Strong>بوادر ملاحقة قضائية أوروبية لفرنسا في شأن ترحيل الغجررسمت سياسة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الواقع الفرنسي خطاً يفصل بين ما يمكن تسميتهم «محافظين جدداً ساركوزيين» وآخرين. هؤلاء لا يقتصر تعدادهم على فريق المعارضة، بل يشمل شرائح واسعة من المواطنين الفرنسيين الذين يرفضون اليمينية المتطرفة التي تعمل على صب قالب فلسفي متحجر لم تعرفه فرنسا منذ عهد فيشي. وبدأت هذه السياسة تطال خطين جديدين تمددا نحو جبهتين في الحياة السياسية الفرنسية: الجبهة الخارجية التي طالها الخط الأول وخدش صورة «وطن حقوق الإنسان»، بينما انحرف الثاني ليجرف تقاليد عريقة في جبهة الممارسات الديموقراطية في الجمعية الوطنية لإمرار قوانين تحمل طروحات ساركوزي المثيرة للجدل.

باريس ــ بسّام الطيارة
لا تزال قضية ترحيل الغجر من فرنسا تتفاعل على الصعيد الخارجي في صورة تراشق بين الحكومة الفرنسية، المترنحة والمعلنة نهايتها قبل نهاية الشهر حسب معلومات «الأخبار»، وبين المؤسسات الدولية والأممية الناشطة في مجال حقوق الإنسان. وبالطبع، كان هذا الملف حاضراً بقوة على طاولة القمة الأوروبية أمس. الرئيس الدوري للمجلس الأوروبي، رئيس الوزراء البلجيكي إيف لوتيرم، صرح عند وصوله إلى الاجتماع بأنّ «من واجب المفوضية السهر على حسن تطبيق فرنسا لتعهداتها في مسألة الغجر، فهذا من مسؤولياتها الأساسية»، وهو ما رأى فيه البعض دعماً مباشراً للمفوضية.
وكان السجال في هذا الشأن قد انتقل قبل يومين إلى أروقة الدوائر الأوروبية مع تهديدات بملاحقات قانونية للدولة الفرنسية بسبب سياستها التي «لا تحترم القوانين الأوروبية» بتمييزها في التعامل بين المواطنين الأوروبيين. وما زاد من احتدام السجالات كشف الصحافة الفرنسية عن تعميم أصدره وزير الداخلية بريس هورتوفو يطلب فيه من الشرطة العمل على «فكفكة ٣٠٠ مخيم للغجر وترحيلهم»، ما يمكن اعتباره «إشارة عنصرية لمجموعة سكانية مستهدفة»، حسب تفسير القانونيين.
على أثر ذلك، تحركت المفوضة الأوروبية المكلفة شؤون العدالة والحقوق الأساسية فيفيان ريدينغ واتهمت الحكومة الفرنسية بالتصرف كالنازيين إبان الحرب العالمية الثانية تجاه المواطنين اليهود والغجر، وهي «سياسة تقوم على التمييز العرقي». وسبّب ذلك صدمة قوية للفرنسيين، وخصوصاً أنّ مفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، السويدي توماس هماربرغ، كان قد قارن هو الآخر بين الخطاب الفرنسي إزاء الغجر والخطاب النازي إزاءهم وإزاء اليهود.
وتضامنت المفوضية الأوروبية مع المفوضة اللوكسمبورغية الأصل التي قالت «إنها تخشى من عودة إلى الاستهداف العرقي والماضي المظلم الذي عاشته أوروبا». ورأى رئيس المفوضية خوسيه مانويل باروزو أن ريدينغ تتكلم باسم المفوضية كاملة.
ورأى عديدون أنّ رد ساركوزي في هذه الأزمة، التي لم يشهد مثلها الاتحاد الأوروبي منذ ٤٠ سنة، جاء «يحمل النفَس العرقي التمييزي داخل أوروبا». إذ قال أمام عدد من أعضاء مجلس الشيوخ إنّ ريدينغ تستطيع «أن تستقبل الغجر في اللوكسمبورغ إذا أرادت»، في إشارة إلى جنسيتها الأصلية وفي خروج عن العرف الأوروبي الذي يرى أنّ المفوض الأوروبي يمثل كلّ المواطنين الأوروبيين. ورغم إعلان أسف ريدينغ على «التفسير الخاطئ لما قصدته»، وهو ما رأى فيه البعض تهدئة للعاصفة عشية اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إلا أنّ التسريبات أكدت أنّ مسألة الغجر احتلت حيزاً هاماً في القمة، التي شهدت «سجالاً حاداً» بين ساركوزي وباروزو، بحسب ما أعلن رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، الذي أضاف أن القمة لم تقرر شيئاً في مسألة الغجر، التي رُحلت إلى القمة المقبلة.
في هذا الوقت، ضرب ساركوزي عرض الحائط بكل الانتقادات الأوروبية، وأعلن في ختام القمّة أن بلاده ستواصل تفكيك «كل المخيمات غير القانونية» مهما كانت أصول من يشغلونها.
أما في الجبهة الداخلية، فقد سارع البرلمان الفرنسي في إمرار مشاريع قوانين ساركوزي، كأنّه في سباق مع الوقت: قانون البرقع وقانون سحب المساعدات المدرسية من المتخلفين عن الصفوف، وقانون سحب الجنسية من الجانحين. وأُقرّ مشروع قانون الضمان الاجتماعي وسط شغب وصراخ لم تعرفه قاعة البرلمان الفرنسي منذ عقود عديدة. وللمرة الأولى، يسمع في أرجاء القاعة التاريخية تهمة «انقلابي» موجهة إلى رئيس الجمعية الوطنية الذي رفع الجلسة قبل أن يصل دور نواب المعارضة والمستقلين لشرح تصويتهم، ما منع ١٥٠ نائباً من الكلام في مخالفة مفضوحة لقانون البرلمان الفرنسي من رئيس الجمعية الوطنية برنار أكوايه. ولاحق نواب المعارضة أكوايه داخل أروقة المجلس وهم يصرخون «استقل»، وصرّح أكثر من نائب بأنّ «الأوامر أتت من ساركوزي» في إشارة إلى خرق فاضح للفصل بين السلطات. وبعد ساعات، جرى التصويت الذي لم تكن نتيجته موضع شك؛ لأنّ حزب ساركوزي يحتفظ بغالبية مريحة، فوافق ٣٢٩ عضواً على مشروع القانون واعترض عليه ٢٣٣ عضواً، وبات القانون الذي يُعَدّ من أهم منجزات ساركوزي في ولايته، في منتصف الطريق نحو إقراره، رغم وعد اليسار «بتغييره حالما يعودون إلى الحكم». ويبدأ مجلس الشيوخ النظر بالمشروع في ٢٣ الشهر الحالي، وقد دعت النقابات التي لم تتراخَ تعبئتها إلى «إضراب عام» في التاريخ نفسه لتأكيد رفضها له.
وبالطبع تتابع شعبية ساركوزي تراجعها مع كل استفتاء جديد للرأي. ولم يعد نافلاً الحديث عن إمكان خسارة ساركوزي الانتخابات الرئاسية أمام أي من منافسيه الاشتراكيين، مارتين أوبري سكرتيرة الحزب، أو دومينيك ستروس كان، مدير صندوق النقد الدولي.
وأحدث استطلاع نشرته صحيفة «لو باريزيان» صدمة لدى اليمين الساركوزي، بعدما بيّن ارتفاع شعبية دومينيك دو فيلبان، الخصم اللدود، على نحو مفاجئ، بحيث بات يتعادل مع ساركوزي (١٨ في المئة). وتترافق هذه النتيجة مع إعلان استعداد النواب المؤيدين لدو فيلبان الانفصال عن حزب الأكثرية الشعبية الحاكم لتأليف مجموعة مستقلة، مع حديث عن إمكان انضمام نواب «حزب الوسط الجديد» الذي يمثلهم في الحكومة وزير الدفاع هيرفيه موران.
عوامل قد تكون إشارة إلى «بداية النهاية» لساركوزي، ولا سيما أن التفكّك يصيب الحلف الذي أوصله إلى الإليزيه.


فضائح متلاحقة للمقربين من الرئيس

أقحمت سياسة الرئيس نيكولا ساركوزي فرنسا في فوضى فقاعات الفضائح التي تتوالى واحدة تلو الأخرى وتحمل شوائب متشابهة فيها بعض المحاباة وتجاوز القوانين وفرض إيقاع وتوجه للتغيير بحجة «تنفيذ ما وعد به المرشح عام ٢٠٠٧». إلا أنّ هذا التراكم بدأ يكوّن لطخة تتوسع وتزيد من تراجع صورة اليمين الحاكم في فرنسا. لنضع جانباً فضيحة وزير العمل إيريك فورت. ففي فضيحة التجسس على صحيفة «لوموند» لطمس فضيحة فورت، برز اسم مدير الشرطة المقرب جداً من ساركوزي فرديريك بنشار والدور الذي أداه في تبرير ملاحقة التسريبات. إلا أنّ «ردة فعل الصحافة» لم تطل لترد على نحو غير مباشر أمس، إذ كشفت صحيفة «لو باريزيان» عن «لفلفة قضية ابن بنشار» الذي أوقف بحالة السكر الشديدة منذ سنة فتعرض لرجال الأمن بالتهديد بالويل والثبور قبل نقله إلى مركز الشرطة حيث حضر والده وأخرجه من دون أي ملاحقة. وكشفت مصادر مقربة عن «اختفاء أوراق الدعوى والتقارير الملحقة» وأنّ رجال المخفر أُنِّبوا وقيل لهم «اعتبروا أنّ الحادثة لم تحصل». وقبل يومين أوقف مدير مكتب رئيس الوزراء فرانسوا فيون وهو ويقود سيارة بحالة سكر شديدة فتهجم على رجال الشرطة قبل أن يعتذر ويستقيل.