بدأ العدّ العكسي لانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس الأميركي، التي ستجرى في الثاني من تشرين الثاني المقبل. ويحاول الجمهوريون سلب الغالبية من الديموقراطيين، الذين تتراجع شعبيتهم، في هذه الانتخابات التي تعدّ استفتاءً على الحزب الحاكم بعد سنتين على دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، فيما يعوّل الديموقراطيون على «إنجازاتهم» الداخلية للخروج بأقلّ الخسائر الممكنة
ديما شريف
هل يكرر الجمهوريون إنجاز 1994 في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي ويطيحوا الغالبية الديموقراطية، ليبدأ عهد المساكنة بين رئيس ديموقراطي وغالبية نيابية جمهورية؟ سؤال على لسان كلّ الأميركيين من جمهور عادي إلى سياسيين ومحللين ومراقبين. ومع انتهاء الانتخابات الداخلية في كلّ الولايات لاختيار مرشحي الحزبين، يبدو أنّ شعبية الديموقراطيين، وفقاً لاستطلاعات الرأي، في تراجع كبير مع تقدم للجمهوريين عليهم بأكثر من عشر نقاط في بعض الأماكن.
وهذا تحديداً ما حصل في 1994. حينها كان الديموقراطيون يبدأون عامهم الثاني مع بيل كلينتون، وهو يحوز نسبة تأييد وصلت إلى 58 في المئة، لكنّ الأمور تدهورت وخسر الحزب الحاكم يوم الانتخابات 54 مقعداً في مجلس النواب وثمانية مقاعد في مجلس الشيوخ.
إلى جانب ذلك، خسر الديموقراطيون منصب الحاكم في إحدى عشرة ولاية، والغالبية في 16 مجلس نواب محلياً في الولايات. هكذا سيطر الجمهوريون على مجلسَي الكونغرس معاً للمرة الأولى منذ عام 1952، وسيطروا على غالبية المجالس التشريعية المحلية في الولايات منذ أربعين عاماً.
ما حدث كان كارثة بكل ما للكلمة من معنى، يتذكرها الديموقراطيون بمرارة كلّما حلّ التجديد النصفي للكونغرس، ليحاولوا التعلم من أخطائهم. ويتساءل الجميع هل ستتكرر هذه الكارثة نهاية العام؟ إذ منذ بداية العام الثاني للرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، تنخفض نسبة تأييده وترتفع، لكنّها ثابتة في الأربعينات (48 في المئة نسبة تأييد أول أيلول الجاري) أيّ أقل بكثير مما بدأ به ولايته، أي 75 في المئة. وبعد استطلاع في بداية العام أجرته شبكة «سي. إن. إن» أظهر أنّ 52 في المئة من الأميركيين لا يعتقدون أنّ أوباما يستحق إعادة انتخابه رئيساً، يأتي استطلاع لمؤسسة راسموسن يفيد بأنّه رغم وجود 48 في المئة من الأميركيين ممن يوافقون على ما يفعله الرئيس، فإنّ 21 في المئة فقط يساندونه في كلّ ما يفعله. وأظهر استطلاع آخر أنّ 43 في المئة يعتقدون أنّ أعضاء الكونغرس الديموقراطيين يستحقون إعادة الانتخاب، فيما يظن 39 في المئة أنّ الأعضاء الجمهوريين يستحقون ذلك أيضاً.
خسر الديموقراطيّون في انتخابات 1994، 54 مقعداً في مجلس النواب وثمانية مقاعد في مجلس الشيوخ
رغم هذه النسب المنخفضة، يؤمن كلّ حزب بأنّه سيكون الرابح في الانتخابات التي يحاول الجمهوريون تحويلها إلى استفتاء حول الحزب الحاكم. وفي سبيل تحقيق ذلك، وجه الجمهوريون كلّ أموالهم ونشاطهم للهجوم على الديموقراطيين. ولم يخف قادة «الحزب العظيم»، كما يسمي الجمهوريون حزبهم، هذه الخطة. فأعلن زعيم الأقلية في مجلس النواب، إريك كانتور، أنّ حزبه سيهاجم الديموقراطيين على رزمة التحفيز، قانون الرعاية الصحية ومشروع خفض انبعاثات الكربون. يسمي الجمهوريون ذلك «استراتيجية 80 ـ 20»، أي صرف 80 في المئة من الوقت في الهجوم على الديموقراطيين، وتخصيص الوقت الباقي للحديث عن أفكارهم ومشاريعهم الخاصة.
يؤمن كانتور، كغيره من الجمهوريين المتفائلين، بأنّ هذه الخطة تدفع إلى الأمام بفرصهم في الفوز بالمقاعد الأربعين الإضافية التي يحتاجون إليها للحصول على الغالبية في مجلس النواب. يعتمد الجمهوريون في تفاؤلهم هذا على ما تظهره لهم استطلاعات الرأي، التي تجريها لحسابهم بعض المؤسسات، من أنّ هناك استياءً عاماً من سياسات الديموقراطيين.
ورغم اعتراف الجمهوريين بأنّ صورتهم مع الجمهور ليست أفضل حالاً من الديموقراطيين، إلا أنّهم يعوّلون على إمكان استفادتهم من سخط الناس العاديين على واشنطن.
فالناس يشعرون بعدم الأمان في ظل استمرار تبعات الأزمة المالية العالمية مع ارتفاع نسب البطالة في كلّ الولايات، التي وصلت إلى اكثر من عشرة في المئة. ويرى الجمهوريون أنّ من المستحيل أن يستعيد الناس شعور الأمان الاقتصادي في الفترة الباقية حتى موعد الانتخابات.
ويعتقد الجمهوريون إلى جانب ذلك، أنّ هناك إشارات على بدء تشكل موجة استياء توحي بنتائج مماثلة لما حصل عام 1994، أو لما حصل في 2006 حين كان الناس قد ضجروا من الجمهوريين فأعطوا الديموقراطيين الغالبية. ويستشهد هؤلاء بنتيجة انتخابات ولاية ماساشوستس الفرعية، بداية العام الجاري، التي خسر فيها الديموقراطيون مقعد تيد كينيدي على نحو مفاجئ، وخصوصاً أنّ الولاية تاريخياً لهم.
كذلك يعوّل مناصرو «الحزب العظيم» على زيادة عدد المتقاعدين من الجانب الديموقراطي. إذ وصل عدد من قرر عدم الترشح مجدداً في انتخابات الخريف إلى خمسة شيوخ وخمسة عشر نائباً، تقاعد بعضهم، فيما قرر البعض الآخر الترشح إلى مناصب الحاكم أو تغيير عملهم بكلّ بساطة. وسيكون من الصعب على الديموقراطيين ضمان احتفاظهم بهذه المقاعد مع وجوه جديدة. ويتوقع الجمهوريون ربح 70 في المئة من هذه المقاعد، مقابل سلب 10 إلى 15 في المئة من مقاعد قدماء منافسيهم.
من مخططات الجمهوريين أيضاً لكسب نقاط، تقديم مرشحين سود ومن أصول إسبانية وآسيوية ونساء، إذ ستؤلّف الأقليات ربع مرشحيهم، في تغيير عن صورة الحزب المعتادة المكونة من رجال بيض فقط.
إلى جانب خطط الجمهوريين، هناك بعض المشاكل الخاصة بالديموقراطيين التي ستسهل ربما المهمة على «الحزب العظيم». أهم هذه المشاكل على الإطلاق الوضع السيئ الذي وصلت إليه العلاقات بين فاعلي واشنطن المهمين. فالأمور بين أوباما ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ورئيس الغالبية في مجلس الشيوخ هاري ريد ليست على ما يرام. وبات من شبه المؤكد عدم عودة بيلوسي إلى منصبها، في حال فوزها بمقعدها من جديد، بطلب من الديموقراطيين أنفسهم الذين يعتقدون أنّها أضعفت موقفهم كثيراً داخل مجلس النواب.
الغضب المتبادل بين الديموقراطيين يبدو واضحاً في مجلس النواب، حيث تلوم بيلوسي والديموقراطيون رئيسهم أوباما بأنّه تلكأ في منتصف 2009 ولم يدفع بقانون الرعاية الصحية كما يجب، ما أدى إلى هذا التأخير الكبير لإقراره.
كذلك تشير بعض المصادر من داخل مجلس الشيوخ إلى توتر في العلاقة بين رئيس الغالبية فيه هاري ريد ورئيس موظفي البيت الأبيض راحم عمانوئيل، إلى جانب العلاقة السيئة بين ديموقراطيي مجلس النواب وديموقراطيي مجلس الشيوخ المتوترة أصلاً. ولم يتوان عدد من النواب عن توجيه سهامهم إلى محازبيهم في مجلس الشيوخ في السر والعلن. ويتهم بعض النواب الشيوخ بأنّهم ليسوا على تماس دائم مع الشعب لأنّ فترة وجودهم في المجلس أطول من تلك الخاصة بزملائهم النواب. ويقف عمانوئيل في وسط هذه المعمعة. فيتهمه النواب بأنّه أجبرهم على التصويت إلى جانب قانون قاسٍ حول تخفيف انبعاثات الكربون وقانون الرعاية الصحية، فيما ترك الشيوخ الديموقراطيين ليتشاوروا على نحو غير مجدٍ لشهور حول المسألتين. ولم يعجب الشيوخ بما سمعوه عن أنّ عمانوئيل يتحدث بالسوء عن عملهم أمام زوار البيت الأبيض. كما أنّ «كاريزما» الرئيس الأميركي لم تعد تنفع في زيادة الدعم لحزبه، مقابل إبعاد بعض الديموقراطيين أنفسهم عن حزبهم في إعلاناتهم الانتخابية.
تسود داخل الحزب الحاكم خلافات بين أوباما وبيلوسي وريد وعمانوئيل تخرّب صورة الحزب المتماسك
ولم يكن النواب الديموقراطيون سعداء بقرار سيد البيت الأبيض مراجعة سياسته والاستعانة بمدير حملته الانتخابية دايفيد بالوف لتجنب خسارة مدوّية في تشرين الثاني. هكذا يبدو الحزب غير متماسك أمام مناصريه والشعب الأميركي. وما زاد من هموم الحزب فضيحة المجموعة المالية غولدمان ساكس، التي تبيّن أنّها غشت في ما يتعلق بالرهونات العقارية، إذ إنّ عدداً كبيراً من أعضاء الفريق الاقتصادي في إدارة أوباما أتى من المجموعة. ولم يساعد إمرار قانون الرعاية الصحية الوضع الديموقراطي بين الفقراء خصوصاً، في وقت يستبعد فيه بعض المحللين أن يكون هناك تأثير إيجابي للانسحاب من العراق الذي اتخذ القرار بشأنه قبل وصول أوباما إلى البيت الأبيض.
وقليلاً ما يصوّت الأميركيون بناءً على ما يحدث خارج حدودهم، فرغم السخط الكبير في الداخل من حربي العراق وأفغانستان، انتخب جورج بوش الابن لولاية ثانية.
وآخر «فضيحة» قد تؤثر على المرشحين الديموقراطيين هي معلومات صادرة عن دائرة الإيرادات الداخلية أو مصلحة الضرائب بأنّ 41 من موظفي البيت الأبيض يدينون بما يزيد على ثمانمئة ألف دولار للمصلحة على شكل ضرائب لم يدفعوها. وتظهر الأرقام أنّ 638 من موظفي الكونغرس يدينون بما يزيد على تسعة ملايين دولار أيضاً. ولم تحدد الدائرة ما إذا كان من بين هؤلاء نواب أو شيوخ. ورغم أنّه ليس غريباً أن يكون من بين الموظفين الحكوميين من يتخلف عن دفع ضرائبه، فإنّ الجمهوريين سيستغلون ذلك في حملاتهم الدعائية قبل الانتخابات.
لكن رغم هذه الصورة القاتمة، يرى بعض الضالعين في حملة الحزب الديموقراطي أنّ الوضع ليس بهذا السوء. ويؤكد هؤلاء أنّ من المستحيل أن يستيقظ الناس في الثالث من تشرين الثاني المقبل، بعد يوم من الانتخابات، ليجدوا كونغرس يسيطر عليه الجمهوريون.
ويعتمد الديموقراطيون على شعبيتهم بين الناس وكره الأميركي العادي للجمهوريين. فرغم أنّ صورة الحزب بين الناس في تراجع، إلا أن هذا لا ينفي أنّ الوضع مشابه بالنسبة إلى المنافسة، وخصوصاً مع ضجر الأميركيين من حكم جمهوري دام ثماني سنوات.
وبما أنّ الانتخابات تتطلّب أموالاً كثيرة يجد الديموقراطيّون أنفسهم مرتاحين في هذا الشأن، إذ هم يملكون في صندوق لجنة حملة الديموقراطيين الانتخابية ما يزيد على 15.3 مليون دولار، في مقابل 4.3 ملايين دولار فقط في صندوق لجنة الجمهوريين. ويعتمد الديموقراطيون على الحسابات ليتوصلوا إلى استحالة أن يسرق الجمهوريون منهم أربعين مقعداً إضافياً في مجلس النواب لينالوا الغالبية. وما يصبّ في مصلحة الديموقراطيين أيضاً الفضائح التي عصفت باللجنة الوطنية الجمهورية التي يرأسها مايكل ستيل. إذ تبيّن أنّ اللجنة صرفت مبلغ ألفي دولار مقابل غداء عمل في أحد نوادي هوليوود الجنسية. وقد لفلف الموضوع باستقالة رئيس موظفي اللجنة كين ماكاي. ثم أرسلت اللجنة رسائل إلى الناس لتحثهم على الاتصال بأحد الأرقام ليتبرعوا للحزب وليتبيّن أنّ الرقم هو لأحد خطوط شركة توفر «الجنس على الهاتف». وبعد الانتقادات التي وجهت إلى عمل اللجنة، رأى ستيل أنّ الهجوم موجّه ضده لأنّه أسود البشرة ومن الأقليات.
أما النقطة الأهم التي يعتمد عليها الحزب الحاكم ليحافظ على تفوقه، فيلخصها رئيس لجنة حملة الديموقراطيين الانتخابية كريس فان هولن بأنّها الاقتصاد. فهو يتوقع زيادة عدد الوظائف التي ستخلقها رزمة التحفيز وسيستقر الاقتصاد الأميركي أكثر: «هذا سينفجر في وجه الجمهوريين الذين يروّجون لهزيمتنا الاقتصادية».
إلى جانب ذلك، فإّن الجمهوريين فقدوا بعض أهم مرشحيهم في الولايات المحسوبة تاريخياً لهم لحساب مرشحين يمينيين مدعومين من تجمع «حفلة الشاي» المتطرف، الذين سيصبّ تصويتهم داخل الكونغرس لمصلحة الجمهوريين، من دون أن يكونوا ضمن كتلتهم ربما.
إذاً، يرى كلّ من الحزبين أنّه متوجّه للربح في تشرين الثاني المقبل، لكنّ الكلمة الفصل ستكون للجمهور الذي ملّ من الخلافات الدائمة بين الثنائي المتناوب على الحكم، ويرى أنّه لا ينال منه سوى المزيد من الضرائب والحروب ولا يتذكره إلا قبل الانتخابات.
لكن الأكيد أنّه مهما كانت هوية الرابحين من كلا الحزبين، فهناك، كما يقول المنظِّر الماركسي، عالم الجغرافيا دايفيد هارفي، رابح واحد في النهاية هو «وول ستريت». إذ أثبتت العقود الماضية أنّ معظم الفائزين من الحزبين يسعون بعد وصولهم إلى إمرار القوانين لمصلحة المصارف والشركات المالية التي ساهمت في وصولهم، ويمكن أن تساهم في سقوطهم، فيما لا أحد يهتم بالأميركي العادي الذي أظهرت آخر الدراسات الصادرة الأسبوع الماضي أنّ واحداً من كل سبعة منهم يعيش تحت خط الفقر.


نظام المجلسين

يتألف الكونغرس الأميركي من مجلسين: واحد للنواب وآخر للشيوخ. يوجد في الأول 435 مقعداً موزعاً على الولايات حسب عدد السكان فيها، فيما يوجد في مجلس الشيوخ مئة مقعد، تنال كلّ ولاية مقعدين مهما كان عدد سكانها.
تحصل انتخابات الكونغرس كلّ سنتين. فيتم تجديد مقاعد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ الذين ينتخبون لمدة ست سنوات. وهكذا يتجدد المجلس بأكمله كلّ ست سنوات، فيما ينتخب كلّ أعضاء مجلس النواب الذين تدوم ولايتهم سنتين فقط. وتحصل هذه الانتخابات في العادة في نهاية العام الثاني من حكم الرئيس الأميركي، ولذلك تسمّى التجديد النصفي. وفي مجلس النواب اليوم 253 عضواً ديموقراطياً، مقابل 178 جمهورياً، وترأسه الديموقراطية نانسي بيلوسي. وهناك 59 عضواً ديموقراطياً في مجلس الشيوخ مقابل 41 جمهورياً، ويرأسه نائب الرئيس جوزف بايدن.
وتعدّ هذه الانتخابات المؤشر الأبرز على شعبية حاكم البيت الأبيض في منتصف ولايته، والدليل على قبول الناس لسياساته أو رفضها عبر محاسبة حزبه أو مكافأته.