تمزيق للقرآن أمام البيت الأبيض بعد تراجع جونز عن «الإحراق» التوجّه الأساسي في إحياء ذكرى اعتداءات 9/11، كان دعوات التهدئة مع الإسلام، بعد أسبوع من التجييش ضدّه، ولا سيما بعد تحذير دايفيد بترايوس من أن التطرّف يعرض حياة الجنود للخطر
حاول باراك أوباما، في خطابه الثاني كرئيس أميركي في ذكرى اعتداءات 11 أيلول، امتصاص نقمة الشارع الأميركي المعادي للإسلام عبر التمييز بين الدين الإسلامي وتنظيم «القاعدة» الذي يحاربه، داعياً إياه إلى الابتعاد عن الحقد، تزامناً مع سحب القس المتشدّد تيري جونز دعوته إلى إحراق مئتي نسخة من القرآن، التي أشعلت غضباً في الشارع الإسلامي لم يبرد بعد.
وقال أوباما، أمام مقرّ وزارة الدفاع «بنتاغون» في الضاحية الجنوبية للعاصمة واشنطن: «كل عام خلال هذه الفترة، نجدد تصميمنا على محاربة من ارتكبوا أعمال الإرهاب الوحشي هذه. لن نضعف أبداً في الدفاع عن هذا البلد». وأضاف: «غالباً، في أوقات كهذه، ما يحاول البعض زرع الحقد وتقسيمنا على قاعدة اختلافاتنا، وتعميتنا عما لدينا من أمور مشتركة».
وأكد الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة ليست ولن تكون «أبداً في حرب على الإسلام»، قائلاً إن «الكتابات المقدسة تعلمنا الابتعاد عن المرارة والغيظ والغضب والقتال والإهانة، وكل شكل آخر من أشكال الشر»، مضيفاً: «يمكنهم حتماً أن يحاولوا إثارة النزاعات بين معتقداتنا، لكن بصفتنا أميركيين لسنا ولن نكون أبداً في حرب مع الإسلام. من هاجمنا في ذلك اليوم من أيلول لم يكن ديانة، بل «القاعدة»، عصابة يرثى لها من الرجال الذين حرفوا الدين».
وأشار إلى أن مرتكبي الاعتداءات، التي أوقعت نحو 3 آلاف قتيل قبل 9 أعوام، «يمكنهم حتماً أن يحاولوا بثّ الفرقة بيننا، لكننا لن نرضخ لحقدهم ولأحكامهم المسبقة». وأكّد القيم الإنسانية المشتركة، قائلاً: «فلنحمل إذاً الحداد على من فقدناهم، ولنكرم ذكرى من ضحوا بأنفسهم، ولنفعل ما بوسعنا لنكون على مستوى القيم التي نتشاركها».
وتطرّق إلى وجود القوات التي تحارب منذ 9 سنوات في أفغانستان، وجدّد «التزامنا تجاه قواتنا وكل من يخدمون لحماية هذا البلد، ولعائلاتهم». وأضاف: «لكننا نجدد أيضاً الروح الحقيقية لهذا اليوم، وهي ليست القوة البشرية للشر، بل القوة البشرية للخير. لا الرغبة في الدمار، بل السعي إلى الإنقاذ».
وفي نيويورك، حيث أُقيمت المراسم التقليدية لذكرى 9/11 في الوقت نفسه الذي صدمت فيه إحدى الطائرات المخطوفة البرج الأول لمركز التجارة العالمي (08,46 بالتوقيت المحلي)، خطب نائب الرئيس جوزيف بايدن قائلاً: «لسنا هنا للبكاء، بل لنتذكر ونعيد الإعمار».
كذلك حضرت زوجة الرئيس، ميشال أوباما، وزوجة الرئيس السابق لورا بوش مراسم تكريمية لضحايا الرحلة الرقم 93 الذين قضوا في تحطم الطائرة في بنسلفانيا.
وبالتوازي، سحب القس المتشدّد تيري جونز دعوته إلى إحراق مئتي نسخة من القرآن أمام كنيسته في غينسفيل ـــــ فلوريدا في ذكرى الاعتداءات، وقال لشبكة «أن بي سي» الأميركية: «كلا، لن نعمد أبداً الى إحراق القرآن»، مضيفاً: «لا اليوم ولا لاحقاً».
وأوضح جونز أن مجموعته هدفت من هذه الدعوة إلى «الإظهار أن ثمة عنصراً بالغ الخطورة ومتطرفاً جداً في الإسلام... لقد أتممنا هذه المهمة على وجه كامل».
وكان جونز قد أعلن يوم الخميس أنه صرف النظر عن تنفيذ دعوته مقابل تلقيه وعداً بنقل موقع تشييد مركز ثقافي إسلامي في نيويورك في موقع مركز التجارة العالمي. لكن الإمام الذي يقف وراء هذا المشروع، فيصل عبد الرؤوف، سارع إلى نفي التوصل إلى أي تفاهم مع جونز، الذي كان مجهول الهوية حتى إعلانه على موقع «تويتر» الاجتماعي «يوماً عالمياً لحرق المصاحف» في ذكرى اعتداءات 11 أيلول. لذلك، أعرب أوباما عن خشيته من أن يصاب آخرون بعدوى جونز «في كل أنحاء البلاد، معتقدين أن (إحراق المصحف) سيجذب الأنظار إليهم».
ورغم تراجع جونز، إلا أن مجموعة متطرفة صغيرة عمدت إلى تمزيق صفحات من القرآن أمام البيت الأبيض. وقال العضو في هذه الجماعة المؤلفة من ستة أشخاص والقريبة من تجمع «حزب الشاي» المحافظ، راندال تيري، إن «أحد أسباب قيامنا بذلك هو أنه يجب وقف كذبة أن الإسلام دين مسالم».
وكان ناشط آخر هو أندرو بيكام قد تلى آيات قرآنية قال إنها تدعو إلى كره المسيحيين واليهود، ثم عمد إلى تمزيق صفحات من مصحف صغير الحجم مترجم إلى الإنكليزية.
فضلاً عن أن التظاهرات التي اندلعت مع دعوات القس إلى حرق القرآن، بدورها، لم تهدأ، وجرت تظاهرات أول من أمس في شمال أفغانستان، وأُشعلت الإطارات في الشوارع وعلت هتافات «الموت لأميركا».
من جهة ثانية، شهدت شوارع نيويورك تظاهرتين مضادتين لمؤيدي ومعارضي بناء مركز إسلامي بالقرب من موقع الاعتداءات. وتظاهر نحو 1500 شخص في وقت سابق دفاعاً عن مشروع المسجد، متهمين معارضي المشروع بالتعصب. وبعدها بقليل، احتشد نحو ألفي شخص في مكان قريب لإعلان معارضتهم للمشروع.

تظاهرتان في نيويورك، واحدة مع بناء مركز إسلامي بالقرب من موقع الاعتداءات، والأخرى ضده


وحضر النائب الهولندي المعادي للإسلام، غيرت فيلدرز، التظاهرة المعارضة. وقال أمام المتظاهرين: «أميركا ونيويورك لا تتوافقان مع الشريعة. نيويورك هي الحرية». وأضاف: «لذلك جئنا الى هنا اليوم لرسم خط في هذا المكان المقدس. نحن هنا حيث روح الآباء المؤسسين لأميركا، ونحن هنا حيث روح الحرية». وتابع: «علينا ألا نمد اليد أبداً إلى الذين يريدون السيطرة علينا»، داعياً إلى وضع «حدود تمنع تحول نيويورك إلى مكة جديدة».
أما «طالبان»، فاستغلت مناسبة إحياء ذكرى الاعتداءات التي أدت إلى غزو أفغانستان، للتأكيد أن الولايات المتحدة خسرت فرص السلام. وقالت في بيان: «بعد 9 سنوات على 11 أيلول، وبعدما جربوا كل الحلول العسكرية الممكنة في أفغانستان، خسروا كل فرصة لإحلال السلام فيها». وأشارت إلى أن «التحالف الدولي الذي ضمته (الولايات المتحدة) إليها في البداية، يدرك الآن حقيقة الوضع وبدأ بسحب قواته من أفغانستان للتخلص من هذه المشكلة». وشددت على أنه «لم يعد أمام الولايات المتحدة الآن سوى خيار واحد هو سحب قواتها من أفغانستان من دون شروط مسبقة»، بدلاً من أن «تدفن نفسها في حرب باهظة الكلفة تضعف أفغانستان وأميركا معاً».
(أ ف ب، أ ب، يو بي آي)