Strong>فتحت تركيا أمس باباً جديداً لنفسها على المنطقة، بإطلاقها مبادرة تنوي خوضها لمصالحة حركتي «فتح» و«حماس». كلام تزامن مع إعلان الرئيس بشار الأسد وقوف بلاده وراء أنقرة في كل ما تقرّره في ملف ما بعد جريمة «أسطول الحرية»شهدت مدينة إسطنبول، أمس، إعلاناً تركياً عن قرب انطلاق وساطة تركية جديدة لمصالحة حركتي «حماس» و«فتح»، مع تعهّد بتأليف لجنة تحقيق دولية لمحاسبة إسرائيل، «حتى لو رفضت تل أبيب ذلك». خطوات حظيت بدعم مطلق من الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أكّد أنّ بلاده «مستعدّة للسير بأي إجراء تقرّره تركيا».
وجمعت إسطنبول، أمس، طيفاً واسعاً من رؤساء ومسؤولي الدول المنتظَر أن يكون لهم، اليوم، موقف مستنكر لإسرائيل، وذلك في «مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا». ومن أبرز الموجودين حالياً في ضيافة حكام أنقرة، إضافة إلى الأسد، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين.
وأعلن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، في مؤتمر صحافي عقده مع الأسد، الذي سبق والتقى الرئيس عبد الله غول، أنّ بلاده «مستعدة لأداء دور ناشط للتوصل إلى مصالحة بين حركتي فتح وحماس، لأنّ هذا أمر واجب علينا». وكشف أنّ الحركة الإسلامية «رحّبت بالاقتراح التركي وخوّلت أنقرة القيام بالمهمة»، معرباً عن أمله أن ينحو مسؤولو «فتح» في المسار نفسه.
وقال أردوغان إنّ «المسؤولين في حماس أعطونا التفويض المطلوب في هذه القضية، ويقولون لنا إنهم يريدون حل المشكلة، ونريد أن نرى المقاربة نفسها من فتح، وسأجتمع معهم بعد فترة قصيرة»، في إشارة إلى الاجتماع المقرر أن يعقده مع عباس.
وكرر أردوغان تعهّده بمحاسبة إسرائيل على جريمة «أسطول الحرية»، مشدداً على أن الأهمية لا تكمن فقط في إصدار قرارات بحق الدولة العبرية، بل بتنفيذها. وجزم بأنه «لا سبيل لإبقاء فلسطين وغزة سجناً كبيراً مفتوحاً»، مشيراً إلى أن حكومته ستسعى لكسر هذا العقاب الجماعي «بشتّى السبل».
وردّاً على سؤال عن الادّعاءات الإسرائيلية التي تفيد بأنّ ركاب سفينة «مرمرة الزرقاء» كانوا «إرهابيين مدرّبين»، أجاب أردوغان ساخراً بالقول «لقد اعتادوا الكذب».
وفيما أعرب عن ترحيبه بأي جهد لفك الحصار، طمأن إلى أنّه «لن تكون هناك حدود للدعم الإنساني لغزة وفلسطين».
وعن الوساطة التركية الجديدة لمصالحة الحركتين الفلسطينيتين، يُذكَر أنه سبق لأنقرة أن قامت بدور مماثل قبل فترة، وبتشجيع من الحركة الإسلامية وموافقتها. لكنّ المحاولة باءت بالفشل في ما بدا أنه نتيجة لرفض فتحاوي لأي محاولة من شأنها كسر الاحتكار الحصري المصري للملف الفلسطيني الداخلي، وهو الذي يُترجَم بالمبادرة المصرية التي تصرّ «فتح» على أنّه لن تكون هناك مصالحة وطنية قبل توقيع «حماس» عليها.
أنقرة تكشف عن لجنة تحقيق دولية برئاسة جيفري بالمر
وبناءً عليه، من شبه المحسوم أن يكون للموقف المصري الحكومي كلمة حاسمة في إنجاح أو إفشال المبادرة التركية الجديدة، وهو ما يُتوَقَّع أن تظهر تجلياته في الأيام المقبلة، على أن يكون للموضوع حيّز من النقاشات التي ستشهدها إسطنبول أيضاً، غداً الأربعاء، عندما تستضيف وزراء الخارجية العرب في إطار المنتدى السنوي التركي ـــــ العربي.
على صعيد آخر، وبعد تقديمه تعازيه لأردوغان والشعب التركي، أعرب الأسد، في المؤتمر الصحافي نفسه، عن استعداد سوريا «للسير بأي إجراء تقرّره تركيا»، لافتاً إلى أنّ الحدّ الأدنى لهذا الإجراء هو «فكّ الحصار عن غزة وتأليف لجنة تحقيق دولية لوضع إسرائيل في الحجر الصحي والإدانة». ووصف اندماج الدماء التركية مع الدماء السورية والعربية بأنه «علامة فارقة في تاريخ المنطقة وجغرافيتها، وسيكسر الحصار على غزة».
وشدّد الرئيس السوري على أنّ إسرائيل ارتكبت جريمتها بحقّ المواطنين الأتراك عن سابق تخطيط وتصميم، مذكّراً بأنّ «ما حصل في دافوس (السجال بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز عام 2008) كان رسالة للحكومة والشعب التركيين ثمن تعلّقهما بالسلام ورفض الحرب على العراق».
وربط الأسد الهجوم البحري الإسرائيلي بالوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل (التي علّقتها أنقرة عقب عدوان الرصاص المصهور في 2008 بعد 5 جولات مفاوضات غير مباشرة)، «لأنّ تركيا كانت وسيطاً محايداً، بينما إسرائيل أدمنت الوساطات المنحازة».
وعن هذا الموضوع، قال الأسد إنّ إسرائيل «كانت تريد من تركيا أن تقول في نهاية المفاوضات غير المباشرة إن الطرف العربي هو الذي يعرقل السلام، إلا أن استجابة سوريا السريعة للمبادرة التركية فضحت إسرائيل، وأظهرت للعالم أنها هي التي تعرقل السلام وليس الطرف السوري ولا الطرف العربي». واستعاد الرئيس السوري من تاريخ المنطقة كيف أنّ السلطنة العثمانية رفضت بيع فلسطين لليهود، داعياً إلى استعادة أمجاد تلك الحقبة «بجوانبها المضيئة».
في هذا الوقت، دعت تركيا، على لسان وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، إلى فرض عقوبات دولية على إسرائيل، وذلك في افتتاح قمة «مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا»، التي بدأت أعمالها أمس، وتنتهي اليوم، بمشاركة 20 مسؤولاً عن دول أوراسيا.
وأضاف داوود أوغلو أنّ تركيا «لن تطبّع علاقاتها مع إسرائيل حتى تقبل إجراء تحقيق دولي»، لافتاً إلى أنّ تركيا «لم تعد قادرة على التغاضي عن سياسات التوتر وسياسات الحصار على غزة وسياسات العقاب وسياسة مهاجمة المدنيين في المياه الدولية».
ونقلت وكالة أنباء «الأناضول» عن داوود أوغلو قوله، إنّ «مستقبل الاتفاقيات الثنائية بين تركيا وإسرائيل يتعلق بموقف إسرائيل؛ فإن أطلقت الأخيرة الضوء الأخضر لتأليف لجنة دولية وكانت جاهزة للإجابة عن أسئلة اللجنة، فإن علاقاتنا سيكون لها مسلك آخر، وإلا فإنه لا يمكن تطبيع هذه العلاقات». وشدد على أنّ بلاده «لن تدع أي بلد يلحق الأذى بمواطنيها عمداً، لأنه سيواجه تداعيات ذلك».
وفي السياق، أشار نائب رئيس الوزراء التركي بولنت ارينش إلى أنه ستؤلّف لجنة دولية للتحقيق في الهجوم الإسرائيلي «حتى وإن لم تقبل إسرائيل». وفيما رأى أنّ تل أبيب «خائفة وقلقة بسبب الجريمة التي ارتكبتها، وبسبب العدائية التي أظهرتها»، كشف أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قرر تعيين الرئيس السابق للحكومة النيوزيلندية جيفري بالمر رئيساً للجنة. وأوضح أنّ أنقرة «تطالب بإنهاء التحقيق خلال شهرين، وبعدها تقديم تقرير إلى الأمم المتحدة».
وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد وصل إلى تركيا، أمس، للمشاركة في المؤتمر المذكور، على أن يعقد اجتماعات مع كل من غول وأردوغان على هامش القمة.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)