انتعاش صادرات الاتحاد الأوروبيباريس ــ بسّام الطيارة
هل يُعَدّ انخفاض سعر صرف اليورو في مقابل الدولار جيداً بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي؟ قد يكون الأمر كذلك في بعض الأوجه على المدى القصير. فسعر اليورو هبط على نطاق واسع أول من أمس، مسجلاً أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ ما يزيد على أربع سنوات. وسبب هذا «الانهيار» لسعر صرف العملة الأوروبية الموحدة لأكبر سوق في العالم، هو تنامي القلق بشأن ديون منطقة اليورو ومحاولة تخلص المستثمرين من الأصول ذات المخاطر العالية والإقبال على «عملات ثابتة مثل الفرنك السويسري والدولار الأميركي والين الياباني»، رغم أن اقتصاديات واشنطن وطوكيو تعاني أيضاً من خلل في ميزان مدفوعاتها وتضخم في الدين العام إضافة إلى ارتفاع البطالة وتراجع فرص التوظيف بشكل مشابه لما تعانيه معظم دول الاتحاد الأوروبي.
يجزم البعض بأن تراجع اليورو وراء «كل ما يحدث اليوم»: أدت أسعار الذهب دوراً كبيراً في «دفع المستثمرين نحو العملات القوية»، إذ انخفضت أسعار المعدن الثمين عموماً، بينما ارتفعت أسعار الذهب المقوم باليورو في المعاملات الآسيوية على نحو قياسي لتبلغ ١٠٢٥ يورو للأونصة.
وبسبب تراجع اليورو والمخاطر على اقتصادات بعض دول منطقة اليورو، واصلت أسهم البنوك انخفاضها، وتعرضت أسهم السلع الأولية لضغوط مع انخفاض لأسعار النفط الخام دون ٧٠ دولاراً للبرميل.
ويرى بعض المراقبين أن تصريحات رئيس وزراء فرنسا فرانسوا فيون، الذي عبّر عن ارتياحه لانخفاض قيمة اليورو في الأسواق العالمية، أسهمت كثيراً في «تسريع» هذا التراجع.
وكان فيون قد قال في مؤتمر صحافي إلى جانب نظيره الكندي ستيفن هاربر: «في الوقت الراهن، أرى نبأً ساراً واحداً، هو سعر صرف اليورو أمام الدولار»، مضيفاً أن «سعر الصرف لا يعكس حقائق الاقتصاد الأميركي ويؤثر بشدة على صادراتنا».
ويتفق أغلب خبراء الاقتصاد مع فيون على أن سعر اليورو سوف يصل إلى يورو لكل دولار بنهاية العام الحالي، إلا أنها المرة الأولى التي تصدر إشارة من رجل دولة «يدعم سياسة التقشف والحقائق المالية».
وبالطبع فإن حديث فيون لا يخرج عن سياق ما يتحدث به معظم الخبراء، إلا أن استعمال فيون لكلمة «تعادل» (parité) في الإشارة إلى الدولار واليورو عدّه المضاربون علامة «انتهاء الدعم الفني» لسعر اليورو، وبالتالي تراجعه «بالضرورة ليوازي سعر دولار». ويتفق معظم خبراء الاقتصاد مع فيون على أن سعر اليورو سيصل إلى يورو لكل دولار بنهاية العام الحالي.
وبالطبع أدى انخفاض سعر صرف اليورو أمام الدولار إلى نمو صادرات منطقة اليورو، وهو ما انعكس على ميزان الصادرات في الأشهر الثلاثة الماضية. وسجل اقتصاد ستّ عشرة دولة أوروبية، التابع لنظام العملة الموحدة، نمواً قوياً نسبياً. وقد أعطت الميزة التنافسية لليورو دفعاً لحركة تصدير المنتجات الأوروبية التي ارتفعت بنسبة 2.5 في المئة. وتشير قراءة أولية للناتج المحلي الإجمالي عن الربع الأول إلى نسبة نمو تبلغ 0.2 في المئة، ما يقود إلى اتساع مؤشر نسبة النمو من 0.5 إلى 0.6 في المئة.
ولا يقتصر الأمر على التصدير، بل زادت نسبة الاستيراد أيضاً من 1.2 في المئة إلى ٤ في المئة، ويعود ذلك بحسب أكثر من خبير إلى أن الأزمة المالية التي تعصف بالسوق الاستهلاكي الأوروبي، وتراجع القوة الشرائية أدّىا إلى انكماش الاستهلاك منذ انطلاق الأزمة عام ٢٠٠٨، وأن المؤسسات التجارية كفّت عن الاستيراد لفترة طويلة نوعاً ما، استغلتها للتخلص من المخزونات التي كانت مكدسة في مخازنها. إلا أن عدداً من البلدان الأوروبية أطلقت حملات تحفيز على الاستهلاك (سيارات وطاقات بديلة وبناء) وطالبت المصارف بتسهيل قروض الاستهلاك عموماً، ما أوجد «طاقة جذب استهلاكية» دفعت التجار إلى إعادة استيراد السلع التي نفدت من الأسواق، رغم ارتفاع السعر الدولار، مستفيدين من أن عدداً متزايداً من الدول المصدرة في آسيا كانت قد قبلت كتابة الفواتير باليورو لتجنب مخاطر أسعار الصرف.
وبالطبع فإن التأثير «الإيجابي» الكبير نتيجة تراجع سعر اليورو سيكون في حقل تصدير التكنولوجيا المنافسة لصناعات الولايات المتحدة (طائرات نقل وأسلحة وأقمار صناعية) وبمستوى أقل اليابان وكوريا (مفاعلات نووية وحرارية ومكونات طاقات بديلة حرارية). أما من ناحية الاستيراد، فإن منطقة اليورو ستكون «رابحة أيضاً» بسبب «وزن فاتورة الطاقة النفطية» في ميزان المدفوعات.
فمن المعروف أن «الفاتورة النفطية» كانت تكلف كل أوروبي ٥٠٠ يورو سنوياً بسعر صرف لليورو 1.4 دولار. حساب بسيط يفيد بأن تراجع سعر صرف العملة الأوروبية إلى أقل من 1.2 دولار سيخفض هذه الفاتورة إلى ٤٢٨ يورو، وبالتالي فقد ينتقل الفارق ليصبّ في حساب المصروف الاستهلاكي، ما يمكن أن يخفف قليلاً من ضائقة المستهلك في أوروبا.
وربما كان فرنسوا فيون يفكر في هذه الأرقام عندما تحدث عن «دولار = يورو». واقع في حال حدوثه يرفع القدرة التنافسية لأوروبا ٤٠ في المئة (مع ما يمكن أن تدره من مدخول صادرات) وتوفر ١٠٠ يورو على حساب الفاتورة النفطية يستغلها ٤٨٠ مليون مستهلك أوروبي لإنعاش السوق الداخلية، وبالتالي رفع نسبة النمو العام.


انعكاس على الإجازات