Strong>عندما تسيطر كارتيلات المخدّرات على الحدود الجنوبيّة لأميركافجأة، لم يعد المشاهد يفهم شيئاً عن المسلسل المكسيكي وكيف قفز خلال سنوات معدودة إلى هذا التفنّن في التنكيل: رجل أذاب أكثر من 300 جثة، مجازر داخل مصحّات للمدمنين، جثث معلّقة على الجسور، جثت بلا رؤوس، جثث قطع منها العضو الجنسي ووضع في فم الضحية. للمكسيك، كباقي دول المنطقة، تاريخها العنفي ولها قصّتها التقليدية مع المخدرات. طبخة معقدة تغذيها الحدود مع الولايات المتحدة والهجرة إليها وطلبها للمخدرات الذي لا ينضب... والديموقراطية المنقوصة التي نجحت الكارتيلات المكسيكية، وريثة الكولومبية، في استغلال ثغرها... وحرب الدولة عليها وحربها الأهليّة في ما بينها

بول الأشقر
أكثر من 3 آلاف كيلومتر حدود على خط مستقيم من المحيط الهادئ إلى الأطلسي. أطول حدود بين بلد غنيّ وآخر فقير... مجال مفتوح، أعلى كثافة مرور للناس والبضائع... مجال مقفل، أطول جدار وطائرات تصور دون انقطاع بحثاً عن «اللاشرعيين» وعن مخدرات.
تاريخياً، تصدر المكسيك (أول منتج في العالم) الماريغوانا للولايات المتحدة. وصارت، بطلب من هذه الأخيرة، تزرع الخشخاش (ثالث منتج في العالم) خلال الحرب العالمية الثانية لتأمين حاجات الجيش الأميركي من المورفين.
في الثمانينيات، سيطر بابلو إسكوبار على تجارة الكوكايين في العالم. بعدما فككت شبكاته في فلوريدا ودول الكاريب، بحث عن شراكة مع المكسيكيين للوصول إلى الولايات المتحدة: هكذا صارت شبكات تهريب الماريغوانا تستعمل أيضاً لنقل الكوكايين، و«عمال النقل» يقبضون نقداً كلفة خدماتهم. في نهاية الثمانينيات، تبدل أسس العقد: المكسيكيون يقبضون ما بين 35 و50 في المئة من الحمولة، ومع حصولهم على مادة الكوكايين، صار بوسعهم أن يفتحوا على حسابهم. قبل ذلك وللأمانة، كانت أقدم الكارتيلات المكسيكية المتمركزة على شاطئ المحيطين تشتري «البودرة البيضاء» مباشرة من المصدر الكولومبي. مع مقتل إسكوبار في ميديين عام 1993 وتفكيك كارتيل كالي في نهاية التسعينيات، تحولت الكارتيلات المكسيكية من لاعب ملحق إلى لاعب أساسي. اليوم، إنها اللاعب الأساسي في القارة من شمالها إلى جنوبها، ويقدر أنها تسيطر على 70 في المئة من المخدرات (أول مصدر للأمفيتامين أيضاً) وعلى 90 في المئة من الكوكايين التي تدخل الولايات المتحدة.
عام 1989، حدثان إيجابيان بحد ذاتهما، أما النتائج فقصة أخرى. الأول سياسي: يفوز مرشح من المعارضة («العمل الوطني») للمرة الأولى في انتخابات حاكمية ولاية. يخسر الـ«بري» (الحزب الثوري المؤسساتي الذي حكم المكسيك من الثورة) احتكار السلطة المحلية التي لم تعد مجرد قناة انتقال للسلطة المركزية. إنها أول بروفة ولو معكوسة لانتصار المعارضة التاريخي في الرئاسيات بعد 70 سنة من حكم الـ«بري». عام 2000 ، أصبح الرئيس فيسينتي فوكس من «العمل الوطني»، فيما أكثرية الولايات بأيدي «بري». هنا، يبدأ مشهد المخدرات الجديد: قبل الديموقراطية، أو بالأحرى قبل تقاسم السلطة، الكارتيلات تعمل تحت مراقبة السلطة وتدفع خوة (والأصح حصة) تعود هذه الأخيرة لتوزعها بقنواتها. بعد تقاسم السلطة، يتبدل ميزان القوى بين الكارتيلات والسلطات المحلية، الطرف الضعيف في المعادلة، وصارت الكارتيلات توزع مباشرة الموارد في مناطق نفوذها... إنها بداية تأقلم الثورة المكسيكية مع الديموقراطية... إنها أيضاً بداية انفلات الكارتيلات من السلطة السياسية... وتخلخل التوافق الضمني مع الـ«بري»، الذي فقد احتكاره للسلطة السياسية، ما فتح المجال لسنّ تشريعات بوحي من كارتيلات محددة لمحاربة كارتيلات محددة.
الحدث الثاني أمني: بسبب مقتل موظف أميركي، يتم اعتقال الضابط السابق ميغيل أنخيل قيليكس غايردو. «العراب» غايردو هو زعيم كارتيل غوادلاخارا وأول من تعاطى مع الكولومبيين. بداية، يتابع غايردو أعماله من السجن ثم بعد نقله إلى سجن أكثر صرامة في التسعينيات، ينفجر الكارتيل بين «تيخوانا» (أولاد شقيقه) و«سينالوا» (ضباطه). قصة نموذجية ستتجدد مراراً وتبيّن أن اعتقال قيادات مفاتيح في كارتيلات تقليدية (تضمن نوعاً من الاستقرار الاجتماعي) ستؤدي إلى ظهور كارتيلات جديدة من أحشاء الكارتيلات التقليدية وإلى تفجير صراعات دموية للسيطرة على مناطق إنتاج المخدرات وطرق تهريبها.
يصل الرئيس فيليبي كالديرون إلى السلطة في نهاية عام 2006 بعد انتخابات انقسمت البلد حول نتائجها، وبالتالي حول شرعيته. فور تسلمه الحكم، يعلن كالديرون من دون سابق إنذار _ وهو من «العمل الوطني» مثل سلفه فوكس _ حرباً شاملة على كارتيلات المخدرات. بعد عشرة أيام، يرسل 6500 جندي لمحاربة «كارتيل العائلة» في ولاية ميشاوكان... وتلي هذه العملية الكبيرة عمليات مشابهة ضد «كارتيل تيخوانا» في ولاية «كاليفورنيا باخا» (نيسان 2008) وضد «كارتيل خواريز» في سيوداد خواريز (آذار 2009). اليوم ينتشر 50 ألف جندي في الولايات لخوض هذه الحرب التي تساهم في تمويلها، منذ أكثر من سنتين، الولايات المتحدة بواسطة «مبادرة ميريدا»، وذلك من دون تعداد الشرطة المركزية وشرطة الولايات. عدد الضحايا سيتخطى الـ30 ألف قتيل قبل نهاية السنة، أكثريتهم من الكارتيلات التي تخوض حرباً «أهلية» في ما بينها، إلى جانب حرب الدولة عليها. وتستمد الكارتيلات قدرتها على الاستمرار من إفساد السلطات المحلية من شرطة وجمارك وجيش، ما يفخخ خطوات السلطة المركزية التي تقوم بعمليات تطهير دائمة في صفوفها والتي تحاول سنّ تشريعات لمركزة الأمن بأيديها على حساب الشرطة المحلية التي تعتبرها عاجزة عن مصارعة شبكات لم تعد محلية.
بدورها، أجرت الكارتيلات تغييرات بنيوية في صفوفها للتأقلم مع «حرب كالديرون» كالتوسع خارج منطقة نفوذها الأصلية وتنويع نشاطاتها التي صارت تشمل أيضاً التجارة بالمهاجرين وسرقة الطاقة وفرض الخوات على المؤسسات الاقتصادية والدعارة وعمليات الخطف (معدل 10 آلاف عملية سنوياً). والآتي دائماً أعظم في هذه المعركة الطاحنة، لأن التنكيل أداة لترهيب الأخصام أو لجمهم أو حتى لاستقطابهم، ولأن اقتصار المواجهة على العسكرة يهدد بتحويلها إلى إرهاب. سيارة مفخخة في تموز ومجزرة عمال لاتينوس في آب تشكل دلائل لتطور كهذا، والخشية الآن هي في انتقال المواجهة إلى منتجعات السياح الأميركيين.


7 كارتيلات

في المكسيك اليوم، 7 كارتيلات تتنافس للسيطرة على التهريب وعلى تموين السوق الأميركية الضخمة: أقدمها كارتيلات خواريز (نسبة الى سيوداد خواريز على حدود تكساس) وتيخوانا (على حدود كاليفورنيا) وسينالوا (على المحيط الهادئ) والخليج (على خليج مكسيكو على الأطلسي). جميعها أنشئت في السبعينيات والثمانينيات. الثلاثة الباقية هي كارتيل العائلة (من ولاية ميشاوكان الوسطية وتحمل إيديولوجيا أنجيلية) وكارتيل الأشقاء بلتران ليفا (انشقاق عن كارتيل سينالوا)، والأعنف وربما الأهم كارتيل «لوس زيتاس» أي الـ «Z» (في الأساس فرقة كوماندوس من الجيش تدربت عند الأميركيين ثم تحولت إلى ميليشيا كارتيل الخليج قبل أن تنشق عام 1999). الكارتيلات الأخيرة هي نتاج العقد الأخير. ومع أن التحالفات بينها هشّة ومتوترة ومؤقتة، إلا أن هناك دلائل على حصول استقطاب في الفترة الأخيرة بين محورين: محور يشمل كارتيل خواريز وتيخوانا ولوس زيتاس وبيلتران ليفا، ومحور يضم كارتيل الخليج وسينالوا و«لا فاميليا» (العائلة). أبرز القيادات الحالية: خواكيم غوزمان («التشابو») زعيم كارتيل سينالوا الذي فرّ من المعتقل، وهيريبرتو لازكال («Z3») زعيم لوس زيتاس.