تتوجه الأنظار اليوم إلى أفغانستان لمراقبة انتخابات الجمعية الوطنية. يأمل الحلفاء الأطلسيون، ومعهم حلفاؤهم الأفغان، من خلالها أن يتحقق شيء في السياسة يعوّض عن العجز الميداني، كأن تقدّم صورة لطيفة للديموقراطية تبرّر جدوى الحرب التي بدأت منذ 9 سنوات وستحدد العديد من الملفات خاتمتها، بدءاً من مستقبل مؤسسة حلف شمالي الأطلسي مروراً بالملف الإيراني
شهيرة سلّوم
على وقع النيران، وتحت التهديد، وفي ظل مئات آلاف الجنود الأجانب، تفتح مراكز الاقتراع في أفغانستان أبوابها اليوم أمام 10.5 ملايين ناخب لاختيار ممثليهم في الجمعية الوطنية «ولسي جيرغا». المجتمع الدولي يراقب الانتخابات بقلق، ويجد فيها اختباراً جديداً لديموقراطيته التي قال إنه زرعها في أفغانستان. لكن لا تلوح في الأفق أي إشارة إلى أن الانتخابات الحالية ستختلف عن سابقاتها لناحية نزاهة الاقتراع أو الطبقة التي ستنتجها، ولا سيما أن هذه الانتخابات هي الرابعة التي تجري في ظل الغزو، بعد انتخابات 2004 الرئاسية و2005 لمجلس المحافظات والبرلمان و2009 لمجلس المحافظات والرئاسة.
وكان مقرراً أن تجري انتخابات «ولسي جيرغا»، التي تؤلّف مع مجلس الشيوخ «مشرانو جيرغا» البرلمان الأفغاني، في أيار الماضي، لكنّ حفلة التزوير التي رافقت الانتخابات الرئاسية أدّت إلى إرجائها حتى 18 أيلول، على وقع انتقادات دولية عارمة، إذ طلبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا من الحكومة إرجاء أي انتخابات ريثما تضع قانوناً انتخابياً جديداً ولائحة بالناخبين المسجلين.
بعدها، صاغت حكومة الرئيس حميد قرضاي، أحادياً، قانوناً انتخابياً جديداً، أقرّ تعيين الأعضاء الخمسة للجنة شكاوى الانتخابات من قبل الرئيس بالتشاور مع رئيس البرلمان، فيما كان سابقاً يجري تعيين 3 أعضاء أجانب من قبل الأمم المتحدة إضافة إلى 2 أفغان، لكنّ مجلس النواب رفض هذا الإجراء.
2577 مرشحاً في 34 مقاطعة يتنافسون على 249 مقعداً تحت أنظار 270 ألف مراقب
وفي23 تموز، مع إقفال باب الترشيحات، أطلق 2577 مرشحاً من 34 مقاطعة حملاتهم الانتخابية للمنافسة على 249 مقعداً في انتخابات مباشرة سيشرف عليها أكثر من 270 ألف مراقب أفغاني ودولي. والاقتراع سيكون وفق نظام «الصوت الواحد غير القابل للنقل»، بحيث يفوز المرشحون الذين يحصلون على أعلى نسبة أصوات. ويقترع الناخب لمرشح واحد، أو مجموعة من المرشحين الوطنيين إذا كان جزءاً من قبيلة كوتشي البدوية، التي تحظى بتمثيل داخل الجمعية خارج إطار المقاطعات.
ويلقى هذا النظام الانتخابي اعتراضات، إذ يمكن أن يفوز مرشح حاصل على 1 في المئة من الأصوات الشعبية على مستوى الأمة. ومن المقرر أن تجري الانتخابات في 5597 مركز اقتراع في كل أرجاء البلاد، بعدما كان مقرراً فتح 6835 مركزاً، قبل أن تفرض الأوضاع الأمنية، بحسب السلطات، إغلاق نحو 1300 مركز. ويخوض غالبية المرشحين الانتخابات مستقلين، على اعتبار أن ثقافة الأحزاب غير مألوفة في أفغانستان. لكن ذلك لا يعني عدم وجود أحزاب، تحمل غالبيتها الصفة الإسلامية، باستثناء الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي الاجتماعي.
ويحتل غالبية مقاعد المجلس الحالي، الذي أنتجته انتخابات 2005، أمراء حرب سابقون وحلفاء لهم، إضافة إلى خصوم لهم، شيوعيون (مع الإشارة إلى أن عمل الحزب الشيوعي الأفغاني محظور، شأنه في ذلك شأن حركة «طالبان»).
وكانت لجنة الانتخابات المستقلة المكلّفة بتنظيم عملية الاقتراع والإشراف عليها قد أبطلت ترشيح 36 شخصاً لارتباطهم بميليشيات غير قانونية، من دون أن يلغي ذلك مشاركة أمراء حرب سابقين وزعماء ميليشيات في الانتخابات الحالية. فقد رأى البعض أن اللجنة «رمت الشبكة لتلتقط الأسماك الصغيرة، بينما القروش تسبح خارجها». وأعربت اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان عن قلقها من وجود العديد من مجرمي الحرب على لائحة المرشحين.

اقتراع تحت النيران

لن تكون انتخابات اليوم مختلفة عن سابقاتها التي جرت بعد الغزو. الحال لم تشهد أي تحسّن أمني، بل هي في تراجع مع ارتفاع عدد القتلى والاعتداءات، إضافة إلى أن الحركات المتمرّدة هي من تمسك بزمام الأمور حالياً.
وعرّض بعض المرشحين حياتهم للخطر منذ إعلان ترشيحهم، وقُتل 4 منهم فضلاً عن 15 شخصاً على علاقة بالانتخابات، بينهم 5 من مساعدي المرشحة فوزية جيلاني في هيرات. كذلك خُطف نحو 19 شخصاً على علاقة بالانتخابات، بينهم مرشح. وتلقّت النساء المرشحات تهديدات بالقتل، إضافة إلى التشهير، إذ تلقّت المرشحة نعمة سورانجار رسالة إلكترونية تقول «أشهر غانية أفغانية ترشّح نفسها للبرلمان».
وانتقدت الحركات المتمردة الانتخابات، وتوعّدت «طالبان» كل من يشارك فيها قائلة: «كل شيء، وكل واحد على علاقة بالانتخابات، سيكون هدفنا. المرشحون، القوات الأمنية، منظّمو الحملات الانتخابية، العاملون في الانتخابات، الناخبون، كلهم هدف لنا».
وعملت القوات الأفغانية وحليفتها الأطلسية على تعزيز الأمن خلال اليوم الانتخابي، وعزّزت انتشار عشرات الآلاف من عناصر القوات الأمنية حول مراكز الاقتراع. لكن وجود نحو 400 ألف جندي أجنبي وأفغاني وشرطي وعناصر للاستخبارات الأفغانية، على الأرجح، لن يمنع تنفيذ التمرد لتهديداته، نظراً إلى دلالات التجارب السابقة.

نساء ونجوم

المجتمع الدولي يجد في الانتخابات اختباراً جديداً لديموقراطيته التي زرعها في البلاد
جولة على لائحة المرشحين تأتي بقصص مثيرة. فالترشيح ليس حكراً على أمراء الحرب السابقين أو زعماء القبائل وغيرهم، بعدما أُتيحت الفرصة للمشاهير لدخول المعترك السياسي. إن نجحوا، فسيكون داخل صرح «ولسي جيرغا» «ألفس الأفغاني»، وهو المغني المشهور ذبيح اله جوانورد، وسيراقب عمل الحكومة الممثل الكوميدي زامير كابولي، مقدّم البرنامج الشهير «سلامات وملامات» الذي ينتقد فيه المسؤولين الحكوميين الذين يتلقّون رشى. والمثير للاهتمام أكثر هو المشاركة النسائية. فقد تمكنت النساء من اجتياح الحقل السياسي بعد إسقاط نظام «طالبان»، مع إقرار الكوتا النسائية داخل المجلس الطارئ لـ«لويا جيرغا» (المجلس القبلي الذي يقرّ في القضايا المصيرية)، إذ حصلت على 10 في المئة من 1600 مقعد.
وفي انتخابات 2005 فزن بـ28 في المئة من مقاعد الجمعية الوطنية، أي أكثر بـ6 مقاعد من الـ25 في المئة التي يقرّها دستور 2004. واليوم تخوض 405 نساء المنافسة من أجل الفوز بـ64 مقعداً على الأقل.
في المجلس الحالي، هناك نساء أفغانيات متميّزات ويشغلن عضوية العديد من اللجان داخل البرلمان، شأن فاريبا أحمدي كاكار وشاكيبا وساهرة شريف وتوربيكاي وجول هار جلال ومالالاي شينواري.
ومنافسة بعض المرشحات للمجلس الحالي تستدعي التوقف عندهن، مثل فريدة تارانا (29 عاماً). هي نجمة برنامج «أفغان ستار» التي تأتي من عالم الموسيقى والغناء. كانت أول امرأة من هيرات تشارك في هذا البرنامج الشعبي. وانتخابات «ولسي جيرغا» ليست الأولى لها، إذ فازت في انتخابات محافظة كابول التي جرت في آب 2009، وحصلت على ثاني أعلى نسبة أصوات على المستوى الوطني. قالت حين فازت في انتخابات المقاطعات: «عندما تنافست في «أفغان ستار» أردت أن أبرهن أن امرأة من هيرات يمكن أن تغنّي. الآن انتخبت لمجلس المقاطعات، وسأثبت للناس أن المرأة التي تغنّي يمكن أن تكون في السياسة أيضاً». ونسبة إلى الأصوات العالية التي حصدتها، أثبتت فريدة نظريتها بجدارة. ورأت حينها أن ذلك خطوة من أجل الوصول إلى البرلمان وربما إلى الرئاسة.
فتاة أخرى أثارت فضول الصحافة العالمية في الآونة الأخيرة لصغر سنها، هي العدّاءة والبطلة الأولمبية روبينا جلالي (25 عاماً). حصلت على المركز الثاني في سباق 100 متر في أثينا عام 2004، والمركز الأخير في بكين في 2008، وهي اليوم تأمل الحصول على مركز في الجمعية الوطنية.
وُوجهت هذه الوجوه الجميلة بانتقادات للترشح على أساس أن الصرح البرلماني لا يحتاج إلى قوام جميل، وأن هؤلاء لا يعرفن شيئاً عن الدستور أو الوظيفة الرقابية. لكنّ جلالي تقول إن لديها ما يكفي من الخبرة، اكتسبتها من العمل في منظمة والدها غير الربحية، ومن العمل كسكرتيرة في مصرف كابل. ونفت أن يكون المصرف يموّل حملتها كجزء من كتلة المرشحين الموالين لقرضاي.
حسنوات أفغانستان ومشاهيرها يقدّمون وجهاً جميلاً لانتخابات تجري في بلد مضطرب تتجلى فيه الحرب بأبشع صورها، ومعها يقدّمون الوجه الجميل للاستعماريين الجدد الذين يبرّرون حقهم في الغزو برسالة الديموقراطية والرُقي إلى بشر أدنى منهم. لكن خلف هذا الوجه يُخفى وجه قبيح من القتل والدمار والسرقة والفساد والفوضى، يرسمه الغزاة بريشة طبقة حاكمة. المفارقة أنه كلما حاولت الولايات المتحدة أن تقدّم ثمار غزوها، لا تلبث أن تنقلب على نفسها، كما حصل مع ملف الفساد في أفغانستان. أنشأت فريقاً لمعالجته، على اعتبار أنه يمثّل عائقاً أمام ترسيخ الديموقراطية وأحد أهداف الحرب. ولمّا دنا السيف من رؤوس أزلامها في الداخل، دعت إلى كفّ اليد عن حلفائها في الحرب.


خدمات 900 حمار

في بلاد ذات طبيعة جغرافية معقّدة ولا تزال تعيش في القرون الوسطى، فإن الحمير تصبح مدار نقاش حاد بين منظّمي الانتخابات. ففي غرفة تكدّست فيها صناديق الاقتراع، يتساءل موظّفو اللجنة الانتخابية عن: كم هو عدد الحمير التي نحتاج إليها لنقل الصناديق إلى مراكز التصويت الأبعد؟
منذ سقوط طالبان 2001، أصبحت الحمير مرتبطة باللجنة الانتخابية لنقل صناديق الاقتراع وبطاقات التصويت إلى المناطق النائية. وستقوم مروحيات بنقل الصناديق والبطاقات إلى 20 في المئة من مراكز التصويت، بينما ستتكفّل الحمير بالوصول إلى المناطق الأكثر وعورة. وقالت اللجنة إن «أكثر من 900 حمار ستحلّ محل الشاحنات على الطرق الوعرة».
ونقلت الحمير آلاف بطاقات الاقتراع وصناديق بيضاء بلاستيكية وكراسي وطاولات، من سفح الجبل إلى عدد من القرى الصغيرة.
(أ ف ب)