فقد الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، أكثرية الثلثين التي كان يجدها مقياساً لنجاحه في الانتخابات التشريعية. لن يبقى الرئيس اليساري طليق اليدين، وذلك قبل عامين فقط من الرئاسيات
بول الأشقر
تبدّل المشهد السياسي الفنزويلي مع ظهور نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الأحد من دون مشاكل تُذكَر، ووسط مشاركة كثيفة وصلت إلى عتبة 66.45 في المئة. والتبدل الحاصل مرتبط أولاً بهذه المشاركة اللافتة لكافة الأطراف السياسية التي وضعت كل قواها في تفعيل الاستحقاق، بعكس ما حصل في انتخابات عام 2005، حين قاطعت المعارضة ولم يشارك إلا 25 في المئة من الناخبين. عندها، احتكرت الموالاة جميع مقاعد البرلمان تقريباً، وحوّلته في الواقع إلى ذراع من أجهزة السلطة التنفيذية.
الجديد الآخر هو في عودة المشهد السياسي إلى ميزان قوى قريب من ذاك الذي كان سائداً في أولى سنوات الثورة، عندما حصلت الموالاة التشافيزية على نحو 90 مقعداً والمعارضة على نحو 75 مقعداً، بينما كانت المشاركة بحدود 55 في المئة في الانتخابات النيابية لعام 2000.
هذه المرة، تدل النتائج الرسمية غير المكتملة على أنّ «الحزب الاشتراكي الموحّد» الحاكم وحلفاءه أوصلوا 96 نائباً، فيما حصل الائتلاف المعارض (الوحدة الديموقراطية) على 59 مقعداً، و«الوطن للجميع» ـــــ وهو انشقاق عن التشافيزية كان يطمح إلى تشكيل خيار ثالث ـــــ على نائبين، بينما يبقى على المجلس الوطني إعلان الفائزين عن 6 مقاعد باقية.
إذاً، حصلت الموالاة على أكثرية أعضاء مجلس النواب، لكنها فقدت غالبية الثلثين التي ردّد تشافيز، خلال الحملة الانتخابية، أنه إن لم يحصل عليها، فـ«سيكون النصر بطعم الهزيمة». لكنه، بعد صدور النتائج، أرسل رسالة على شبكة «تويتر» على الإنترنت، كتب فيها: «حققنا انتصاراً صلباً كافياً لتعميق الثورة».
في الواقع، ما يخسره تشافيز في فقدانه أكثرية الثلثين هو خسارة احتكاره لجدول الأعمال السياسي وللصلاحيات الاستثنائية وللتحكم بالتعيينات، ومن بينها القضائية. سيكون مضطراً إلى التفاوض في المجلس «التعددي» الجديد، وحتى لعقد تحالفات بهدف إمرار بعض القوانين التي تتطلب أكثريات موصوفة. يبقى أنّ حزبه «الاشتراكي الموحّد» ثبّت موقعه كقوة سياسية هي الأقوى في البلاد، رغم أن النتائج تدل أيضاً على أنّ شعبية الرئيس، التي تبقى أوسع من شعبية أي زعيم آخر، لم تعد كافية وحدها لتبرير سلوكه السياسي، ولوضعه خارج المساءلة إن لم ينجح في معالجة مشاكل حياة الناس اليومية، وفي مقدمتها نسبة الجريمة.
في الطرف الآخر، يستطيع «منبر الوحدة الديموقراطية»، وهو اسم الائتلاف المعارض، الذي يضم نحو 30 حزباً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، أن يحتفل بالنتائج. أولاً، لأنه بقي موحَّداً حتى إجراء الاستحقاق، مستخلصاً ضرورة المشاركة والتوحد في مقابل خصم بقوة تشافيز. ثانياً، لأن وجوده داخل المجلس لن يكون مجرد وجود رمزي، بل إنّ حجم كتلته، بتخطّيها عتبة ثلث المقاعد، تؤهله لأن يتحول إلى لاعب فاعل. ثالثاً، بانتظار النتائج المفصَّلة، يبدو أن المعارضة حصلت على نسبة من الأصوات توازي تلك التي حصلت عليها الموالاة ـــــ تدعي المعارضة أنها حصلت على 52 في المئة من الأصوات ـــــ ما يعني أن الانتخابات الرئاسية التي لمحت إليها المعارضة بعد صدور النتائج، لن تكون نزهة لتشافيز، مع أن ظروفها تختلف حتماً عن الانتخابات النيابية.
أخيراً، بالنسبة إلى نتائج «الخيار الثالث»، أي «الوطن للجميع»، الذي يجمع منشقين عن التشافيزية، والذي لم يحصل إلا على نائبين، هي تأكيد جديد لقوة الاستقطاب الذي تنتظم حوله الحياة السياسية الفنزويلية.
أما في التفاصيل، فقد مرّ اليوم الانتخابي الطويل بهدوء، علماً بأن الناخبين تحسّبوا للعواصف بالتوجه باكراً إلى صناديق الاقتراع، وانتظرت الأطراف المتنافسة صدور النتائج بصبر، بعكس عادتها ومن دون تسريب نتائج أو إطلاق تصريحات نارية.
تبدأ الآن حقبة جديدة من الثورة البوليفارية، بعدما استعادت الانتخابات شرعيتها المؤسساتية، وأثبت الخصمان شرعيتهما الشعبية: على هوغو تشافيز أن يتعلم فنون التفاوض والمساومة، وحتى التحالف مع بعض خصومه، وعلى المعارضة الخروج من فنون «المعارضة من أجل معارضة تشافيز»، والحفاظ على وحدتها وتنظيم صفوفها لاستحقاق الانتخابات الرئاسية بعد سنتين. استحقاق سيكون، حتى إشعار آخر، أصعب عليها من انتخابات الأحد الماضي.