طهران | سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى استخدام سلاح النفط في المواجهة مع الجمهورية الإسلامية، وتمكنت، عبر الحظر، من إضعاف القدرة الإيرانية على تصدير البترول، ما خفّض العائدات المالية من العملات الصعبة، بشكل كبير. انسحبت الشركات العالمية كـ«توتال» الفرنسية و«ال جي» الكورية الجنوبية، وشركات إيطالية ويابانية وكندية، من السوق الإيرانية، مخلّفة خسائر كبيرة في قطاع الاستثمار النفطي وتاركة العديد من المشاريع غير المنجزة، على رأسها حقول «بارس جنوبي» جنوب البلاد.
ودفع هذا الانسحاب ــ الذي جاء بضغط أميركي على خلاف رغبة هذه الشركات في البقاء في إيران ــ بالحكومة إلى الاستعانة بشركات محلية ووطنية لسد العجز والعمل على إنجاز تطوير حقول النفط والغاز، فنجحت هذه الشركات في الحفاظ على هذا القطاع من الانهيار، إلى حد كبير.
ولكن الشركات المحلية، التي تنقصها المعدات اللازمة والضعف في السيولة، واجهت مشكلة الحظر على استيراد التجهيزات الضرورية لتطوير الحقول، ما أبطأ عملها إضافة إلى خفض الإنتاج من الخام بفعل عقوبات تصدير النفط.
في عام 2011، جرى استثمار 19 مليار دولار في عمليات التطوير، ليرتفع المنسوب إلى 21 مليار دولار، في عام 2012، ومن ثم ينخفض، بشكل حاد، بعد تشديد العقوبات إلى أقل من 10 مليارات دولار، عام 2013، ثم إلى 6 مليارات دولار، عام 2014. ويعود تقلُّص حجم الاستثمار في القطاع النفطي إلى فرض العقوبات، ووقف معظم الصادرات وانسحاب الشركات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى قوننة عمليات الاستثمار في الحقول المنتجة للغاز، وتعزيزها على حساب الحقول النفطية.
ومع الإعلان عن إمكانية التوصل إلى الاتفاق النووي، أوائل عام 2015، بدأ الحديث عن العودة الأوروبية والآسيوية إلى السوق النفطية الإيرانية باستثمارات أضخم، إلا أن هذا لا يعني أن إيران أوقفت، تماماً، بيعها للنفظ، بل ظلّت الصين والهند واليابان تشتري النفط الإيراني من دون أن تستطيع أن تدفع عبر المصارف، بسبب العقوبات. بناء عليه، كانت عائدات النفط تحوّل إلى سلع أو بضائع أو تدفع بالعملة المحلية، وهو ما أثر سلباً على مستوى الاستثمار بالعمولات الصعبة، لكن رغم ذلك، فقد ظلّت إمدادات النفط تخرق جدار العقوبات بأسعار أقل وبصعوبة في الدفع.
تحرير قطاع النفط من العقوبات، في حال إنجاز الاتفاق النووي وتوقيعه، بشكل كامل، دفع بالمعنيين إلى تفعيل الخطة الخمسية، التي بحسب المعلومات تحتاج إلى استثمارات بحوالي 185 مليار دولار، بحلول عام 2020.

تتوقع وزارة النفط استثمارات تراوح بين 20 مليار إلى 40 مليار دولار سنوياً
على هذا الأساس، تتوقع وزارة النفط الإيرانية استثمارات تراوح بين 20 مليار إلى 40 مليار دولار، سنوياً، وهو ما كان وراء تسريع الاستعدادات لعقد مؤتمر، في نهاية العام الحالي في العاصمة البريطانية لندن، تُطلق خلاله وزارة النفط الإيرانية سياساتها الاستثمارية، عبر عقود جديدة (IPC) تعتمد على مواصفات جديدة، بدفتر شروط معدل يشجع الشركات الأجنبية على الاستثمار في قطاع النفط، من خلال عرض حوالى 50 مشروعا استثماريا في حقول النفط والغاز.
قد تواجه الخطة النفطية المطروحة بعض العقبات، منها الانخفاض الكبير في أسعار النفط. أضف إلى ذلك، أنه بناء على لمحة سريعة على تاريخ الاستثمار، خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية ــ حين بلغ حجم الاستثمار الأجنبي 23 مليار دولار ــ فقد ووجه بأسئلة من الداخل الإيراني عن إمكان استثمار 185 مليار دولار، في السنوات الخمس المقبلة، في ظل الضعف الذي تشهده الأسواق النفطية عالمياً.
من هنا، انطلق الحديث عن المطالب الإيرانية المقابلة، بتطمينات بشأن إمكان هذه الشركات العمل في إيران والتعهد بعدم الانسحاب من عقودها، بفعل أي ضغوط مستقبلية قد تحصل. تحاول طهران، إلى حد كبير، تأمين بيئة آمنة لجذب الاستثمارات، عبر تقديم عروض مغرية تتمثل في العقود النفطية الجديدة، يضاف إليها تفعيل الاتفاقيات النفطية مع دول الجوار وإعادة دراسة الأسعار في ظل التطورات الحالية والطلب المتزايد على الغاز الذي تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي منه، بعد روسيا، وذلك من خلال تسريع العمل في خط السلام النفطي الذي يربط إيران بشبه القارة الهندية، مروراً بباكستان. بينما أوقف العمل في خط الغاز الأوروبي من إيران في اتجاه المتوسط، بسبب الأحداث في العراق و سوريا، كما أن إيران لا تعد تركيا بديلاً، بسبب الخلاف التركي ــ الإيراني المزمن حول أسعار الغاز وعدم رغبة إيران بمد أنابيب عبر الأراضي التركية. لذا، تفضل طهران الانتظار لاستئناف عمليات الربط بأوروبا، عبر العراق إلى شواطئ الأبيض المتوسط، مروراً بالأراضي السورية، ما يعني إضافة عنصر آخر إلى مساعي إحلال السلام في المنطقة، الذي سيكون له انعاكسات إيجابية تصب في مصلحة الجميع.