المحكمة العليا قضت بتقسيم الموقع المقدس بين الديانتينشهيرة سلّوم
بعد 60 عاماً، قررت المحكمة العليا في الهند إنهاء النزاع على موقع مقدس متنازع عليه بين المسلمين والهندوس عبر تقسيمه، كي لا يكون هناك منتصر أو مهزوم، وكي يكون لكل ديانة بيت للعبادة. لكن الأطراف المتنازعة لم ترحب بالقرار، وأعربت عن نيتها بالاستئناف.
وبموجب حكم محكمة الدولة العليا في ولاية أوتار برادش، الذي يعد بمثابة تسوية للطرفين، يحصل المسلمون على ثلث مساحة الموقع المتنازع عليه، أما الهندوس فيسيطرون على الثلثين، ثلث لبناء معبد للإله رام، والثلث الثاني لمنظمة الدين الهندوسي التي تتخذ من آيودا مقراً لها. وقال المحامي رافي شنكر براساد إن الحكم أقر بأن «المعبد المؤقت هو مولد للإله راما». ولفت القرار إلى أن الوضع الحالي للموقع سيبقى على ما هو عليه ريثما يُنفّذ الحكم بطريقة سلمية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
المحامي ظفر ياب جيلاني، الذي يمثل الطرف المسلم في القضية، قال إنه سيلجأ إلى استئناف الحكم، رغم إقراره بأنه لا يمثل «ظفراً أو هزيمة لأي طرف. وهو خطوة إلى الأمام». الطرف الهندوسي بدوره قال إنه سيلجأ إلى الاستئناف أيضاً.
وعن الجانب الهندي، ترافع في القضية ثلاثة من الهندوس، فيما مثل المسلمون مجلس الأوقاف السني المركزي لولاية أوتار براديش، وهي هيئة منتخبة تدعي الأحقية بموقع مسجد بابري منذ الأربعينيات حتى اليوم، إضافة إلى 8 أفراد مسلمين.
المسلمون يقولون إن مجمع آيودا (مساحته 25 هكتاراً)، الذي يبعد نحو 350 ميلاً إلى الشرق من العاصمة الهندية، نيودلهي، يضم آثار المسجد الذي بناه الإمبراطور المغولي بابار في القرن السادس عشر (1528 ميلادي) على أثر هزيمته أمام ملك هندوسي. ويرون أن أهمية الموقع تنبع من قدسيته بيتاً للعبادة عند الطائفة المسلمة، التي تعاني التهميش والتمييز في الهند، لا لأهميته التاريخية أو لأن الإمبراطور بابار بناه إبان الفتوحات الإسلامية. ويرون في بابار بطلاً: كان متسامحاً وأميراً محارباً. كان يقول لأبنائه: «أنتم في بلاد معظم المواطنين فيها هندوس، وعليكم أن تحترموا ذلك». ويرون أن شخصاً بهذه الأخلاق لا يمكن أن يأمر بتدمير المعابد.
الرواية الهندوسية تقول إن المسجد بُني على أنقاض معبد للإله رام، يعود إلى القرن الحادي عشر، بعدما دمرته قوات بابار، أول إمبراطور مسلم مغولي للهند. لذلك أطلق على المسجد اسم بابري تكريماً له. لكنه يُعرف باسم «مسجد الجنمثان» أي مسجد الولادة، في إشارة إلى مولد الإله راما فيه. والتدمير في حينها لم يقتصر على معبد الإله، بحسب الهندوس، بل شمل العديد من المواقع والآثار الدينية للديانة الهندوسية.
كذلك يرون أن الإمبراطور بابار كان «إرهابياً أجنبياً»، ولا يمكن الهندوس أن يسمحوا بإمرار «جرائمه وسرقاته التاريخية».
ويقول الهندوس أيضاً إن هناك أكثر من 30 ألف معبد دُمِّرت وبُنيت على أنقاضها مساجد أو تحولت إلى ملكيات إسلامية في الهند. لذلك يخشى المسلمون أن تمثّل قضية مسجد بابري مقدمة للاستيلاء على بقية المواقع الإسلامية في الهند بحجج تاريخية.
أما أول الاشتباكات على الموقع المقدس، فقد وقعت في عام 1853، حينها حصلت تظاهرات للطرفين وادعاءات بأحقية الموقع التاريخية. ودخل النزاع في دوامة دموية وتصاعد مع الاقتتال الطائفي في عام 1992، وذلك عندما عمد هندوس متطرفون إلى هدم مسجد بابري في موقع آيودا، بعدما نفّذ أكثر من 150 ألف «كار سيفاكس» أو متطوع، ينتمون إلى الحزب القومي الهندوسي المتشدد، هجوماً شرساً على المسجد، اشتعلت على أثره اشتباكات طائفية وتظاهرات للمسلمين في كل أرجاء الهند سقط خلالها أكثر من 2000 قتيل. وكانت معظم الهجمات، التي شنها مسلمون في ما بعد على مواقع هندية تتخذ من تدمير مسجد بابري دافعاً لها، لتتجدد الاشتباكات الطائفية عند كل منعطف تمر به البلاد.
في عام 2002، أحرق مسلمون نحو 59 هندوسياً أحياءً، عند عودتهم من موقع المسجد المهدم، لتتجدد على أثرها التوترات الطائفية. توترات اتخذت أبعاداً إقليمية، وهي بطبيعتها لا تنفصل عن القضية الكشميرية والنزاع الهندي الباكستاني.
وخوفاً من أي انعكاسات أمنية لقرار المحكمة، نشرت السلطات 200 ألف عنصر أمني، واعتقلت أكثر من 10 آلاف شخص، وأجبرت 100 ألف آخرين على توقيع تعهد بعدم افتعال أي مشاكل بسبب قرار المحكمة.
وقضية مسجد بابري تمثل وجهاً للاشتباكات الدينية في الهند التي تحتضن ثاني أكبر كتلة بشرية في العالم، بحيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 1.15 مليار نسمة.
وصحيح أنها مهد الديانة الهندوسية، وأكثر من 83 في المئة من سكانها هندوس، لكن المسلمين يمثّلون نسبة عالية من سكانها، إذ يتجاوزون 140 مليون نسمة، لا تقارن بذلك إلا مع الدول الإسلامية الكبرى (من حيث الكثافة السكانية) كإندونيسيا وباكستان. وهي تضم إضافة إلى ذلك طائفة السيخ وبوذيين ومسيحيين.
لكن التوترات الدينية داخلها أثارت شكوكاً في طبيعتها العلمانية، فهي تقدم نفسها ديموقراطية متعددة الثقافات، إذ إن المسلمين يدعون انتهاك حقوقهم الدينية والتضييق عليهم من الغالبية الهندوسية. كذلك إن السلطات الهندية تتهم جماعات إسلامية مسلحة بالإرهاب، والولاء لأطراف خارجية. أزمة سببها فشل الدولة في تقديم نفسها دولةً علمانية كما تدعي.