بول الأشقر خاص بالموقع- اغتنم الزعيم الكوبي فيديل كاسترو حفل إطلاق الجزء الثاني من سيرته الذاتية للرد على الصحافي الإسرائيلي ـ الأميركي جيفري غولدبرغ من مجلة «ذي أتلنتيك». وكان هذا الأخير قد نشر على موقع المجلة الإلكتروني على حلقتين بعض مقتطفات ما سيتضمنه المقال الذي سينشره الشهر المقبل عن رحلته إلى كوبا للاجتماع مع فيديل كاسترو بدعوة من الزعيم الكوبي.
وبعد المقال الأول عن معاداة اليهود الذي عنونه غولدبرغ «فيديل لأحمدي نجاد: توقف عن الافتراء على اليهود» (راجع عدد الأخبار في 9 أيلول)، نشر الصحافي مقالاً ثانياً حمل عنواناً منسوباً أيضاً إلى فيديل كاسترو «النموذج الكوبي لم يعد ينفع حتى لنا». أبرز ما في الحلقة الثانية هذه الجملة اليتيمة التي قالها الزعيم الكوبي المتقاعد بالحرف الواحد عن النموذج الكوبي التي لجأ إليها غولدبرغ كعنوان.
في ما بقي، يسرد غولدبرغ رحلة مع فيديل كاسترو إلى أكواريوم لاهافانا حيث حضرا عرض دلافين. وكانت زيارة الأكواريوم طريفة، وإن لم تخل من التهكم أحياناً. يعرّف كاسترو غولدبرغ إلى ابنة إرنستو تشي غيفارا التي تعمل هناك، ثم إلى مدير الأكواريوم. ويقول كاسترو لغولدبرغ إنّ الرجل هو أيضاً مهندس نووي، فيستغرب غولدبرغ وجوده هنا فيعلق كاسترو قائلاً: «وضعناه هنا لمنعه من صنع قنبلة نووية». وعندما يقول الرجل: «حتى لو صنعتها فستكون لأهداف سلمية»، يعلق غولدبرغ: «لم أكن أعلم أنّي موجود في إيران» فيشير كاسترو إلى السجاد الصغير الموضوع تحت كرسيه قائلاً: «بلى، انظر إنه سجاد عجمي».
وباقي المقالة، كالحلقة الأولى، مخصصة لتعليق جوليا زفيغ، الباحثة الأميركية المتخصصة بشؤون الجزيرة الشيوعية التي رافقت غولدبرغ، وهي ممثلة عن اليهود الكوبيين، وتفسيرها لما يقوله فيديل. في اليوم الأول، يسألها غولدبرغ عن سبب دعوته إلى كوبا وعن معنى رسالة كاسترو إلى الإيرانيين. وتجيب زفيغ: «كاسترو يباشر مرحلة إعادة اختراع نفسه كرجل دولة، لا كرأس الدولة، بالأولوية على الصعيد الدولي الذي احتل دائماً أهمية قصوى بالنسبة إليه. أمور مثل الحرب والسلم والأمن الدولي تحتكر اهتماماته ويُعَدّ انتشار الأسلحة النووية والتغيير المناخي من أهم المواضيع... وهو في ورشته هذه يلجأ إلى أيّة قاعدة إعلامية تتوافر له لإيصال آرائه. وقد بدأ بعدما صار الوقت متوافراً له بإعادة زيارة التاريخ وبإعادة زيارة تاريخه».
أما في المقالة الثانية، فرأت زفيغ أنّ «كاسترو لا ينقض مبادئ الثورة (في تصريحه عن النموذج الكوبي). وأنا أفهم أنّه يسجل أنّ القطاع العام احتل في النموذج الكوبي دوراً مبالغاً به في الاقتصاد. وبذلك يوسع هامش تحرك شقيقه راوول لإجراء الإصلاحات التي يمانعها بالتأكيد المتشددون الشيوعيون في الحزب والبيروقراطية».
وفي الكلمة التي ألقاها فيديل في حفل إطلاق الجزء الثاني من سيرته الداخلية، بعد مداخلة عن وضع العالم الخطر بسبب ما يراه «المواجهة المحتملة» بين الولايات المتحدة وإسرائيل مع إيران، ينتقل الزعيم الكوبي إلى مقالات غولدبرغ. فقال عنه: «ما زلت أراه صحافياً كبيراً قادراً على نقل آرائه بدماثة واحتراف، ما يفرض علينا مناقشتها... إنّه لا يخترع جملاً، بل ينقلها ويفسرها». وعلى سبيل المثال، شرح كاسترو ما أحاط بجملتين قالهما فعلاً. الأولى عن موقفه خلال أزمة الصواريخ في كوبا، إذ سأله غولدبرغ: «خلال الأزمة بدا لك منطقياً أن تنصح السوفيات بقصف الولايات المتحدة، ما نصحته آنذاك هل يبدو لك منطقياً في هذه الأيام؟». فأجابه فيديل: «بعدما رأيت ما رأيته، لم يكن محرزاً بالمطلق». أما الثانية، فهي التي عنون بها غولدبرغ مقاله الثاني. فحين سأله غولدبرغ: «أترى أن النموذج الكوبي ما زال يستحق التصدير؟». أجابه كاسترو: «النموذج الكوبي لم يعد ينفع حتى لنا». وأوضح فيديل: «قلتها بدون مرارة ولا هم... ويسلّيني الآن أن أرى كيف فهمها هو حرفياً وكيف استشار جوليا زفيغ التي ولّفت النظرية... في الواقع يعني جوابي عن النموذج الكوبي عكس ما فسره الصحافيان الأميركيان بالضبط... ما أعتقده ويعرفه العالم بأجمعه هو أنّ النظام الرأسمالي هو الذي لم يعد ينفع للولايات المتحدة ولا لباقي العالم».
وختم كاسترو مداخلته بالعودة إلى المقالة الأولى، موضحاً أنّ «العديد من الأصدقاء العرب حذروني من أنّ غولدبرغ من كبار المدافعين عن الصهيونية». وجدد تنديده بالمحرقة وعبّر عن إعجابه بالشعب اليهودي الذي «نجح خلال 2000 سنة في مقاومة التفتيت والاضطهاد» والذي أنجب «مواهب مثل كارل ماركس وألبرت آينشتاين». إلا أنّه تابع: «لم يكونوا الوحيدين الذين اضطُهدهوا وافتُري عليهم بسبب معتقداتهم، والمسلمون خلال أكثر من 12 قرن اعتُدي عليهم واضطُهدوا من الأوروبيين المسيحيين». وأضاف: «أرى أنّ لجميع شعوب العالم حق التمتع بالسلام وبموارد الكوكب الطبيعية (...) وإنّ من العار ما يحدث في أفريقيا (...) ومرعبة الصور التي تصلنا من الشرق الاوسط حيث الفلسطينيون محرومون أراضيهم، وحيث منازلهم تدمرها فرق مروّعة، وحيث رجال ونساء وأطفال يقصفون بالفوسفور الحي (...) وقصف القرى الأفغانية والباكستانية بطائرات بدون طيار هي مشاهد دانتية (...) والعراق حيث أكثر من مليون روح قد قطفت لمواجهة فرضها رئيس جمهورية الولايات المتحدة». وختم كلمته بالتنديد بالـ«جنون» الحاصل مع الغجر في فرنسا ومسألة حرق القرآن.