليهم أن يحذروا وألا ينحازوا لأعداء الشعب الإيراني».
وكان بوتين قد حاول احتواء الغضب الإيراني، بعدما أكد من اسطنبول أنه جرى «التوصل عملياً» إلى اتفاق على مشروع العقوبات. وقال، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التركي، إن «وجهة نظرنا هي أن هذه القرارات يجب ألا تكون مفرطة في التشدد، ويجب ألا تسمح بزج الشعب الإيراني في وضع صعب قد يؤدي إلى نشوء عقبات على طريق استخدام سلمي للطاقة النووية».
ولم يستثن نجاد من هجومه مجلس الأمن، واصفاً إياه بأنه أكثر مؤسسة غير ديموقراطية في العالم. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن نجاد قوله إن «الأسس التي يقوم عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة غير عادلة»، مشيراً إلى أن «قلّة من الأعضاء لديهم حق النقض وهم يحكمون العالم كما يشاؤون».
وتحدى الرئيس الإيراني مجدداً دعوة مجلس الأمن إلى فرض عقوبات دولية جديدة على طهران. وأضاف «هذه نهاية مجلس الأمن. نحتاج إلى مؤسسات جديدة».
والرفض الإيراني للعقوبات واعتبارها بأنها «غير شرعية» وفقاً للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمنبارست، قابله اعتبار وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، بعد مباحثات مع نظيره البريطاني ليام فوكس، أن التعاون الدولي يمكنه أن يمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، مبدياً تفاؤله بأن مجلس الأمن سيقرّ مشروع القرار بشأن إيران «قريباً جداً».
من جهته، دعا وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، خلال زيارته ألمانيا، إلى إجراء محادثات جديدة مع إيران تهدف إلى حل الأزمة.
أما الصين، التي أكدت أمس أن نجاد سيزور مدينة شانغهاي يوم الجمعة المقبل للمشاركة في «يوم إيران» في المعرض العالمي، فشددت على ضرورة اعتماد الحوار لحل الأزمة الإيرانية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، كين غانغ، «إن الصين تؤيد دائماً استراتيجية المسار المزدوج في المسألة الإيرانية». وأضاف «نعتقد أن الحوار والتفاوض هما السبيل الصحيح الى تسوية هذه القضية»، معرباً عن أمله في أن «تتمكن إيران من تعزيز تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل تسوية القضايا العالقة».
في هذه الأثناء، لم تمنع موافقة روسيا على العقوبات من إعلان مدير الوكالة الروسية للطاقة الذرية «روساتوم»، سيرغي كيرينكو، خلال مشاركته في منتدى «آتوم إكسبو 2010» المنعقد في موسكو، أن إيران وروسيا «ستستثمران معاً أول مفاعل نووي إيراني في بوشهر» الذي يفترض أن يبدأ العمل فيه في شهر آب المقبل، على اعتبار أن إيران «لا تملك بعد الخبرة لاستثمار مثل هذه المنشأة».
في غضون ذلك، استدعت ايران أمس السفير السويسري الذي ترعى سفارة بلاده المصالح الأميرکية لدى إيران، وسلمته وثائق تظهر أن العالم النووي الإيراني، شهرام أميري، الذي فقد أثره في السعودية في حزيران 2009، خطفته الولايات المتحدة.
ويأتي الاستدعاء غداة بث التلفزيون الإيراني شريطاً مصوراً لرجل عرّف عن نفسه بأنه أميري، ويقول فيه إن أجهزة الاستخبارات الأميركية خطفته وإنه معتقل حالياً قرب تاكسون في ولاية أريزونا، غرب الولايات المتحدة.
ورفض مهمنبارست الربط بين قضيّة أميري والأميركيين الثلاثة المحتجزين في إيران، مؤكداً أن القضاء الإيراني يرفض إجراء أي عملية تبادل للمتهمين الذين ملفاتهم قيد التحقيق.
إلى ذلك، أعلن موقع «كلمة. كوم» المعارض أن السلطات الإيرانية أفرجت بكفالة، قُدرت بأكثر من 95 ألف دولار، عن الصحافية الإيرانية بدر السادات مفيدي، التي اعتقلت بعد اشتباكات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين في كانون الأول 2009.
(أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز، مهر، ارنا)