مؤتمر دولي في الخريف لحلّ قضية الشرق الأوسط


باريس ــ بسّام الطيارةبانتظار هذا الموعد سوف يعمل ساركوزي طبق مبدأ «الهروب إلى الخارج» الذي يطبقه كلّ حاكم عندما تضيق به سبل الخلاص الداخلية فيحاول تلميع صورته بعمل خارق على الساحة الدولية. ولدى قاطن الإليزيه «مشروع حاضر» عمل عليه فور وصوله إلى الحكم: الشرق الأوسط وتحديداً الصراع الاسرائيلي ـــــ العربي. يتفق أكثر من مراقب على أنّ كلّ الدبلوماسية الفرنسية منذ بداية عهد ساركوزي ترمي إلى شيء واحد «تعزيز أمن إسرائيل والوصول إلى تحقيق السلام مع جيرانها العرب». حتى إنّ تحقيق القطيعة في الملف اللبناني كان يرمي أولاً وأخيراً إلى تعزيز فرص نجاح التقارب مع سوريا وصولاً إلى إطلاق مفاوضات غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب عبر الوسيط التركي. ويقول مصدر مقرب من الإليزيه إنّ مستشار الرئيس هنري غيينو هو الذي وقف وراء هذه المقاربة، وهو الذي دفع ساركوزي لتحمّل مشقة زيارة دمشق، وهو من يقف وراء اطلاق فكرة الاتحاد من أجل المتوسط لتجاوز «عقدة لقاء برشلونة المعطل». هنري غيينو رجل الظل لا يظهر في الصورة مثل الأمين العام للإليزيه كلود غيان ولا مثل المستشار الدبلوماسي المخضرم جان دافيد ليفيت، وليس له اختصاص محدد. فهو يعمل على الملف الاقتصادي وكان له دور كبير في التوجهات الكبرى للخروج من الأزمة المالية من باب ديغولي يمزج بين الليبرالية اليعقوبية وبين الاشتراكية المخففة، وهو الذي يقف وراء إصلاح نظام التقاعد، وبالطبع يبحث غيينو اليوم عن مخرج للرئيس على الساحة الدولية فيعيد إحياء فكرة مؤتمر دولي في الخريف.
وقد علمت «الأخبار» أنّ المؤتمر الدولي الذي تنوي باريس الدعوة إليه سوف يكون في سياق القمة الثانية للاتحاد من أجل المتوسط التي كان يفترض أن تلتئم في ٧ حزيران قبل أن تؤجل إلى منتصف تشرين الثاني في برشلونة. إلا أنّ الأوساط المقربة تشير إلى عقبتين لا تتساويان بالحجم. العقبة الكبيرة تدور حول الشق الفلسطيني الذي يبدو أنّه لا يمكن حلحلته لأسباب كثيرة منها فقدان الثقة بين حماس والوسيط المصري، ومنها تشبث اليمين الإسرائيلي بعدم التراجع عن الاستيطان حتى لو أدى ذلك إلى سقوط حكومة نتنياهو. أما العقبة الصغرى حسب رأي الخبراء فهي محصورة في مسألة إعادة التفاوض غير المباشر بين دمشق وتل أبيب. ومن أجل تحريك هذا المسار يقول خبير عمل على هذه الملفات إنّه يجب تجاوز الخلاف الاسرائيلي ـ التركي ومحاولة إيجاد وساطة بديلة. ويذكر الجميع أنّ باريس «عرضت وساطتها» قبل سنة تقريباً إلا أنّ سوريا أكدت حينها «التزامها بمسار أنقرة».
ووفق عدد من المصادر فإنّ الفكرة الفرنسية الجديدة تقوم على «إيجاد وسيط جديد قادر على مخاطبة الطرفين» يحضّر في المرحلة الأولى لموافقة العاصمتين قبل أن ينطلق بمفاوضات مكوكية بينهما بعكس المفاوضات غير المباشرة التي كانت قائمة في أنقرة أو التي يقوم بها مبعوث الرئيس الأميركي جورج ميتشل. وبالطبع لا يمكن دبلوماسية الإليزيه أن تنطلق من دون موافقة، ولو من حيث المبدأ، من الطرفين، إن لم يكن على اسم المبعوث المكلف فعلى الأقل موافقة على مسألة التفاوض. ويقول دبلوماسي عربي في باريس إنّ الظروف قد تكون مؤاتية لإعادة إطلاق المفاوضات بين سوريا والدولة العبرية لأسباب عديدة منها العزلة الاسرائيلية على الساحة الدولية والرغبة في تجنّب صدام جديد مع الإدارة الأميركية ما يصب في اتجاه التخفيف من الضغوط عبر فتح «نافذة تفاوض مع طرف عربي». كما يمكن سوريا أن تستفيد من عودة إلى مسار تفاوضي يعجّل مسار تقاربها مع واشنطن بعد أن رأت أنّ النافذة التركية قد أغلت لفترة غير وجيزة على ما يبدو.
إلا أنّ عدداً من القوى الإقليمية لا ترى بعين الرضى هذا التوجه فهو من جهة يضعف الدور المصري كثيراً وبنحو أقل الدور السعودي. كما أنّ دمشق ستسجل لمصلحتها كلّ محاولة تخفيف للحصار على غزة ما يزيد من قوة حماس ويضعف السلطة الفلسطينية وبالتالي توجه الرباعية والدور الأميركي. وهو ما جعل البعض يصف هذه الاستراتيجية بـ«قطيعة ٢» تشبه من حيث خطوطها العريضة ما حصل في الملف اللبناني. يقول مصدر مقرب من هذا الملف إنّ «أفضل شخص ليكون ممثلاً للرئيس ساركوزي على نفس مستوى ميتشل هو السفير جان كلود كوسران». ويستدرك قائلاً إنّ طرح اسمه في الإعلام منذ يومين بشكل بالون اختبار يدل إن لزم الأمر على أنّ عدداً من هذه القوى لا ترى بعين الرضى هذه «القطيعة ٢» وهدفت إلى حرق إمكانية اختياره. وبالطبع لا يؤكد ولا ينفي أي مقرب من كوسران إمكان تكليفه بهذا الدور، إلا أنّ «الأخبار» تستطيع أن تؤكد استناداً إلى مصادرها أنّ «كوسران لم يلتق كلود غيان بعد»، إذ إنّ زيارة الإليزيه «وأخذ الأوامر المباشرة من ساركوزي» هي الخطوة الأولى حسب هذه المصادر، وهي تتطلب لقاءً مع غيان. إلا أنّ ذلك لا يمنع قول مصادر أخرى إنّ «كوسران قد اطلع على الخطوط العريضة». فهل يكون قد التقى بهنري غيينو؟ لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال إلا أنّ من الواضح أنّ ساركوزي يستعد بعد الصيف لإعادة إطلاق فكرته حول مؤتمر دولي يعقد إلى جانب قمة الاتحاد من أجل المتوسط بحيث تكون القمة مسهلّة للمؤتمر ويكون مبعوثه قد عمل خلال الصيف لتسهيل انعقاد اللقاءين.