لن يزور الملك السعودي باريس هذا الأسبوع لأسباب عديدة متشابكة ومتناقضة، إذ يبدو أنّ «قصر نظر بروتوكولي» من المسؤولين الفرنسيين إلى جانب أسباب سياسية جعلا الطرفين، الفرنسي والسعودي، يتفقان على تأجيل الزيارة
باريس ــ بسّام الطيارة
مرة أخرى، تحاول الدوائر الدبلوماسية الفرنسية إثبات «وجود دخان من دون نار»، مسلطة في الوقت نفسه الضوء على التنافس بين الإليزيه والكي دورسيه (وزارة الخارجية) في معالجة نتائج إلغاء زيارة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لباريس. فحين سئل الناطق الرسمي لوزارة الخارجية برنار فاليرو قبل أسبوع عن «إمكان تأجيل رحلة الملك السعودي»، نفى وجود الفكرة قائلاً: «إنّ أياً من الجانبين لم يعلن الزيارة». لم تمر ٢٤ ساعة على ذلك حتى خرج بيان يوم السبت من الرياض يؤكد «تأجيل الزيارة». وعملت مصادر الإليزيه مباشرة على «تسويق تبرير» على لسان الأمين العام للرئاسة كلود غيان الذي أعاد تأكيد «جودة العلاقات بين البلدين»، مشيراً إلى أنّ الزيارة «أجّلت فقط».
يرى أكثر من مقرب من ملف العلاقات السعودية ـــــ الفرنسية «المعقد»، حسب وصف أحد الخبراء، أنّ مسألة الإلغاء تعود لأسباب عديدة متشابكة ومتناقضة، مع وجود الكثير من سوء التصرف و«قصر نظر بروتوكولي» من المسؤولين الفرنسيين. إلا أنّ «الأخبار» علمت أن «رغبة مشتركة» من الطرفين، الفرنسي والسعودي، كانت باتجاه «تجاوز الدعوة في الوقت الحاضر».
الفكرة الأساسية كانت الاستفادة من وجود الملك لافتتاح معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» في متحف اللوفر، ودعوته إلى حضور العرض العسكري التقليدي في مناسبة «الثورة الفرنسية». ففرنسا تكرم زوارها الكبار بحضور العرض إلى جانب الرئيس الفرنسي، وهو ما حصل سابقاً مع عدد من الرؤساء والملوك العرب، رغم «غرابة دعوة ملك إلى حضور احتفال بثورة أطاحت رأس ملك»، كما عبّر أحد منتقدي الدعوة. إلا أنّ القيّمين على البروتوكول لم ينتبهوا إلى أنّ ساركوزي دعا أيضاً زعماء الدول الأفريقية التي استعمرتها فرنسا سابقاً لمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلالها، وبالتالي لم يعد من الممكن تخصيص مكان للملك إلى جانب ساركوزي، بل كان عليه أن يجلس مع الرؤساء الأفارقة في الصف الثاني. ويضيف أحد الدبلوماسيين العرب أنّ «السعوديين يذكرون معاملة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني عندما حضر أول احتفال في عهد ساركوزي»، فقد كان جالساً في المنصة الرئيسية. ويتابع الدبلوماسي متسائلاً: «هل من المعقول أن يقبل الملك السعودي بأقل من هذه المعاملة؟».
غريبة دعوة ملك إلى حضور احتفال بثورة أطاحت رأس ملك
ويزداد العجب ممّا وصفه مصدر قريب من الملف السعودية بـ«الارتباك مع أحد أهم زبائن فرنسا»، بعدما كشفت مصادر عدّة عن مجموعة من الاتفاقات الاقتصادية التي كانت ستُوقَّع بالخطوط العريضة خلال زيارة الملك لباريس، أهمها اتفاق تعاون في مجال الطاقة النووية (2.1 مليار يورو) تعوّل عليه فرنسا كثيراً لـ«تعويض» الاتفاق مع الإمارات الذي ذهب لكوريا الجنوبية. كذلك فإنّ شركة ألستوم، رغم كيل الانتقادات الموجهة إليها لـ«مشاركتها ببناء ترام يربط القدس بالمستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية»، كانت مرشحة للفوز بمناقصة تلزيم توريد قاطرات وأجهزة تسيير خط سكك حديدية بين الأماكن المقدسة في المملكة وجدة على ساحل البحر الأحمر بنحو ١٠ مليارات يورو.
ويزداد عجب المراقبين في ما يتعلق بالشق السياسي، إذ يدرك الجميع أنّ «التقارب السوري السعودي هو الذي سهّل نجاح مقاربة ساركوزي في الملف اللبناني»، والحاجة اليوم إلى دور سعودي في ملف أفغانستان، حيث سُجّل قبل أسبوع سقوط الجندي الفرنسي الرقم ٤٥ منذ ٢٠٠٢. إضافة إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، بانتظار أن تخرج مصر من «ضباب أفق الانتخابات الرئاسية».
إلا أنّه، وفق ما علمت «الأخبار»، فإنّ تقاطع الظروف جعل للطرفين السعودي والفرنسي مصلحة في الإلغاء والتأجيل. وقد عملت بعض المصادر على تسريب حديث دار بين وزير الدفاع الفرنسي إيرفيه موران والملك نشرته «لوفيغارو» جاء فيه: «لا حق لإسرائيل أو لإيران في الوجود». وهو رغم النفي السعودي كلام يثير حفيظة عدد من الدوائر الفرنسية، إذ إنّ الدمج بين الدولة العبرية وإيران، في الوقت الذي تبدو فيه فرنسا رأس حربة مواجهة طهران غير مقبول.
من جهة أخرى، يبدو أنّ إعادة فتح ملف عقد «سواري ٢» (٣ مليارات يورو) قد «أزعج السعوديين كثيراً»، حسب قول خبير مقرب من الملف. إذ إنّ هذا العقد موازٍ لعقد «أغوستا» (٨٥٠ مليون يورو) لبيع غواصات لباكستان، الذي يشك في أنّ التمنع عن دفع العمولات لعدد من العملاء المقربين من المملكة الوهابية كان وراء تفجير كراتشي الذي ذهب ضحيته عشرة فرنسيين. ويبدو من تحقيقات كشفتها وسائل الإعلام أخيراً أنّ «سلة عمولات العقدين كانت مترابطة مشتركة» بين «ممثل الملك فهد علي بن مسلم ورجال سياسة فرنسيين»، حسب قول محامي رجل الأعمال السعودي عمر حجاج. وجاء في تحقيق كان من المفروض أن يبقى سرياً تحت عنوان «نوتيلوس» أنّ «أميراً سعودياً حاول رشوة أهالي الضحايا الفرنسيين»، ما دفع بابنة إحدى الضحايا ماغالي دوويه إلى التساؤل على صفحات الإعلام عن «سبب اهتمام السعودية بدفع فدية التفجير؟». ويأتي هذا الانفلاش الإعلامي في الوقت الذي يقول فيه أكثر من مراقب إنّ ما يتهدد ساركوزي هو فضيحة كراتشي أكثر من أي فضيحة أخرى، إذ إنّ ضحاياها كانوا «نخبة من مهندسي السلاح الفرنسي» المتخرجين من أهم كليات فرنسا، وهم ينتمون إلى «روابط جد متماسكة ومؤثرة» لها تأثيرها في الدوائر السياسية تؤدي دور لوبي لن يتغاضى عن كشف ما وراء التفجير الإرهابي.
بالطبع إلى جانب الشق البروتوكولي، لم يكن من مصلحة العاهل السعودي الوصول إلى باريس في أجواء الفضائح التي تنال من سلطة ساركوزي، والتي يمكن أن تذكر بعقدي الغواصات، ولم يكن هذا أيضاً من مصلحة الرئيس الفرنسي، إضافة إلى أنّ يوم استقبال الملك في ١٣ تموز يصادف اليوم الذي سيصوت فيه البرلمان الفرنسي على «منع النقاب»، فيتساءل البعض إن كان من مصلحة ساركوزي في هذا اليوم لقاء زعيم دولة نصف سكانها مبرقعات؟