تحتفل اللاتينيات دولة تلو الأخرى بالمئوية الثانية للاستقلال، وبعد المكسيك بأيام، أتى دور تشيلي، حيث نجح الهنود المابوش في إشراك قضيتهم بالحفل العام
بول الأشقر
أمام قصر لامونيدا الرئاسي، جرى احتفال مركزي لمناسبة المئوية الثانية لاستقلال تشيلي، وكان عبارة عن حفل بصري سمعي، شارك فيه، إضافة إلى الحشود الشعبية، آخر أربعة رؤساء بعد عودة الديموقراطية، وينتمون جميعهم إلى الائتلاف المعارض للرئيس سيباستيان بينييرا اليميني.
ونجح الحفل في تحاشي خلافات الماضي، ولا سيما أن مآسي الحاضر أقحمت نفسها فيه، مثل خراب الزلزال الذي أدمى مدينة فالباريزو نهاية شباط الماضي، أو مأساة عمال المناجم الـ33 المستمرة على عمق 700 متر تحت سطح الأرض؛ هؤلاء الذين شاركوا الأمة في عيد الاستقلال بترداد النشيد الوطني من تحت ركام، بعدما نجحت فرق البحث في حفر ممر عرضه 30 سنتيمتراً وصل إلى مستوى مكانهم، على أن تبدأ الآن مرحلة ثانية من المتوقع أن تمتد أيضاً على أسابيع لتوسيع هذا الممر حتى 70 سنتمراً، ما سيسمح بإخراج العمال.
أطلق 34 مابوشيّاً إضراباً عن الطعام لإخراج قضيتهم من قانون محاربة الإرهاب
الزلزال كان نتيجة كارثة طبيعية من المطلوب متابعة ذيولها من خلال إعادة بناء المناطق المهدمة، ومأساة عمال المناجم مزيج من ظروف طبيعية اختلطت بظروف عمل سيئة تقع مسؤولياتها على الشركة المشغلة، وهما قضيتان تستدعيان بطابعهما الإنساني العاطفة والتضامن، وتندرجان تلقائياً في برنامج الاحتفال بالهوية والاستقلال.
لكن المفاجأة كانت نجاح قضية المابوش، وهي قضية الهنود التشيليين الذي يمثّلون نحو 10 في المئة من السكان، في طرق أبواب الحفل بواسطة إضراب عن الطعام يقوم به 34 معتقلاً من المابوش منذ أكثر من 60 يوماً.
قضية المابوش جرحٌ مفتوح ينتظر منذ عقود، وحتى قرون، معالجة جدّية. وهي قصة تمدّ جذورها في التاريخ، إذ عُرف عن هذا الشعب، الماهر في فنون الحرب، الصمود أمام إمبراطورية الإنكا وأمام الإمبراطورية الإسبانية، ولم ينهزم إلا أمام ضربات الأرجنتين والتشيلي المستقلتين، بحكم مواقع وجوده الجغرافي، بعد معارك غير متكافئة قُتل له فيها عشرات الآلاف من أبنائه، دون أن تنطفئ فيه روح المقاومة.
والمابوش موزعون في التشيلي بين مناطقهم التاريخية جنوب البلد وبين ضواحي العاصمة. وقد هاجر جزء من هذه القبائل ليحتل الموقع الأسفل في السلم الاجتماعي المديني، فيما تتقلص أراضيهم التاريخية تدريجاً أمام تقدّم صناعات الخشب والتنقيب عن المناجم ومشاريع الطاقة الكهربائية. وخلال ديكتاتورية أوغستو بينوشيه، صُنف نضال المابوش في إطار قانون معاداة الإرهاب الخاضع للقضاء العسكري. ولم يتغير الإطار القانوني مع عودة الديموقراطية. وقبل عام، عادت إلى الواجهة نضالات المابوش، وكانت احتفالات مئوية الاستقلال الثانية في الأرجنتين فرصة لتظهير حقوق المابوش أيضاً في هذا البلد. وفي بداية تموز، أطلق 34 معتقلاً مابوشياً تشيلياً إضراباً عن الطعام حتى إخراج قضيتهم من إطار قانون محاربة الإرهاب ومثولهم أمام محاكم مدنية وإقامة لجنة حوار. ومع اقتراب مواعيد احتفالات المئوية الثانية للاستقلال، وتزايد أعمال التضامن، خشيت الحكومة تعكير أجواء الاحتفالات بوفاة أحد المضربين عن الطعام فأرسلت إلى الكونغرس مشروعين لإعادة تحديد مدى قانون معاداة الإرهاب وإعادة تنظيم القضاء العسكري.
وأُقرّ القانونان بدعم المعارضة اليسارية التي لم تحصل على دعم اليمين لقوانين كهذين عندما كانت في السلطة. وحاولت الحكومة تحاشي مسألة التفاوض لـ«عدم إعطاء جائزة ترضية» للمضربين عن الطعام. إلا أن قرار الكنيسة أدى دور الوسيط بين الحكومة والمضربين قبل أسبوع لـ«تصفية دين الأمة التاريخي إزاء المابوش»، وهو عامل ضغط إضافي جعل الرئيس بينييرا يعلن أول من أمس خلال أحد احتفالات الاستقلال إطلاق مفاوضات موازية لوساطة الكنيسة، تبدأ اليوم بين وزير مكتب الرئاسة وقيادات المابوش في جنوب البلد.