يبدو رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في طريقه للعودة إلى الرئاسة الروسية، بعدما استعاد جزءاً من الشعبية التي فقدها عبر إدارته معركة الحرائق «ميدانيّاً»
موسكو ــ حبيب فوعاني
شهدت الأسابيع الأخيرة نشاطاً سياسياً محموماً لرئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، عكسته وسائل الإعلام، ولا سيما في فترة حرائق الغابات. وعلى عكس الرئيس ديمتري مدفيديف، الذي كان يوجّه تعليماته إلى المسؤولين إبان حرائق الغابات الأخيرة إما من الكرملين أو من المقر الرئاسي في منتجع سوتشي، زار رئيس الوزراء برفقة الصحافيين إحدى القرى المحترقة، حيث وعد أبناءها، الذين أتت النيران على منازلهم، بإعادة بنائها قبل حلول الشتاء، وأمر بوضع كاميرات مراقبة توصَل بمنزله ومكتبه لمراقبة مسار العمل، ثم شارك في إطفاء الحرائق من على متن إحدى طائرات وزارة حالات الطوارئ.
وتابع مشاهدو التلفزيونات الروسية بوتين وهو يطلق سهماً على أحد الحيتان لإجراء أبحاث علمية عليه في الشرق الأقصى الروسي، وكيف يراقب برباطة جأش الدببة في إحدى غابات سيبيريا. واختار بوتين سيارة لادا روسية الصنع لقيادتها والترويج لها على الطريق الطويلة الجديدة بين سيبيريا وفلاديفوستوك على سواحل بحر اليابان.
وفي السيارة، قال بوتين لمراسل صحيفة «كوميرسانت» الروسية إنه يفكر كما الجميع في الانتخابات الرئاسية عام 2012، لكنه اعترف بأنه يفكر فيها «في حقيقة الأمر أكثر من الجميع».
ويرى محللون أن منافسة حقيقية على عرش الكرملين بدأت بين مدفيديف وبوتين، بإعلان الرئيس الروسي الشهر الماضي إيقاف مشروع مد طريق سريعة عبر محمية طبيعية بين موسكو وسان بطرسبورغ، التي يعارض قطع أشجارها المدافعون عن البيئة، رغم مسانده رئيس الوزراء لشق الطريق، كما يؤكد المحلل السياسي دميتري أريشكين.
ويرى آخرون أن مدفيديف وبوتين يمارسان لعبة الشرطي الطيب والشرطي الشرير. ويقول المحلل السياسي ألكسيي مكاركين إن بوتين يتوجه في تصريحاته وخطواته إلى سكان الأرياف وسيدات البيوت، فيما يتوجه مدفيديف إلى الليبراليين والنخبة في المدن الروسية والغرب.
وقد أطلق مدفيديف التصريح تلو التصريح منتقداً إيران، وذلك لإرضاء الغرب والليبراليين الروس من أصحاب الأصوات العالية والشعبية التافهة، لكن بوتين حسم الأمر في النهاية انطلاقاً من مصالح روسيا القومية، وأمر ببدء تشغيل محطة بوشهر الكهروذرية في موعده.
وبينما ينتقد المحللون بوتين ومدفيديف لعدم سيطرتهما بسرعة وكما يجب على الحرائق، التي التهمت ملايين الهكتارات من الغابات والمحاصيل الزراعية وقضت على قاعدة للأسطول الحربي، يؤكدون في الوقت نفسه أن سلطة بوتين تعزّزت، بعد عرض التلفزيون الحكومي لقطات لرئيس الوزراء وهو يوجه تعليماته إلى المسؤولين المحليين «على الأرض»، ويؤنب رئيس الوكالة الفدرالية للغابات.
ويقول هؤلاء إن روسيا تحتاج دوماً إلى زعيم وطني كبوتين ذي يد من فولاذ. وقد أضعف بوتين خلال 8 سنوات من رئاسته، وبطريقة منهجية، نفوذ رجال السلطات المحلية وأصحاب المليارات إلى الصفر تقريباً، وشدّد رقابة الدولة على الغاز والنفط والبنوك وقطاع النقل.
ومثلما جرى بعد هجوم المسلحين الشيشانيين عام 2004 على إحدى مدارس مدينة بيسلان في أوسيتيا الشمالية، حين أجبر بوتين خلال رئاسته رئيس هذه الجمهورية الروسية وعدداً من المسؤولين المحليين الكبار على الاستقالة، وألغى انتخابات رؤساء الأقاليم، الذين يعينون الآن بطلب من المجالس التشريعية المحلية بعد تزكية سيد الكرملين، استخدم بوتين الحرائق لتعزيز سلطته، وأمر هذه المرة بإقالة مسؤولين محليين لفشلهم في التعامل مع الحرائق، ووضع الوكالة الفدرالية للغابات تحت إشرافه المباشر لأنها فشلت في احتواء الحرائق.
وفي استطلاع للرأي أُجري إبان الحرائق الشهر الماضي، قوّم المواطنون الروس عمل المسؤولين المحليين في التعامل مع الحرائق وآثارها سلباً، ومنحوهم 2.3 من 5 درجات، فيما نال بوتين في هذا الاستطلاع 3.7 درجات. وبعد هبوط محدود لشعبيته عاد بوتين لينال تأييد نحو 80 في المئة من المواطنين في استطلاعات الرأي الروسية.
مدفيديف من ناحيته، لمّح في حديث له مع الصحافيين الغربيين إلى أنه لن يقدم على ما يمكن أن يضايق بوتين إذا شاء الأخير ترشيح نفسه للرئاسة. بعبارة أخرى، مدفيديف لن يرشّح نفسه عام 2012.