سيختار الأتراك، بعد غد الأحد، ما بين كلمتين ليحسموا مصير بلادهم: evet (نعم) أو hayir (لا). سيحسمون، في الاستفتاء على التعديلات الدستورية وجه تركيا في الداخل والخارج. وبطريقهم، سيقررون مستقبل رئيس حكومتهم رجب طيب أردوغان
أرنست خوري
ستكون تركيا، في الصباح الذي سيلي الاستفتاء على التعديلات الدستورية، بعد غد الأحد، «تركيا جديدة». هذا إن لم تحصل مفاجآت، بما أنّ التوقعات ترجّح فوز الاستفتاء، لكنّ العيون ستكون منصبّة على نسبة الفوز. بالتالي، فإنّ نيل التعديلات أقل من 55 في المئة من موافقة الشعب التركي، وهي النسبة التي حدّدها حزب «العدالة والتنمية» ليعدّها فوزاً، سيُنظَر إليه على أنه أقرب إلى خسارة رجب طيب أردوغان، الذي يستعجل مرور موعد 12 أيلول ليتفرغ لحقبة ما بعد الاستفتاء، التي ستكون لها عناوين عدة، أبرزها:
ـــــ إطلاق حملة شعبية وسياسية لإقرار دستور جديد كتبه مستشارو أردوغان وخبراؤه الدستوريون، ليُعرَض بعد الانتخابات التشريعية التي ستعيشها البلاد بعد أقل من عام.
ـــــ تهيئة الرأي العام لفكرة التعاطي مع أردوغان رئيساً لجمهوريةٍ نظامها رئاسي في عام 2012.
ـــــ تهيئة العقول لإعادة إحياء خطة «الانفتاح الديموقراطي» تجاه أكراد تركيا للتخلص من أكبر عبء جاثم على صدر جميع الأتراك.
ـــــ إعادة إحياء المساعي لمحو كل ما يتعرض للحجاب الإسلامي في تركيا، على الصُّعد القانونية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وسيكون تصويت يوم الأحد على التعديل الرقم 17 على الدستور الانقلابي الذي أُقرّ في 12 أيلول، لكن قبل 28 عاماً. وستتألف الرزمة من 26 مادة، هي عبارة عن تعديل لـ25 بنداً دستورياً مع إلغاء للمادة المؤقتة الرقم 15 التي كانت تحمي منفذي انقلاب 1982. ومن بين الأحزاب الأربعة «الكبيرة» على الساحة التركية، يقف «العدالة والتنمية» وحيداً ضدّ الجميع تقريباً. «تقريباً» لأنّ جماهير أحد هؤلاء الأحزاب الأربعة، حزب «السلام والديموقراطية» الكردي، تحمل بيدها مفتاح الجنة أو جهنم بالنسبة إلى الاستفتاء. وليس من المبالغة اعتبار أنّ أكراد تركيا (يمثّلون نحو 20 في المئة من الشعب التركي) سيكونون «بيضة القبّان» لحسم مصير أهم الاستحقاقات منذ نجاة الحزب الحاكم من حظر المحكمة الدستورية العام الماضي. فـ«السلام والديموقراطية» يرفع لواء المقاطعة رسمياً بحجة رغبته في دستور ديموقراطي جديد بالكامل، لكنّ جزءاً من جمهوره متحمّس للتعديل. من هنا، فإنّ الرهان يتمحور حول إيصال التصويت الايجابي للأكراد إلى حاجز الخمسين في المئة.
أما حزبا المعارضة، «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، فقد بذلا جهوداً جبّارة لحشد الرافضين للحدّ من سلطة الجيش وسطوته على القضاء، لدرجة أنّ أكثر المتفائلين لا يقدّرون وصول نسبة الـ«نعم» إلى مرتبة الـ60 في المئة، بالتالي، فحتى لو نجح الاستفتاء، فإنّ المعارضة ستعدّ النتيجة بمثابة فوز لها، على قاعدة أنه لا يمكن السير بتعديل دستوري بهذه الأهمية، في ظل معارضة أقل بقليل من نصف الشعب.
وكانت التعديلات الدستورية قد خضعت لعمليات جراحية كبيرة شوّهت بعض جوهرها، لكن تبقى لها وجوه إيجابية عدة، أبرزها تُعَدّ ضربة لبعض ما يتمتع به الجيش من نفوذ مطلق، حتى في عقر داره، أي في ما يتعلق بالمجلس العسكري الأعلى. من جهة، لن يكون هذ المجلس قادراً على التحكم بضباطه من ناحية صرفهم وإقالتهم تعسّفاً مثلما كانت الحال عليه، بما أنّه أصبح يحق لكل متضرّر من قرارات الهيئة القيادية العسكرية، اللجوء إلى القضاء لتحصيل حقوقه وربما إبطال القرارات المضرة بمصالحه. كذلك سيتخلص القضاء من جزء كبير من الهيمنة العسكرية على مؤسّساته، بما أنه سيُزاد عدد قُضاة المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين، مع أنّ رئيس الجمهورية حُرم حقّ تعيين القضاة، كانت النسخة الرئيسية من التعديل تكفلها له.
ولإصلاح القضاء وتحجيم دور العسكر في الحياة السياسية والعامة، إضافة إلى باقي بنود التعديل ذات الطابع النقابي الاجتماعي، وتلك التي تحمي الطفل والمرأة، جانب رئيسي استفاد منه آباء التعديل لإقناع ناخبيهم به، على أساس أنّ الطريق نحو الاتحاد الأوروبي ستكون أسهل مع هذه التعديلات. ولهذه الأسباب وغيرها، خاض حكام «العدالة والتنمية» حملتهم الشعبية تحت شعار معبِّر: نعم للاستفتاء يعني تركيا قوة دولية تفرض احترامها في الخارج، بينما رفض التعديلات الدستورية سيحجّم الحلم التركي لأنّ العالم سينظر إلى الـ«لا» على أنه انقلاب على الديموقراطية.